سيظل تفويض لجنة المبادرة العربية لأبو مازن بالمفاوضات المباشرة مع إسرائيل الصادر فى اجتماع اللجنة يوم 29 يوليو 2010 حائراً، نظراً لخطورته الشديدة وعدم اقتناع العالم العربى بهذا المنهج العدمى الذى يغرى إسرائيل لتصفية القضية. فالرهان العربي على الضمانات الأمريكية مدخل خطر الى تصفية القضية ولذلك ترك التفويض بالمفاوضات المباشرة بين الجامعة العربية وأبومازن، فلا العرب قادرون على حجب التفويض بالمفاوضات المباشرة ولا أبومازن مستعد أن يستخدمه في هذا الانتحار السياسي. عندما نشأت إسرائيل كان الأمن هو هاجسها الأساسى، وهذا طبيعى لأنها كيان غريب فرض على المنطقة، ولذلك كان المهاجرون اليهود الذين شكلوا نواة إسرائيل يعتبرون أصحاب الأرض الفلسطينيين إرهابيين، ولم يفهم الفلسطينيون المغزى إلاَّ هذه الأيام عندما أعلن زعماء إسرائيل أن إسرائيل مشروع لاسترداد أرض الأجداد من الغاصبين. وورد هذا المعنى فى إعلان قيام إسرائيل ولكنه لم يلفت نظر أحد فى ذلك الوقت عام 1948 واعتبره البعض نكتة وهزلا. وكانت الاشارة الأولى فى الوثائق الدولية لأمن إسرائيل مرتبطة بالحدود مع جيرانها فى قرار مجلس الأمن (242) الذى نص على حق إسرائيل فى الوجود ضمن حدود آمنة ومعترف بها .وهذه العبارة تشتمل على ثلاث مسائل، الأولى وجود إسرائيل والحق فيه، لأن إسرائيل نشأت نشأة شاذة، فالدول عادة تنشأ من دول قائمة إما بالانفصال أو بالاتحاد، ولم يحدث أن نشأت دولة على جثة شعب آخر وسط الأحاجى والمباخر والطقوس وكأنها دولة الجن والشياطين التى ابتليت بها هذه المنطقة من الغرب. ولذلك كانت تلك هى المعضلة فى قبول قرار مجلس الأمن، وليس فى القرار سوى هذه الإشارة التى قصد بها جوهر المشكلة الإسرائيلية وهو الحق فى الوجود الذى لا أساس له، وحتى الاستناد فى ذلك إلى الكتب المقدسة يسئ إلى منزل هذه الكتب لأن الشعب الفلسطينى والجماعات اليهودية كلهم عباد الله وحاشى لله أن ينحاز إلى هذه الجماعات على حساب شعب سكن أرضه آلاف السنين. ولذلك فإن قبول القرار (242) يشمل قبول وجود إسرائيل. المسألة الثالثة هى الحدود الآمنة، ومن أمتع ما كتب حول هذا المفهوم ،ذلك الجدل الذى ثار على صفحات المجلة الأمريكية للقانون الدولى بين العالم البار الفقيد إبراهيم شحاتة صاحب كتاب «وصيتى لبلادى» وهو يتأهب للقاء ربه، وبين أساتذة من أصول يهودية يتسترون وراء العلم والموضوعية. وهذه الحدود الآمنة تجاوزت الآن الحدود الجغرافية فأصبحت تشمل كل حد معنوى أو نفسى يكفل الشعور بالأمن ليهود إسرائيل .ولا شك أن المبالغة فى مفهوم الحدود الآمنة يتناسب مع العزم على أن تفرض إسرائيل نفسها بالقوة والغصب. ولذلك فإن الحدود الآمنة تشمل منع ظهور أىة دولة متعاطفة مع الحقوق العربية وكاشفة لحقيقة المشروع الصهيونى أو أن تتسلح هذه الدولة بما قد يساند الطرف العربى. وتشمل هذه الحدود أيضاً تمزيق المنطقة وإثارة الفتن بين دولها وداخل هذه الدول ومساندة النظم التى تقوى بوقف نمو هذه الشعوب وإفقارها وقهرها، فتفيد إسرائيل من ذلك فائدة مزدوجة، فمن ناحية تلمع ديمقراطيتها العنصرية وسط الفقر الديمقراطى العربى، وهى من الأوراق الحاسمة لدعم حق إسرائيل فى الوجود وتبرير كل جرائمها، ومن ناحية أخرى، فإن ذلك يكفل تأمين إسرائيل من صحوة شعبية رسمية تطيح بمطامعها، لأنه ليس منطقياً أن تهيمن دولة صغيرة على وسط عربى يتجاوز مئات الملايين، ومن حولهم أكثر من مليار مسلم ومليارات أخر من العالم الثالث. هذا الجانب فرض على إسرائيل دبلوماسية يقظة تتحرك فى كل اتجاه إزاء جثة عربية مستسلمة لأقدارها. المسألة الثالثة هى الاعتراف بهذا الحق فى الوجود وبهذه الحدود الآمنة. وقد حددت إسرائيل حدودها الآمنة التى تشمل كل شئ وعلى امتداد العالم كله، كما ضمنت الاعتراف بحقها فى الوجود. والاعتراف بحق الوجود وبحدود مفتوحة يعنى عند إسرائيل حق إسرائيل فى التصرف فى إطار هذا الحق المفتوح حتى لو ارتكبت الجرائم ما دام تهديد هذا الحق عملا غير مشروع. وهكذا أكدت إسرائيل أن أسطول الحرية هو المعتدى وأن صده بالقوة حتى لو سقط الضحايا عمل مشروع وأن الأسطول نفسه كان وكراً للإرهابيين، كما أكدت إسرائيل فى الأممالمتحدة رداً على قرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تحقيق فى حادث هذا الأسطول، بأن الأسطول قام بعمل غير مشروع وهو كسر إرادة الصمود عند إسرائيل وحقها المشروع فى خنق غزة دفاعاً عن نفسها،وهذا ما يفسر أيضا طرد إسرائيل لعرب فلسطين في النقب كما قال سفير إسرائيل في القاهرة عبر ال (بي بي سي) يوم31يوليو. معنى ذلك أن أمن إسرائيل هو ما تحدده إسرائيل، وهو نفسه ما تفهمه الولاياتالمتحدة، ولذلك يسرف الخطاب السياسى الأمريكى فى اعتبار أمن إسرائيل بهذا المفهوم من المقدسات حيث يتكرر بشكل لافت مع كل تصريح أمريكى خاص بالشرق الأوسط، ثم مدت إسرائيل أمنها الآن إلى كوريا الشمالية حيث اتهمتها إسرائيل بأنها تزود حزب الله وسوريا بالصواريخ مما يمنع إسرائيل من تنفيذ عدوانها ويعيق هيمنتها الكاملة وانفرادها بكل أنواع الأسلحة. يترتب على ذلك أنه لا يمكن الجمع بين أمن إسرائيل بهذا المفهوم وبين أىة تسوية مع الفلسطينيين والعرب، وإنما التسوية المطلوبة هى التسليم بتبعات النظرية الإسرائيلية. كذلك لا يمكن إدانة أى من تصرفات إسرائيل، ولذلك دافعت واشنطن بشكل مستميت عن الموقف الإسرائيلى فى محرقة غزة وأسطول الحرية وحاربت تقرير جولدستون. كذلك تتساند إسرائيل وواشنطن على تمزيق السودان وبقية الأوطان العربية تنفيذاً لمخطط نشر فى أوائل الثمانينيات فى مجلة السياسة الخارجية. والجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية فى قضية الجدار العازل رفضت الدفع بأمن إسرائيل مبررا لبناء الجدار العازل، وكانت تلك ضربة قاصمة لحق البقاء كما تريد وحق الدفاع عن النفس كما تشتهى، والحق فى الأمن كما تزعم. وأخيراً، فإن أمن إسرائيل ووجودها يتناقضان مع الوجود العربى ومن باب أولى مع الأمن القومى العربى، فماذا تريد واشنطن بعد كل ذلك من العرب؟!.