شهدت واشنطون الاسبوع الماضي أولى جولات الحوار الافريقى الامريكى، عندما استضافت الخارجية الامريكية وفدا رفيعا من الاتحاد الافريقى بقيادة رئيس مفوضية الاتحاد جان بينغ، وبدت الولاياتالمتحدة متحمسة لتعميق الحوار مع مؤسسة الاتحاد بدلا عن الحوارات الثنائية مع اكثر من خمسين دولة افريقية، وذلك بعد أن اصبح الاتحاد مؤسسة لا غنى عنها فى التعاطى مع الشؤون الافريقية، والدليل هذا الحوار الذى تجريه معه الادارة الامريكية تماما كما تفعل مع الاتحاد الاوربى رغم الفوارق بين الواقعين، والحوار الراهن يأتى فى اطار اهتمام خاص توليه واشنطون للاتحاد الافريقى فهى واحدة من دولتين لها سفير لدى الاتحاد كما أنها أكبر دولة مساندة ومؤيدة لخطط الاتحاد فى مجال تحقيق السلم والامن. ويرى كثيرون من المراقبين ان هذا الحوار هو فى الواقع استكشافى لنقاط الالتقاء والتقاطع فى المصالح الكلية للقارة الافريقية والولاياتالمتحدة ، كما انه سانحة لطرح الاجندة والرؤى حول مستقبل العلاقة بين المنطقتين وسبل تطويرها لتصبح شراكة منتجة تعود بالفوائد على الاطراف كافة ، وفد الاتحاد الافريقى ذهب الى واشنطون وفى حقائبه أربعة أهداف استراتيجية يسعى لتحقيقها للقارة ويرحب فى ذلك بأى دعم امريكى لتحقيق هذه الاهداف وهى السلام والأمن؛ والتنمية؛ والقيم المشتركة؛ وبناء الطاقات البشرية والمؤسسية. ووجد وفد الاتحاد الافريقى الى واشنطون دعماً أمريكياً في أهم قضيتين تواجهان الاتحاد وهما حفظ السلام وترسيخ الديمقراطية واقرار مبدأ التداول السلمى للسلطة لاحداث قطيعة نهائية مع ماضى القارة الافريقية المخضب بدماء الانقلابات العسكرية والحروب الاهلية، حيث وصف نائب وزيرة الخارجية الامريكية جاكوب لو الاتحاد بأنه «مؤسسة ضرورية للدفاع عن مبادئنا المشتركة للديمقراطية والحكم». وقال «إن موقف الاتحاد الأفريقي الشجاع ضد التغييرات غير الدستورية في الحكومات في كل من موريتانيا وغينيا والنيجر ومدغشقر تستحق الثناء». وقد اتخذ أعضاء الاتحاد قراراً جلياً بأن الاتحاد لن يصبح نادياً للجنرالات والحكام الطغاة المستبدين ونحن نشيد بالخطوات القوية التي اتخذها الاتحاد في هذا الصدد وفى ما يشبه الاعتراف ضمنيا بان تطبيق الديمقراطية فى افريقيا لن يكون مثاليا او وقع الحافر مع التجارب الغربية المتطورة فى هذا المجال، لفت جاكوب حقيقة أن الأنظمة الديمقراطية لا تكون قط خالية من العيوب، وتعهد بأن تقف واشنطن على أهبة الاستعداد لمساعدة أي بلد يناضل من أجل الحفاظ على مؤسساته الديمقراطية الخاصة. ورغم الانتقادات داخل القارة الافريقية لدور الاتحاد فى فض النزاعات وحفظ السلام الذى يرى الكثيرون من الافارقة أنه دون الطموح والتحدى الكبير الذى تشكله النزاعات المسلحة لمستقبل استقرار ونهضة القارة الافريقية، فقد اشادت واشنطون بالاتحاد الأفريقي وب «دوره الجليل» في عمليات حفظ السلام الأفريقية لا سيما في الصومال والسودان وتعهدت بالدعم الكامل لبعثته في الصومال (أميسوم) والعملية المشتركة للاتحاد والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد)، لان الادارة الامريكية ترى فى السعى الى احلال السلام والاستقرار فى القارة الافريقية تحقيقاً مباشراً للمصالح الامريكية. الجولة الحالية من الحوار الامريكى الافريقى سيطرت عليها القضايا السياسية المشتركة تأكيدا لتصريحات الرئيس الامريكى باراك اوباما عندما زار غانا بأن افريقيا جزء اساسى من العالم، وبالتالى تغيير الخطاب التقليدى تجاه افريقيا الذى كان قاصراً على الاعانات للقارة، ففى الحوار الامريكى الافريقى الراهن لم ترد إلا اشارة عابرة للمساعدات عندما الزمت واشنطن نفسها بالعمل مع أفريقيا للمساعدة في رفع الإنتاجية الزراعية، والدليل على تطور الخطاب الامريكى تجاه افريقيا واحلالها شريكا فى الهموم الكونية بدلاً عن تلقى الاعانات هو ما ذكره نائب وزيرة الخارجية الامريكية بأن تهديدات جديدة طرأت ومنها الإرهاب، والأزمة المالية العالمية، والقرصنة، والمخدرات، والجريمة المنظمة والاتجار الإجرامي بالبشر، والتغير المناخي وكل هذه بدأت تتخذ حيزاً أكبر في الأجندة العالمية، ولم يعد بمقدور دولة بمفردها أن تعالجها، وأن لدى أفريقيا «واجباً ومسؤولية» فى حل هذه المشكلات بجانب معالجة تحدياتها الخاصة التى تتعلق بمشاكل الفقر والتخلف، والحكم الديمقراطي، والصحة، والأمن الغذائي وفض النزاعات. وبدا الوفد الافريقى الى واشنطون متفائلا بمستقبل الحوار الامريكى الافريقى حيث أعلن رئيس مفوضية الاتحاد بينغ أن منظمته على قناعة بأن أفريقيا والولاياتالمتحدة بمقدورهما أن يصمما ويبنيا علاقة ترتكز على قيم مشتركة واحترام متبادل ودعائم الثقة والالتزام والشراكة في القرن الحالي. وأضاف أن لدى أفريقيا والولاياتالمتحدة تاريخاً حافلاً بالتعاون ويرتبطان معاً بأواصر اقتصادية واجتماعية وثقافية. الحوار الاول من نوعه اتفق الطرفان على استدامته على اساس سنوي بالتناوب بين واشنطون واديس ابابا مقر الاتحاد الافريقي، وجاء في البيان المشترك ان المحادثات التي جرت في واشنطن هدفت الى «دعم مصالحنا المتبادلة ونشر قيمنا المشتركة من خلال شراكة استراتيجية جديدة». وقال بينغ خلال مؤتمر صحافي عقد في ختام الحوار الذى استمر ثلاثة ايام في واشنطن ان «الولاياتالمتحدة تقيم علاقات ثنائية مع الدول الافريقية ، لكن الكثير من المشكلات عالمية ولا يمكن حلها إلا على الصعيد العالمي». من جهته قال مايكل باتل السفير الاميركي لدى الاتحاد الافريقي انه في ما يتعلق بالمسائل «العابرة للحدود، فان الصوت الوحيد المنتخب بصورة شرعية للتحدث باسم القارة بأسرها هو صوت مفوضية الاتحاد الافريقي».