تبدو السوق المحلية كما لو كانت منتمية الى سوق مشتركة مع عدد من الدول ترتبط فيما بينها باتفاقات للاعفاءات الجمركية، حيث تجد في هذه الاسواق وفي مختلف ولايات السودان الثوم الصيني وعسل النحل الاسترالي والسكر الجزائري والبرتقال المصري و(الخضروات والطماطم اليوغندية) والشاش الهندي والملابس الجاهزة الصينية وغيرها من السلع التي غزت الاسواق. وطبقاً لتقارير رسمية فان قيمة الواردات في الربع الاول فقط من هذا العام بلغت «2,3» مليار دولار واصبحت الاسواق السودانية قبلة للمنتجات الواردة في وقت تزخر فيه البلاد بامكانيات وموارد يمكن بها سد احتياجات البلاد اذ احسن استغلال المساحات وتغيرت اذواق المستهلك الذي اصبح بين يوم وليلة يتباهى بالمستورد ضارباً عرض الحائط بالمنتج المحلي الخالي من المواد الكيميائية. .... ولاحظ الخبراء الاقتصاديون في الفترة الاخيرة ازدياد حالة من عمليات الاستيراد لمختلف السلع بلا ضابط مما دفع السلطات على سبيل المثال لاحتجاز شحنات من الطماطم والثوم (بصل مكادة ) في الحدود السوادنية الاثيوبية ولم يتردد مستوردوها من مطالبة الدولة بالافراج عن هذه الشحنات الواردة من اثيوبيا. ونتيجة لتنامي الاستيراد فقد فاق حجم استيراد العطور ومستحضرات التجميل على سبيل المثال حجم استيراد الاسمدة بنسبة قاربت ال«30% » في بلد يضع في اولوياته برنامجاً للنهضة الزراعية لاحلال الواردات مكان الصادرات وفي وقت تعكف فيه وزارة الصناعة ضمن خطتها النصف سنوية بعد ان تم استنزاف النقد الاجنبي نتيجة للسياسات غير المرشدة للاستيراد على تشجيع الاعتماد على المنتج المحلي. وفي سبيل تنظيم عمليات الاستيراد وتأمين موقف النقد الاجنبي للبلاد والاستفادة منها في اتجاه آخر اصدرت وزارة المالية والاقتصاد الوطني حزمة من القرارات في اليومين الماضيين وحظرت استيراد معظم السلع غير الضرورية والكمالية خلاف «84» سلعة استهلاكية بجانب زيادة ضريبة التنمية من «5%» الى «10%» ورفع هامش الاعتماد الى «100%»، على كل السلع عدا مدخلات الانتاج الزراعي والصناعي والسلع الاستراتيجية وايقاف التسهيلات الخارجية وشملت القرارات ايقاف استيراد السيارات القديمة المستعملة وزيادة الرسوم الجمركية على واردات الاسمنت من «25% » الى «40%» خلاف الاسمنت الابيض ورفع الرسوم لسلع غير الضرورية من مستحضرات التجميل والملابس الجاهزة واللحوم المعلبة، وشملت القرارات التي صدرت في اعقاب الاجتماع الذي ضم وزارة المالية والتجارة وبنك السودان واتحاد أصحاب العمل والجمارك زيادة الرسوم الجمركية على الحلويات الشكولاتة والسيراميك من «15%» الى «20 %». هذه القرارات وجدت قبولاً من قبل كثير من القطاعات رغم ان المواطن سيدفع ثمنه في الايام القليلة نتيجة اعتماد معظم التجار على مثل هذه القرارات في زيادة الاسعار سواء أكان هنالك تأثير ام لا، وقال الباحث الاقتصادي د.عادل عبدالعزيز ان الفترة الاخيرة شهدت تنامياً في عمليات الاستيراد بصورة كبيرة في سلع غير مهمة وغير ضرورية موضحاً بأن حجم استيراد السكر ارتفع من «500» الف دولار في الربع الاول من العام 2009 الى «30» مليون دولارمن نفس الفترة من هذا العام وفي الربع الاول من العام 2010 ارتفع حجم استيراد العطور ومستحضرات التجميل الى «22» مليون دولار مقابل «17» مليون دولار لاستيراد الاسمدة، واشار الى اهمية ايقاف هذا السيل من الاستيراد غير المرشد وقال ان القرارات الاخيرة جاءت في الاتجاة الصحيح ولكن تحتاج الى اجراءات وسياسات اخرى تتعلق بثقافة ونمط الاستهلاك حتى لاتنشأ لدينا مشكلة تهريب السلعة وان يكون هنالك تنسيق بين الوزارات وان يكون لوزارة الاعلام دور في تغيير نمط استهلاك المواطن وتوجيه رغباته لاستهلاك المنتجات الوطنية وقال ان هذه الزيادات في الجمارك سوف تؤدي الى ارتفاع اسعار بعض السلع داخليا وبالتالي سيؤدي الى انصراف قطاع كبير من المستهلكين عنها وبالتالي سيتوقف المستورد عن جلبها. ووصف صلاح الشيخ المدير العام السابق لهيئة الجمارك القرارات بالجيدة ولكنها متأخرة في ظل ارتفاع حجم الاستيراد للسلع الدولارية، مبيناً بأن هذه القرارات سوف تشجع المنتج الوطني وسوف تدعم خطة وسياسات وزارة الصناعة الرامية لإحلال الواردات مكان الصادرات وتسهيل تشغيل المصانع والمنتجات الوطنية وشدد على ضرورة ترشيد الواردات في الفترة المقبلة والعمل على تشجيع المنتج الوطني واصفاً ما يقوم به وزير الصناعة د. الجاز بالخطوة الجيدة للاستفادة من موارد البلاد. وامن سعود البرير رئيس اتحاد عام اصحاب العمل السودانى على السياسات والاجراءات والضوابط الجديدة للإستيراد التي اتخذها بنك السودان المركزي ووزارة المالية والاقتصاد الوطني الهادفة الى الحفاظ على سعر الصرف والاستقرار الاقتصادي وتوفير الموارد، وقال البرير انهم تطرقوا الى عدد من المقترحات الخاصة بتطبيق سياسات تشجيعية بالنسبة الى الصادرات التى ستتم مناقشتها تفصيلاً خلال اجتماع لاحق مع الجهات ذات الصلة. وابان ان الهدف من القرارات المحافظة على سعر الصرف وتحقيق الاستقرار للاقتصاد والمحافظة على موارد البلاد وقال إنهم طالبوا المالية بوضع اجراءات وضوابط لترشيد الانفاق العام وعدم دخول الشركات الحكومية في عمليات استيراد أية سلعة اومنتج يمكن انتاجة محلياً، وجدد البرير تأكيده المحافظة على الاستقرار الاقتصادى والحفاظ على استقرار سعر الصرف واجب وطني تعمل من اجله كافة الاطراف، كما دعا الى اهمية العمل الجاد للاتجاه نحو الانتاج الزراعى مشيداً في هذا الصدد باتجاه وزارة المالية لإنشاء صندوق خاص للزراعة بهدف تشجيع النشاط الزراعي كما طالب بضرورة العمل على تشجيع الصناعة وبخاصة الصناعات التحويلية. ودعا د صابر محمد الحسن محافظ المركزي الى التنسيق والتعاون مع الجهات ذات الصلة في عملية الاستيراد. وكشف على محمود وزير المالية والاقتصاد عن ان فاتورة الاستيراد من يناير وحتى مايو بلغت «4» مليارات دولار ويتوقع ان تصل نهاية العام الجاري الى «11» مليار وقال ان هذه القرارات والاجراءات ستحد من عملية الاستيراد بتخفيضها الى «15%» او «20%» وترشيد الاستهلاك، مبيناً بأن هذه القرارات لا تمس السلع الضرورية الاستهلاكية للمواطن وتهدف الى تأمين موقف النقد الاجنبي للبلاد والاستفادة منها لاتجاه آخر وكشف ان هذه القرارات لا تمس السلع الراسمالية والغذائية كالقمح والسكر التي يحتاجها المواطن، وابان ان القرارات لا تشمل المعدات والآليات ومدخلات الانتاج والقمح والسكر والسلع الغذائية.