وصف د. عمر عبد الوهاب مدير مشروع الجزيرة السابق قانون 2005م طبيعياً للعملية الإنتاجية بمشروع الجزيرة، (مهما كانت الطريقة التي أُجيز بها، وبغض النظر عن أشياء كثيرة فهو ممتاز)، ولكن تكمن المشكلة وفقاً لدكتور عمر في تنفيذه لأن صياغته جعلته حمال أوجه، يمكن أن يفسره كلٌ على هواه وحسب ما يراه وذلك لعدم وضع لوائح لتفسير هذا القانون، وأضاف: أن غياب اللوائح أدى الى ربكة الإدارات، بجانب الاستعجال في التنفيذ الذي أدى الى فشله رغم مرور خمس سنوات، وقال عمر في ندوة منبر السلام العادل بقاعة الشهيد الزبير بعنوان «مشروع الجزيرة بين الحاضر والمستقبل» إن المشروع الآن لا يدار بالطريق الحديثة أو القديمة، وعاب تكوين (1700) رابطة من روابط المياه، وأوضح أن الروابط تفتقد التنسيق فيما بينها رغم اشتراكها في ترعة رئيسية واحدة، ولا تتبع لإدارة مشروع الجزيرة بل تتبع لمجلس الروابط، وهذا ما أسميناه بالحرية القاتلة، وزاد عمر: الترعة أصلاً مصممة لري (50%) فقط وتترك الروابط الري لأكثر من (60%)، مما أدى الى مشاكل العطش، ناهيك عن حرية المساحة الزراعية التي قد تصل (100%) في بعض الحواشات، لعدم احترام المحددات الفنية، (وهذا جعل المهندس يمرر المياه بأعلى معدلاتها مما أدى الى هدر المياه بصورة لم يشهدها المشروع من قبل). وقال: هو تدمير الإدارة، وجعلها أضعف الحلقات، وهذا إفك يجب أن لا يسكت عليه، وناشد عمر بتوفير التمويل المسبق، والبحث العلمي لتطوير الإنتاجية، بجانب توسيع دور الروابط وتحويلها الى جمعيات إنتاجية، وتوفير التسويق والاهتمام بالحيوان، وقال فوق كل المذكور لابد من الدعم الحكومي. وفي السياق يوضح دكتور أحمد محمد آدم وكيل وزارة الري الأسبق أن السودان يعتبر ثاني دولة إفريقية بعد مصر في المساحات المروية، ويبلغ إجمالها (20) مليار دولار. واستنكر آدم منح الماء والري للقطاع الخاص، وقال: تحويل إدارة الري الى إدارة المشروع تخلق مشكلة مع الآخرين ويصعب التعامل فيها، ويضيف: لم يستصحب قانون 5002 المادتين (81) و(91) الخاصتين بمجال الري والتمويل حيث تتولى وزارة الري عمليات الري، والمالية تتولى التمويل، وقال آدم: الماء شئ سيادي قبل أن يكون خدمياً، وتركت الأمور للروابط، وتركت للمزارع حرية اختيار المحاصيل، وحرية تحديد مساحاته الزراعية ولم يكن هذا في إطار المحددات الفنية المتعلقة بسعات قنوات الري زائداً المحصول الواحد في الترعة، وتساءل في الجانب الثاني لمن ملكية الأرض؟ ويجيب قائلاً هنالك قصور في المعالجة، وكان بالإمكان رفع الإيجار وتجديده كل (10) سنوات لأن الأهالي في بداية الأمر لم يطالبوا بأي تعويضات لأنها باهظة ويصعب سدادها، وفكرة نزع الأرض عارضها الملاك عام 1920م إبان المستعمر الإنجليزي، وتم الإيجار، واشترى المستعمر الأصول وما تبعها. ويقول آدم عن تحديث المشروع، إن التحديث مكلف يصل الى (067ر4) مليار دولار معدات ري محوري لمساحة الجزيرة، إضافة الى ملياري دولار لري (200) ألف فدان بالتنقيط. كان هذا إسهام المتحدثين الأساسيين في الندوة وجاء دور المعقبين، وابتدر الحديث دكتور تاج السر مصطفى الخبير الاقتصادي، وقال: المشروع يملك ثروات كبيرة من الموارد البشرية والأخرى، وكمدخل استراتيجي فالمساحة وهذا الكم من البشر يشكل دولة في حد ذاته، وأشار الى دراسة سابقة توضح العمل بالمشروع في شكل قطاعات، كل قطاع يتناسب مع نمط زراعي معين، يعنى بإنتاجية محصولية معينة «زراعي/صناعي» «زراعي/حيواني»، و«حيوان/صناعي» وهكذا. وقال: بهذا كنا نحقق عائداً في المنتجات، وأوضح أن الدراسة عارضها عدد كبير من اتحادات المزارعين، (هذا هو أنسب وقت لعرضها ولتطبيقها). ويضيف تاج السر: بالرغم من تسمية الدولة للمشروع بأنه مقبرة لأموال وزارة المالية، فإنه أنتج في عام من الأعوام (578) ألف طن قمح في حين كان استهلاك البلاد لا يتعدى (700) ألف طن قمح، وقال: عندما تطلب الدولة زراعة قمح في منطقة معينة عليها تحديد سعر مجزٍ. وأن لا تترك الأمر لأسعار السوق، كعملية استراتيجية. وأكد صلاح المرضي رئيس اتحاد مزارعي السودان في الندوة أن المشروع منذ الآن لن يكون مجالاً للعمل السياسي، بل للعمل الإنتاجي. وأبدى المزارع محمد علي أحمد في مداخلته في الندوة أسفه لهجر أبناء الجزيرة للزراعة واتجاههم للمهن الهامشية، وناشد بالاستعانة بالخبرات الفنية وعمل الدراسات لمعالجة هذه الشروخ الاجتماعية. ويقول الصحافي أحمد المصطفى إبراهيم: لم نسمع أحداً يردد «سنعيدها سيرتها الأولى» لأن هذا لا يعجب مزارعاً واحداً، وأوضح أن القانون عالج الترهل الإداري، لكن هنالك حلقات ضعف لابد من معالجتها، وقال الدولة تتعامل مع المشروع بحياء «لا قادرة تموله ولا قادرة تتركه». وترى رجاء بابكر الأمين «من بنات المزارعين» أن ما تم للمشروع هو تهشيم لشئ قائم، وليس تهميشاً وأن قانون 2005م، كلمة حق أُريد بها باطل، والسكة الحديد تم بيعها بواقع خمسة جنيهات للكيلومتر، والمحالج أخذتها شركة أرض المحنة. من جانبه قال الدكتور سيف الدين حمد الخبير الدولي في مياه النيل: يستهلك مشروع الجزيرة نصف ما يستهلكه السودان من مياه النيل، وتتم المعاملة معه بهذا الاستهتار، وأن الإجراءات الأخيرة بالمشروع تضر الأمن القومي، وهذا ما تسعى له دول كثيرة، وأجمع الكثيرون على أن هنالك نقاطاً أهملها الجميع، منها مبدأ المساءلة والمحاسبة، وأن كل الأطراف تحصل على حقها كاملاً، ويتحمل المزارع كل الأخطاء والخسارة، وأن الإصلاح لايتم فجأة ولابد من إتباع الخطوات الفعلية، وطالب الحضور بعقد ندوات متخصصة أخرى عن مشروع الجزيرة تتعلق بالري، والخدمات الاجتماعية، والإنتاج والإنتاجية، وإدخال الحيوان في الدورة الزراعية، والإدارة ومايتعلق بها، كل محور على حدة، حتى تتضح الرؤية ويصل الجميع الى حلول مرضية تمكِّن من معالجة ما وصل إليه المشروع من حال.