هل بات في حكم المؤكد مغادرة بعثة الاممالمتحدة لحفظ السلام للسودان بعد الجدل الذي اثير بينها وبين الحكومة حول احقية كل منهما في انهاء التفويض الخاص بالبعثة، وبالاول من أمس، شرعت اليونميس في وضع الخطط الاولية لسحب قواتها وموظفيها إلى حين صدور القرار النهائي بانهاء التفويض من مجلس الامن الدولي وقدم كبير الموظفين ورئيس الفريق المدني تنويرا مفصلا حول محاور الخطة الاولية لانفاذ قرار سحب البعثة من السودان حسب قرار الحكومة بانهاء عملها في التاسع من يوليو المقبل، ورغم ما حققته البعثة خلال فترة عملها التي امتدت لست سنوات لاسيما في تقديم المساعدات اللوجستية خلال فترة الانتخابات واستفتاء جنوب السودان وتوفير فرص عمل لمايقارب ال3 آلاف سوداني الا ان اداء البعثة الاممية تعرض لانتقادات حادة اثناء الهجوم على أبيي اذ اتهمت قواتها بالفشل في حماية المدنيين والتخندق في ثكناتها لمدة 48 ساعة. وانشئت البعثة الاممية في بداية العام 2005م بموجب قرار مجلس الامن رقم 1590 الذي رأى بان حالة السودان تمثل تهديدا للسلم والامن الدوليين برئاسة الهولندي يان برونك وبمقتضاه وصل البلاد 10592 جنديا منهم 488 مراقبا عسكريا و9265 جنديا و1045 موظفا مدنيا دوليا و2770 موظفا مدنيا محليا و327 متطوعا بميزانية قدرت ب 938 مليون دولار، غير ان طريق البعثة لم يكن مفروشا بالورود اذ سرعان ما توترت العلاقة بينها وبين الحكومة السودانية في العام 2006م عقب قرار الاولى بانهاء مهمة المبعوث الخاص وامهاله 72 ساعة لمغادرة البلاد على خلفية تصريحاته المشككة في قدرة الجيش السوداني ووصفه للاخير بتدني روحه المعنوية جراء هزائم في دارفور وفي اكتوبر من العام 2007 تولى الباكستاني اشرف قاضي مهام منصب رئيس بعثة الاممالمتحدة خلفا ليان برونك واتمست فترة قاضي بالهدوء والاستقرار قبل ان يغادرمنصبه لاسباب شخصية بعد عامين قضاهما في السودان خلفه الارتري هيلي منقريوس. ورغم مساهمات اليونميس خلال الست سنوات الماضية الا ان الحكومة السودانية اتهمتها بالتقصير ابان احداث أبيي معلنة عدم رضاها عن اداء البعثة الاممية في المنطقة قبل ان تحملها مسؤولية التصعيد الاخير الذى نتج عن تساهلها مع الخروقات التى ارتكبها الجيش الشعبى وهو ما عززه رئيس البعثة هيلي منقريوس الذي ابدى عدم رضاه عن قواته في أبيي ليس هذا فحسب اذ يرى مراقبون ان قوات البعثة فشلت في حماية افرادها ناهيك عن حماية المدنيين في اشارة إلى الخسائر الفادحة التي تكبدتها البعثة في الارواح والمعدات كان آخرها ما تعرضت له في ولاية جنوب كردفان وكان موقع البعثة اشار في وقت سابق الى فقدان 22 جنديا و3 من افراد الشرطة و3 مراقبين و8 موظفين دوليين و22 موظفا محليا. وعلى خلفية الجدل الذي دار بين الحكومة والاممالمتحدة بشأن تمديد عمل البعثة في السودان ذهبت آراء مراقبين ومحللين في اتجاهين، فبينما يرى فريق ان من حق الحكومة انهاء التفويض بناء على انتهاء اجل اتفاقية السلام الشامل يرى فريق آخر ان التمديد مرهون بصدور قرار من مجلس الأمن بحكم ان المجلس هو من اصدر قرار حضورها الى السودان وحدد مهامها، ووفقا لمدير مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية الدكتور علي عيسى فقد اكد احقية الحكومة في مطالبتها برحيل القوات الاممية مبينا ان التفويض الممنوح للبعثة ينتهي بانتهاء اجل الاتفاقية التي نصت على انهاء التفويض في نهاية الفترة الانتقالية وقيام دولة الجنوب، ويقول عيسى في حديثه ل (الصحافة) عبر الهاتف أمس: إن على الحكومة اتخاذ الاجراءات اللازمة في حال التفاف مجلس الامن على الاتفاقية وتمديد مدة عمل البعثة وقطع الطريق امام الحركة الشعبية التي تسعي لبقائها. واتفق استاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم الدكتور حسن حاج علي مع ماذهب إليه مدير مركز السودان للبحوث في احقية الحكومة في انهاء تفويض البعثة، وقال: إن الامر له شقان الاول يتعلق بالسيادة حيث ترى الحكومة ان من حقها ذلك غير انه رأى بأن النزعة التدخلية للدول الكبرى (الشق الثاني) تتم رغما عن معارضة الدول الصغرى، لكن توقع ان يتم التوصل إلى وضعية وسط تتم فيها المواءمة بين سيادة الدولة ونزعة الدول الكبرى في التدخل كما هو حال القوات الموجودة في دارفور وما تم الاتفاق عليه في اديس ابابا بشأن ارسال قوات اثيوبية لحفظ السلام في أبيي. غير ان المحامي نبيل اديب اكد ان مجلس الامن من حقه قانونا اصدار قرار يقضي باستمرار البعثة بعد انفصال الجنوب مشيرا إلى ان القرار يقع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة الذي يمنح مجلس الامن سلطات كبيرة في حال تهديد السلم او الاخلال بالامن، واوضح اديب ان القوات الاممية دخلت في الاساس بموجب قرار مجلس الامن رقم 1590 واتفاقية بين الاممالمتحدة والحكومة سهلت عمل البعثة ومنحتها تسهيلات واعفاءات جمركية وضريبية ومزايا وحصانات وليس بموجب اتفاقية السلام الشامل واردف قائلا: ان القوات الدولية جاءت بموجب قرار مجلس الامن وان الاتفاقية الموقعة بين الحكومة والبعثة تهدف لتسهيل مهامها، وبيّن اديب في حديثه ل (الصحافة) عبر الهاتف أمس بان قرار مجلس الامن كان بموجب تهديد الحالة في السودان للامن والسلم والدوليين واردف بان الدول الاعضاء في مجلس الامن بموجب المادة 24 من الميثاق تلتزم باتخاذ ما تراه مناسبا لحفظ وصيانة الامن بما فيها السودان، وفي حال عدم موافقة الحكومة قال اديب لايوجد مخرج غير الدخول في حرب مع تلك القوات غير انه استبعد ذلك موضحا ان مجلس الامن نادرا ما يلجأ إلى سياسة الامر الواقع ورأى اديب ان مجلس الامن اذا رأى ضرورة سيمدد عمل البعثة لكن بعد الدخول في مفاوضات مع الحكومة، وحذر نبيل من مغبة معاداة المجتمع الدولي مشيرا إلى ان الحكومة ليس في مصلحتها تحدي مجلس الامن. ولم يتوقف الجدل بشأن من يقرر انهاء مهمة اليونميس فحسب بل امتد إلى مدى نجاح البعثة في انفاذ مهامها المتعلقة بالمساعدة في تنفيذ اتفاقية السلام وحفظ الامن وحماية المدنيين اذ يرى علي عيسى ان البعثة نجحت في انجاز مهامها بكفاءة واعتدال وساعدت في حفظ السلام وكان لها دور واضح في نجاح الانتخابات واستفتاء الجنوب وعملت باتساق مع القوات المشتركة، غير ان حسن حاج علي اتخذ منحى آخر في تقييم عمل البعثة اذ وصف اداءها بالضعف والعجز في حال وقوع محك حقيقي موضحا انها فشلت في كثير من الحالات في الدفاع عن نفسها ناهيك عن توفير الامن والحماية للآخرين، ورأى حاج علي ان خير مثال لذلك ما وقع في أبيي اذ اتخذت قوات الاممالمتحدة موقف المتفرج وتكتلت في مواقعها طوال فترة الاشتباكات وكررت السنياريو ذاته في احداث ولاية جنوب كردفان اذ اقتصر دورها في توفير الحماية للذين لجأوا إليها، واضاف قائلا: في تقديري الشخصي ان وجود قوات دولية يعطي ايحاء لمواطني تلك المناطق بتوفير الحماية وحفظ الامن والاستقرار وهو ما فشلت فيه تلك القوات. وعلى ذلك رأى حاج علي ان وجود قوات الاممالمتحدة مرتبط بحالة الاستقرار اذا وجدت الاخيرة تؤدي مهامها على اكمل وجه اما في حال وقوع توتر او قتال او مشادات فأثرها ضعيف في صيانة الامن وحماية المدنيين.