وصف مركز كارتر الذي راقب الإنتخابات الأخيرة في السودان في بيان صدر في الأيام الماضية .. وصف فرز الأصوات بأربع صفات : أنّه اتسم بالفوضى، وأنه كان عُرضةً للتزوير، وأن هذا يثير القلق بشأن دقة النتائج، وأن عملية الفرز افتقرت إلى الشفافية. للأسف نحن لا نعترف بالحقائق التي نراها أمامنا. الفوضى جزء من حياتنا. نراها ونحسها ونلمسها، كإفراز طبيعي من إفرازات حياتنا، لكننا نغضب أشد الغضب إذا وصفنا بها. لكن هذه الفوضى، كما وصفها مركز كارتر، جعلت الفرز (عُرضة) للتزوير. لكنه لم يقل إن التزوير قد (تم) بالفعل. أتصور أن تصدر المفوضية تقريراً شاملاً في نهاية عملها يستعرض ما تم في مجمل العملية الانتخابية، وستكون المفوضية أمام واحد من خيارين : إما أن تختار الخيار السياسي فتصف العملية بالكاملة المكملة باعتبار أن هذا شأن وطني وأن أي (خدش) له سيكون (خدشاً) للسودان، وإما أن تعترف بالواقع الذي يشتمل على الأخطاء التي رصدت وأعلنت في الداخل والخارج بقصد التنبيه لها ومعالجة أسبابها حتى لا تتكرر في انتخابات قادمة. تقرير مركز كارتر لن يحدث بلبلة في الشارع السوداني كما (قدرت) المفوضية. فهو ليس أكثر حدة من التقارير السابقة التي صدرت من مركز كارتر بعد ظهور النتائج. وهذا التقرير والتقارير السابقة كانت توُازن بين التصريح بأجزاء من الحقيقة، وبين احتمالات أن تحدث ردود أفعال تمنع إكمال تنفيذ اتفاقية نيفاشا، أي تمنع تحديدا إجراء استفتاء الجنوب في يناير القادم. مركز كارتر، بعد أن راقب حوالي (25) عملية انتخابات في العالم، كان يعرف ظروف كل عملية راقبها، وكان يقدر أن رد الفعل في السودان لن يكون عنيفا، أولا: لطبيعة الشعب السوداني التي لا تستجيب بسهولة لدواعي العنف، وثانياً: للظروف الحرجة التي تمر بها الأحزاب السودانية، فهي تمر بمراحل من الضعف المرضي، وتحاول أن تجد العلاج المناسب، والعلاج مرهون بمدى استجابة الجسد المريض له : إما أن يستجيب وإما أن يكون زمن العلاج قد ولى. وبعد .. لا أتمنى أن تتعامل مفوضية الانتخابات مع التقارير الخارجية بحساسية مفرطة. فهي قامت بعمل ربما لا أستطيع أن أصفه ب(الممتاز) ولكنه بالتأكيد تخطى درجة (جيد). فقد حصلت المفوضية على درجة (ممتاز) من جهات رقابية دولية كثيرة، لكن قد يقول البعض إن إعتراف العالم بتقارير مركز كارتر يفوق اعترافه بأي تقارير أخرى، ولكن نفس هذا العالم يعترف بأن التوازنات السياسية التي تصدر من خلالها تقارير مركز كارتر تفوق التوازنات التي يعتمدها أي مركز آخر .. وهذه هي الخلاصة.