يَبدو أنّ الأستاذ ياسر عرمان يعاني من حالة هلوسة رئاسية سببتها له وأوقعته فيها الحركة الشعبية، التي حرمته من الترشح لرئاسة الجمهورية وفقدان الفرصة في أن يكون رئيساً يعلن تشكيل الحكومات من القصر الجمهوري في الخرطوم، فطفق يشكل فيها أينما كان وأينما حَلّ. في «أجراس الحرية» السبت الماضي أعلن عرمان عن إمكانية لجوء الحركة الشعبية لتحرير السودان لتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة في حال عدم قيام الإستفتاء في موعده. وحكومة الأوهام والهلوسة الناجمة عن الحرمان الرئاسي لا تحتاج إلى برلمان ينشئها ويكسبها المشروعية، فهي جاهزة بمكوناتها عند الرئيس الذي فَقد الترشح ودخل في حال الهلوسة الرئاسية. هذه الحكومة حسب فرمانها ستتشكّل من كل القوى السياسية التي ترغب في السلام العادل الشامل في الشمال والجنوب والشرق والغرب. وطالما أن الرجل شكّل الحكومة من بنات أفكاره، فلن يكون عصيّاً عليه أن يضع لها برنامجها، خاصةً وإن هذا البرنامج مثل دواء الملاريا في أرياف السودان روشتة جَاهزة وهي إجراء الإستفتاء وتحقيق تسوية سلمية لأزمة دارفور وإقرار تحول ديمقراطي حقيقي وإعادة هيكلة الدولة السودانية واعتماد دستور جديد يقوم على المواطنة والحقوق المتساوية. والذي يشكل الحكومة ويضع برنامجها، فمن السهل عليه أن يحدد موقع هذه الحكومة الذي تمارس منه عملها، ولطالما استعصت الخرطوم على الرجل وحرمته الحركة الشعبية من الفوز برئاسة السودان وممارسة الحكم من القصر الجمهوري في الخرطوم فلن تستحق الخرطوم أن تكون عاصمة هذه الحكومة الفريدة، لهذا قرّر الرجل أن تكون العاصمة الجديدة للحكومة الجديدة هي مدينة جوبا. بيد أن الرجل لم يبيِّن لنا متى ستنجز حكومته هذه إستفتاء الجنوب الذي كوّنها بسببه، إذ أن سبب قيامها هو عدم إنفاذ الإستفتاء وبالتالي على حكومته أن تنجز العمل الذي قامت لأجله، وجماعة الرجل في الحركة الشعبية قالوا إن مواطني الجنوب سيصوِّتون بنسبة «90%» على الإنفصال، فهل ستكون حكومة عرمان الفريدة ((حكومة منفى)) أم ((حكومة ريموت كنترول)) تحكم أرضها ومواطنيها من دولة أخرى، ألم أقل لكم إنها ((هلوسة رئاسية)). لم يتعلم (رئيس) الخيال من محامي المعارضة فوقع في ذات الفخ الذي وقع فيه ذلكم الرجل الذي أفتى من قبل بنهاية الحكومة وعدم مشروعيتها فاستمرت الحكومة واستمرت معها الحركة الشعبية تشاركها في الحكم. من استعصت عليه الخرطوم ليقيم في قصرها الرئاسي ويُشكِّل الحكومة، فإنّ جوبا لن تسعفه وتشبع نزعاته الرئاسية ربما ترضي عنه الخرطوم وهو يفقد قطاع الشمال ويفقد الجنوب بعد الإنفصال وتفسح له مكاناً لينشئ حزباً جديداً يجدد به أطروحات الزعيم وشعاراتها التي شَبعت موتاً من مثل ((قرنق رؤية التي لا تموت)) وسجل أحزاب (الفكة) فيه متسع خاصة على اليسار حيث تتربّع العديد من الأسماء التي تستعصي على العد ولا بأس أن يضيف إليها حزب قطاع الحركة المنفصلة في السودان الجديد الذي عاصمته ليست جوبا.