«المازني» كنا قدمنا ملمحاً عابراً عن شخصية عالم العربية سيبويه إعترته بعض هنات و نحاول استكمال ما جاء منقوصاً فيما مضى.. وقلنا: إنه هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر -و«سيبويه» لقبه- ومعناه بالفارسية «رائحة التفاح» ويقال أن أمه كانت ترقص به وهو صغير ونشأ بالبصرة- وهو من أهل فارس. وإهتم منذ بداياته بجمع الآثار والفقه واهتمامه بالنحو جاء في مصادفة وقصتها انه كان يستملى على أحد العلماء يسمى حماد بن سلمة. كان حماد قال في نص حديث شريف: «ليس أحد من أصحابي إلا وقد أخذت عليه ليس أبا لدرداء» فتصدى سيبويه قائلاً «ليس أبو الدرداء» فقال له «حماد» لحنت «أي أخطأت» فالصحيح «ليس أبا الدرداء» . ومن هنا نهض سيبويه قال إنه يريد ان يطلب علما لا يلحنه فيه «حماد».. فتتلمذ على الخليل بن أحمد وعلى يونس بن حبيب وعيسى بن عمر- مشاهير علماء العربية فبرع هو في النحو وصنف كتابه الذي لم يسبقه أحد إلى مثله ولا لحقه أحد من بعده.قال نصر بن علي: فقد برز من أصحاب الخليل أربعة: عمرو بن عثمان وابن قنبر أبو بشر المعروف بسيبويه والنضر بن شميل وعلي بن نصر «الجهضمي» ومؤرج السدوسي وكان أبرعهم في النحو سيبويه وقد غلب على النصر بن شميل اللغة، وعلى مؤرج الشعر، واللغة وغلب على- علي بن نصر الجهضمي الحديث. وأكبر علماء ذلك الزمان شهدوا بتفوقه وبتفرد كتابه المسمى «الكتاب» فلم يكن له نظير- وكان أبو عثمان المازني يقول: من أراد ان يعمل كتاباً كبيراً في النحو بعد كتاب سيبويه فليستح- أى عليه أن يخجل. يروى أنه جاءه الأخفش يوماً يناظره بعد أن برع في النحو فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لاستفيد منك.. فقال له سيبويه «أتراني أشك في ذلك؟» * قال أبو بكر العبدي النحوي لما قدم سيبويه إلى بغداد وناظر الكسائي وأصحابه فلم يتفوق عليه أحد فسأل عمن يبذل من الملوك ويرغب في النحو. فقيل له «طلحة بن طاهر» وطلحة بن طاهر بن الحسين هذا هو والي خراسان في أيام المأمون- توفى سنة «412ه». وتأهب سيبويه للسفر إلى طلحة.. ومضى في رحلته إلى خراسان فلما وصل إلى مدينة «ساوه» مرض مرضه الذي مات فيه.. وعند الموت تمثل ببيتي الشعر: يؤمل دنيا ليبقى بها فمات المؤمل قبل الآمل حثيثاً يروي أصول النخيل فعاش الفسيل ومات الرجل * إحتضر سيبويه النحوي فوضع رأسه في حجر أخيه، فأغمى عليه.. فدمعت عين أخيه فافاق فرآه يبكي فقال: أخيين كنا فرق الدهر بيننا إلى الغاية القصوى فمن يأمن الدهرا ومات رحمه الله في أيام الرشيد، ويختلف المؤرخون حول الزمان والمكان كثيراً. * قال ابن قانع: مات سيبويه النحوي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة وقال المزرباني، أخبرنا أبو بكر بن دريد ان سيبويه مات بشيراز وقبره بها، وقيل إنه مات سنة ثمانٍ وثمانين ومائة.. وقرئ على ظهر كتاب لأحمد بن سعيد الدمشقي: «مات سيبويه سنة أربع وتسعين ومائة والأول أقرب إلى الحقيقة لأنه مات قبل الكسائي، والكسائي مات سنة ثلاث وثمانين ومائة. قال أبو بكر الخطيب: ويقال إن سيبويه عاش اثنتين وثلاثين سنة ويقال: مات سيبويه وقد نيف على الأربعين سنة، رحمه الله رحمة واسعة.