آخر قرارات مجلس الأمن بشأن السودان قبل أيام قليلة، زاد في عمر بعثة الأممالمتحدة في السودان (يونميس) عاماً آخر ينتهي في الثلاثين من أبريل في العام المقبل، وذكر المتابعين ثانية بوجود تلك البعثة التي يكاد البعض ينسى وجودها لولا بياناتها الصحفية التي تصدرها بين الحين والآخر عندما تضطرب الأحوال الأمنية في المناطق الداخلية في الجنوب، أو على الحدود مع الشمال، فمهمة هذه البعثة الأساسية، كانت تعزيز ودعم تنفيذ اتفاقية السلام الشامل، ومساعدة الشريكين عبر تقديم خدمات التنسيق، والعون الفني والاستشاري. اليونميس بدأت قصتها في السودان على نحو أفضل من الطريقة التي بدأت بها فصول قصة اليونميد، بعثة الأممالمتحدة في دارفور، فبينما صدر قرار مجلس الأمن بإرسال قوات إلى دارفور قبل الوصول إلى سلام كامل في الإقليم المضطرب، أتى قرار إنشاء اليونميس كملحق لاتفاقية نيفاشا للسلام، إذ قرر مجلس الأمن في 24 مارس 2005م تكوين البعثة، بتفويض يغلب عليه طابع الرقابة والتنسيق وتقديم المساعدة عند الطلب، إذ فوضت البعثة بدعم تنفيذ اتفاقية السلام عبر رصد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، ومراقبة تحركات الجماعات المسلحة وإعادة نشر القوات، والاتصال بالمانحين بشأن تكوين الوحدات المشتركة، والمساعدة في برنامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، وتنسيق العودة الطوعية للاجئين، والمساعدة الإنسانية، والمساعدة في جهود نزع الألغام. تفويض بعثة الأممالمتحدة في السودان ليس إنسانياً وفنياً وتنسيقياً فحسب في واقع الأمر، رغم أن معظم بنود القرار 1590 الذي شكل البعثة تمضى إلى هذه الجوانب، لكن القرار في حد ذاته، صدر تحت البند السابع الشهير، الذي يتيح التدخل العسكري المباشر من الناحية النظرية والقانونية، فالقرار في الفقرة قبل الأخيرة منه، يأذن للبعثة باتخاذ الإجراءات اللازمة، في مناطق نشر قواتها وحسبما تراه مناسباً في إطار قدراتها، لحماية أفراد الأممالمتحدة، ولضمان أمنهم والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين المعرضين لخطر العنف البدني الوشيك دون مساس بمسئولية حكومة السودان. حماية المدنيين من خطر العنف البدني الوشيك، أو من القتل على نحو أدق، مهمة لم تنجح فيها البعثة كثيراً بقواتها التي يبلغ عددها حوالي عشرة آلاف، فالبعثة، لم تتمكن من فعل شيء إزاء أحداث العنف القبلي وعدم الاستقرار الأمني في المناطق الداخلية في الجنوب، كما اكتفى مسئولوها بالتعبير عن أسفهم إبان موجات العنف الحاد في منطقة أبيي في العام الماضي، ما يؤكد وفق البعض طبيعة التفويض غير العسكري لهذه البعثة. قدرة بعثتي الأممالمتحدة في السودان، اليونميس واليونميد، على حماية نفسيهما، ناهيك عن حماية المدنيين، موضع شك كبير بالنسبة لكثيرين، فقد فقدت بعثة الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي المشتركة في دارفور الكثير من أفرادها، أما اليونميس، فقد فقدت حتى الآن كما تقول على موقعها الإلكتروني «17» جندياً، واثنين من أفراد الشرطة، وثلاثة مراقبين عسكريين، وسبعة مدنيين أجانب، وعشرين مدنياً محلياً، وشخصاً آخر، ليصبح المجموع خمسين ضحية سقطوا في صفوف البعثة. يرى كثيرون أن اتفاقية نيفاشا كانت مجرد خارطة طريق للوصول إلى الاستفتاء على حق تقرير المصير للجنوب في يناير المقبل، وتنطبق ذات الرؤية على بعثة الأممالمتحدة في السودان، إذ يرى هؤلاء أن مهمتها هي رعاية وقف إطلاق النار حتى إجراء الاستفتاء، مهمة قد تتحول قليلاً فيما بعد لتصبح شبيهة بمهام بعثات الأممالمتحدة في مناطق أخرى من العالم، وهي البقاء على الحدود المتوترة بين دولتين يخشى اشتعال مواجهة بينهما، مثلما هو الحال على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، أو الحدود الأثيوبية الإريترية. أصعب مطب واجهته اليونيميس، كان طرد رئيسها يان برونك، الذي طلبت منه الحكومة المغادرة بعدما اقترب بتصريحاته من مؤسسات حساسة في الدولة، فكتبت تلك التصريحات نهاية مهمته في السودان، وأثارت الحادثة حينها تساؤلات حول مستقبل العلاقة بين الجانبين، لكن الأمور تحسنت نوعاً ما لاحقاً مع قدوم أشرف قاضى، الذي التزم في تصريحاته حذراً أكبر من سلفه المطرود. الانتخابات، كانت أحد مظاهر العلاقة الهادئة بين بعثة الأممالمتحدة والحكومة، فالأولى قدمت الكثير من المساعدات للانتخابات في مختلف مراحلها، ووفرت دعماً لوجستياً وفنياً لمرحلة التسجيل، والاقتراع، عبر نقل الأجهزة والمعدات والبطاقات بطائراتها الخاصة، وتقديم التدريب لأفراد الشرطة حول الجوانب الإنسانية لتأمين الانتخابات، وصولاً لتقديم الكثير من المساعدات العينية للمفوضية القومية للانتخابات، كالسيارات والحواسيب والمستلزمات المكتبية. ميزانية اليونيميس الإجمالية للعام الحالي تبلغ قرابة المليار دولار، وهو رقم يشير إلى ضخامة عمليات هذه البعثة التي يتركز عملها على الجوانب الإنسانية والفنية ونزع السلاح والألغام وتوفير الدعم اللوجستي، وعادة ما تشكل هذه المهام الجزء الأساسي من تقارير الأمين العام للأمم المتحدة التي يرفعها على نحو راتب كل ثلاثة أشهر لمجلس الأمن، حول أداء البعثة ومدى تنفيذها لتفويضها، تفويض بدا منه طيلة السنوات الخمس الماضية الجانب الفني الذي يقبله الجميع، في المقابل، يثير تفويض البعثة بموجب البند السابع شكوك البعض حول ما إذا كانت المهمة ستبقي فنية طيلة الوقت، أم أن البعثة، والقوى الدولية وراءها قد تنفض الغبار في لحظة ما عن مهام أخرى، ضمنت في ثنايا القرار 1590م.