* زمااااان.. في القرية قبل أكثر من نصف قرن وقبل أن نعرف حاجة اسمها فيروس ولا بكتيريا ولا أي حاجة «تضر بصحة الإنسان» - كما علمونا لاحقاً في المدينة- كنا ننبطح أرضاً على الجداول والترع ونشرب من مائها العذب الجاري لري المزارع والبساتين، ولم نكن نفاجأ أو نستغرب عندما ينضم حمار أو ماعز إلى «العزومة» «لشرب ماء ملوث» بلغة هذه الأيام. وعندما كان يصحبنا مدرس الجغرافيا في رحلاته الخيالية في المرحلة الأولية «الأساس هذه الأيام» الى القولد وبابنوسة وريرة ويامبيو وود سلفاب وغيرها من قرى ومضارب القبائل السودانية المتعددة كان «أصدقاؤنا» يكرموننا بالقراصة وعصيدة الذرة والدخن ويقدمون لنا ماءً مجلوباً من الترع والحفائر التي يغتسل فيها الناس وتشرب منها وتخوض داخلها الحيوانات كالأبقار والجمال والأغنام. وما زال الكثيرون من سكان قرى السودان يكابدون للحصول على الماء الصالح للشرب حتى يومنا هذا. * منذ الخليقة كان الإنسان الأول يشرب من مياه الأمطار والأنهار والبحيرات دون معالجة.. ماء ربما يعتبره إنسان اليوم غير صالح للشرب. * ولكن.. حتى في قرننا الحادي والعشرين كثير من سكان المعمورة وخاصة أهالي العالم الثالث محرومون من الماء الصالح للشرب حسب المعايير الدولية، ولماذا نذهب بعيداً فأطراف ولاية الخرطوم وحتى داخل بعض أحيائها يتعذر فيها الوصول الى الماء النظيف. * حتى ماء الحنفيات مشكوك في نقائها. بعض الناس يخشون من التقارير التي تؤكد اختلاط ماء هيئة مياه الخرطوم المعالج.. بالماء الملوث الذي تلفظه المصارف الصحية. * ورغم كل هذا فإن الله رحيم بعباده، وأحسب انه لولا المناعة الطبيعية التي وهبها الله لخلقه لانقرض غالبية سكان المعمورة «لعل د. كمال حنفي يفتي في هذا الشأن». * استفزني لكتابة هذه السطور تقرير نشر في جريدة «الصحافة» يوم الاربعاء يحذر الناس من شرب ماء الجركانات التي يتجول بها الصبية في الأسواق، وخاصة عندما يشرب المواطنون بنفس الماعون الذي يشرب به أشخاص مصابون بأمراض «خطيرة» وأشهرها «التهاب الكبد الوبائي».