من خِبرة التاريخ بزغَ الدرس الثورى الأشهر, حين تشتم الثورةَ رائحة الدولة فإنّها تشرع فى أكل بنيها... لكنّ الحركة الشعبية زادت على الدرس (حبّتين), بأنّ الحركة الشعبية تأكل بنيها وربّما بناتها... ثمّ بعد ذلك يأكل بنوها أموالها! تتواجه الحركة الشعبيّة مع نفسها بعد سبعة وعشرين عاماً من تأسيسها... فتتفاجأ بأنّها كانت تعلن عن نفسها حركة لكل السودان فصارت عمليّاً حركة لجنوب السودان والمناطق الثلاث... وهى فى طريقها للإعلان عن نفسها حركة لجنوب السودان... وقد تضطرها الأحداث الساخنة المتصاعدة لتعلن عن نفسها حركة لبعض جنوب السودان! نتائج الإنتخابات العامة الأخيرة فى الشمال والجنوب أوحت للحركة بأنّ تكوينها وطبيعة مزاجها وحيثيات خطابها ضيّقت على خياراتها فأصبح ميدان حركتها جنوبى الهوى... فهمست لها نتائج الإنتخابات بإغلاق الملف الذى فتحه جون قرنق والعودة للملف الذى فتحته الحركات التمرديّة الأسبق للوصول لخلاصة الخلاصة: الجنوب للجنوبيّين! ومع تطوّر الأحداث لم يعد الجنوب ذاته هو الأرض الممهدة, فقد كشف الجنوب عن نفسه بأنّه ربما يختزن للحركة الشعبيّة مفاجآت لن تجعله كعكعة يسيرة الهضم لها... بل ربما تسفر الأيام أنّ الحركة الشعبيّة ليست هى بالضبط ما يطلبه الجنوبيّون! الفرصة لا تزال قائمة للحركة الشعبيّة لتقنع أنصارها بالداخل والخارج بأنّها مشروعٌ مؤهلٌ لحكم الجنوب المتّحد مع السودان أو المنفصل عنه... وذلك بتقديم نفسها فى الحالتين طبعة جديدة للنزاهة... وهى الإعلان عن كشف حسابات البترول التى استلمتها عبر الحكومة الإتحاديّة ... وتقديم كشف حساب بلغة يفهمها المراجع العام! حكمت الحركة الشعبية الجنوب خمسة أعوام لم يتحقق فيها الاستقرار الأهلى ولا المقدّمات التنمويّة... بل كان الجيش الشعبى فى هذه السنوات الخمس مظهراً من مظاهر الإهتزاز الأهلى والعنف القَبَلى ومليشيا مثل كل المليشيات! خروج دكتور لام اكول من بوابة الحركة الشعبيّة وخروج جورج اطور من نافذة الجيش الشعبى هو حدث الأحداث فى الذكرى السابعة والعشرين لتأسيس الحركة وهو ما يجعل الحركة وجيشها ورجالها وأموالها ونفطها فى كف عفريت... عفريت يتراقص أمامها فى خور فلوس!!