وإن كان مُوجعاً، لكن ليس سراً فيما يبدو، إنّ الكثير من المراقبين، ومثل ذلك من المحللين، باتت قراءتهم لمجريات الأوضاع بالبلاد، تَمضي في غير إتجاه الوحدة. فرغم الدعم الرئاسي القوي للحفاظ على السودان مُوحّداً بعد ستة أشهرٍ من الآن، والمحاولات المبعثرة التي لا سلك ناظم بينها لترجيح كَفّة الوحدة، إلاّ أنّ الأمور ظَلّت آخذة في ذات الطريق الذي يجعل الباشمهندس الطيب مصطفى يودع زفراته الحرى ويضحك في النهاية. هذه القراءة غير السارة لمآلات الأوضاع بعد الاستفتاء المزمع يناير المقبل، التي لا تعني بالضرورة بأن لا يخوض الجميع فيما تبقى من زمن معركة الوحدة حتى تطلق مفوضية الاستفتاء صافرتها الأخيرة، كانت حَاضرةً بقوة في ذهني وأنا أرقب وأرصد عن قُرب الابتسامات والقفشات التي كانت تنبعث على نحو تلقائي ظهيرة أمس من الرئيس البشير ونائبه الأول سلفا كير ميارديت ونائبه علي عثمان محمد طه، فقد كان ثلاثتهم يتبادلون إطلاقها مع الوزراء من الجنوب والشمال عقب أدائهم القَسَم بعد أنْ سَادَت في القصر الجمهوري حينها أجواء من الدفء السياسي والتواصل الحميم بين الوزراء الجدد والقيادة من جهة، وبين الوزراء ووزراء الدولة بمختلف توجهاتهم من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يَعكس قدراً عالياً من الانسجام المحتمل على نحوٍ يُمكِّن إستثماره في العمل الدؤوب لأجل وحدة البلاد حتى لا يكون هذا القَسَم للوزراء من جنوب البلاد وشماليها، هو الأخير من نَوعه الذي يحضره سلفا كير. وإلى تلك القاعة الفسيحة الرابضة بالقصر جاء الجميع، وصل الوزراء في الساعة الثانية عشرة ظهراً وأدوا القَسَم بعد أن سبقهم إلى ذلك الفريق بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية، وبعد سَاعتين جاء وزراء الدولة ورددوا جميعاً قسماً يبدا بأنا....... وقد عُينت وزيراً. ثم مضوا للتأكيد في ذات القَسَم على العمل بإخلاص وفي كل الأوقات لجمهورية السودان وأن يحترموا دستورها ويعملوا لوحدتها وتوطيد نظام الحكم الديمقراطي اللا مركزي فيها مع بذل أقصى الجُهد في خدمة الشعب والبلاد. ...... وزيرا الدفاع والداخلية.. الطريق المعهود كَثيراً ما أدّى الفَريق أول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع والمهندس إبراهيم محمود حامد وزير الداخلية، القَسَم وزراء في وزارات مختلفة في السابق لدرجة احتفظا معهما من فرط اعتيادهما فيما يبدو بملامح محايدة لا تشئ باستثنائية المناسبة، حيث لم تفلح الكاميرات المتربصة في اقتناص نصف إبتسامة من كليهما. فرح وحليمة .. وضحكت دارفور أخيراً التمثيل الكبير لأبناء دارفور في الحكومة الأخيرة الذي انتزع حتى إشادة المؤتمر الشعبي به، فَقد جاء من دارفور لأول مرّة هذا العدد الكبير من الوزراء، (5) وزراء في وزارات حية مثل المالية التي تقلدها الوزير علي محمود، ومحمد بشارة دوسة للعدل، ود. فرح مصطفى للتربية والتعليم وحليمة حسب اللّه وزيرة للشؤون البرلمانية ود. أحمد بابكر نهار للسياحة والبيئة، إلى جانب وزراء دولة الدارفوريين الثلاثة، وتختزل ضحكة وزير التربية والتعليم الجديد د. فرح ربما حالة من الرضاء من الحكومة الجديدة كانت أكبر من أن يُبر عنها بمجرد إبتسامة. سناء حمد وحاج ماجد.. شباب في الوزارة من الملاحظ أنّه وفي كل الأحزاب السودانية عندما يجئ الحديث عن تصعيد الشباب، فإنهم يقصدون على الأرجح الكهول، إلاّ أنّ الوطني فعلها حقيقة هذه المرة وهو يدفع بشباب مثل وزير الشباب والرياضة حاج ماجد سوار ووزير الدولة بوزارة الخارجية كمال علي ووزيرة الدولة بالإعلام الأستاذة سناء حمد التي تحدّثت إنابةً عن وزراء الدولة الجدد أمام الرئيس، وللإعلاميين في الخارج دونما تلجلج وبمهارة من تعوّدت على ذلك مسبقاً. وزير الدولة برئاسة الجمهورية.. كلام روتيني!! ضحك أحدهم بشدة عندما سَألت د. أمين حسن عمر عَمّا تناقلته بعض المصادر الصحفية عن احتمال مجيئه وزير دولة بالدفاع الذي كان محل دهشة الكثيرين، أما هو - أي أمين - فقد اكتفى بنفي صحة ما ذهبت إليه تلك المصادر بدليل أدائه للقَسَم وزير دولة برئاسة الجمهورية أمس، وقتها طرحت عليه سؤالاً روتينياً يسأل عادة عقب أداء الوزراء للقَسَم.. فقال لي بما أنّ السؤال روتيني، فسأجيبك بكلام روتيني وهو: «أنا بعتبر التعيين ثقة مقدرة من طرفنا، وسنعمل على تَنفيذ كل المهمّات التي توكل إلينا». كمال عبد اللطيف.. تجويد الأداء رغم أنّ مُغادرته لوزارة مجلس الوزراء انطوت على قدر كبير من المفاجأة، وخلّفت في دواخل الكثيرين حالة من عدم الرضاء تجلت في الدموع التي اقتسم ذرفها لحظة الوداع أمس الأول البعض بالوزارة بعد أن قدم فيها كل ما يمكن، إلا أن الأستاذ كمال عبد اللطيف وزير وزارة تنمية الموارد البشرية حديثة التأسيس، بدا أمس وهو يتحدث عقب أداء القَسَم للصحفيين في حالة مزاجية جيدة، بل كان سعيداً فيما يبدو بثقة رئيس الجمهورية الذي كلفه بعد طول تجريب وكثير نجاح بملف الوزارة الجديدة، حيث تنتظرها العديد من المهام في المرحلة المقبلة.. مهام يعرف كيف يتدبر أمرها من قبِيل تجويد العمل وتحسين الأداء وإعداد كادر بشري مؤهل ومنضبط وبكفاءة عالية لقيادة العمل والمشروعات المختلفة، كمال تبادل، ومن واقع علاقته الخاصة بالصحفيين أحاديثَ ضاحكة، وبعض الهموم العامة، لكن ما لم يتسع الوقت للحديث فيه مع الوزير الجديد والمعني إلى حدٍ كبيرٍ بملفات التدريب والتطوير البشري، هو إمكانية أن يجد الصحفيون الشباب فرصاً في التدريب الذي ظل لوقت طويل فوق قدرات مؤسساتهم المالية المتواضعة. المصوّرون.. قصة البدلة السفاري على قرار ما كان يحدث في المدارس الإبتدائية سابقاً، فقد مُنع بسبب الزي المخالف عدد من الزملاء المصورين الصحفيين من الدخول إلى القاعة الرئاسية التي كانت بالأمس مسرحاً لأداء القَسَم، فتوجيهات المسؤولين بالقصر كَانَت بالأمس واضحة وهي تشدد هذه المرة على أن يرتدي الصحفي إمّا بدلة أو قميصاً بربطة عنق يقوم بحشوه جيداً في بنطاله مع منع الدخول ب «الشباشب».. ورغم أن هذه التوجيهات غير جديدة وظلت تُعمم وتكرر منذ وقتٍ ليس بالقصير، إلاّ أنّ التشدد في إنفاذها على نحوٍ مُباغت للبعض أمس، حرم الكثير من الزملاء من الدخول للقاعة، فظلّوا قَابعين في قاعة المؤتمرات الصحفية سيئة التكيف، فيما إستلف بعضهم على عجلٍ بِدل بعض الصحفيين والمذيعين للحاق بالقَسَم الذي أضاعت إجراءات القصر وبدلات المصورين السفاري أجمل لقطاطه.. اللافت وقتها، أن بعض الوزراء، ووزراء الدولة جاءوا لأداء القَسَم، بذات الأزياء التي مُنع بسببها المصوِّرون من الدخول - بدل سفاري - وهو ما يعني أن ذات المعيار إن أُعمل على الوزراء أمس، فإن بعضهم ما كان ليتمكّن من أداء القَسَم ساعتها.