من مكان اقامته بلندن أطلق علي محمود حسنين تصريحات نارية ورفع لاءات في وجه الحكومة سادا بها منافذ الحوار بينهما. اعادت تلك اللاءات الى الذاكرة أيام المعارضة الاولى للانقاذ التي اشتهرت بمقولات من عينة (سلم تسلم) إلا ان سنوات المعارضة بالخارج و التي استمرت بضعة عشر من السنوات انتهت بتوقع اتفاقيات بين المؤتمر الوطني والتجمع ومكوناته وجاءت هذه الاتفاقيات بحسنين نائبا في البرلمان قبل الانتخابات. وها هو يعيد الكرة في ظروف سياسية جد مختلفة. وبتجربة تلك السنوات قابل المؤتمر الوطني معارضة حسنين بسخرية ولم يمنحها أكثر من الصفر من الدرجات رغم ان أهل الرياضيات يدافعون عن الصفر ويقولون إنه رقم، بل ورقم كبير قد يغير ميزان الاشياء ، والمؤتمر الوطني الذي امتحن تهديدات المعارضة من قبل اكتفى بسكب ..... رغم أن البعض يقول ان على الوطني ألا يستهين بالمعارضة مهما كان صغر حجمها، ويشير هذا البعض الى ان هناك حالات كثيرة وفي مناطق مختلفة من العالم استطاع فيها الغرب ان يصنع معارضة من العدم، وان يضخم الاوزان السياسية للمعارضين بصورة اقلقت مضاجع العواصم، وهذا ما دفع الرئيس الروسي السابق فلادمير بوتين ان يقول في احدى المرات في مجلس الدوما (البرلمان الروسي) بأن الغرب اذا أراد ان يقنع العالم بأن الاسود ابيض سيفعل ذلك واذا اراد ان يقنعه بالعكس سيفلح في ذلك. حديث بوتين راجع الى معاناة روسيا مع المعارضين فرغم تفككها وتخليها عن طموحها العالمي إلا انها يوميا تتلقى الضربات الموجعة من حيث لا تحتسب ووراء كل ضربة تكمن امريكا. كما ان الصين اليوم يأكلها الغضب بسبب منح الاستاذ الجامعي السابق والناشط في حقوق الانسان ليو تشياو يو الذي يقضي عقوبة بالسجن لمدة احدى عشرة سنة جائزة نوبل للسلام هذا العام وقالت الصين ان شروط الجائزة لا تنطبق عليه وحاججت، إلاّ ان صوتها ذهب ادراج الريح وحتما حال خروج ليو من السجن سيحتفل به وينال تكريما عالميا ومكانة بين المناضلين، فالمهم بالنسبة للغرب انه جعل من ليو رمزا للمعارضة، وهذا ما سيحرج الصين. أما المؤتمر الوطني فيبدو انه غير محرج بسبب المعارضة الوليدة الذي يتزعمها حسنين، وفي أول ردة فعل للحزب الذي ينتمي اليه و يمثل الرجل الثاني فيه سارع الحزب الاتحادي بنفي أية صلة تربطه بتلك الجبهة العريضة بلندن. وقال الباقر أحمد عبد الله - القيادي بالحزب - ان الاتحادي في اجندته لا يلتقي مع الجبهة والتي تتطابق دعوتها مع حركة خليل ابراهيم في البنود السبعة التي تلاها حسنين واشار فيها الى الحواكير والاقليم الواحد لدارفور واعتبر الباقر ان الجبهة وأجندتها لا تخدم قضية وطنية بل تخدم مصالح الغرب واسرائيل وجزم الباقر بعدم نجاح الجبهة لتجربتهم للعمل السياسي منذ 1976 وكانت قضية البلاد حسب رأي الباقر لها تقاطعاتها الاقليمية والداخلية وقد جربوا كل انواع الاقتتال الشرس من الاعلامي والعسكري ولم يفلحوا بل ان ذلك قد خدم مصالح القوى الاستعمارية أكثر من الدفع بقضايا الوطن . وبالنسبة لسعد نصر الدين السيد - أمين الدائرة السياسية بالتحالف الوطني السوداني - فإن المعارضة تصنع نفسها و من واقع تجربتهم فان العمل المعارض في الخارج يظل ضعيفا وبلا جدوى الا اذا واكبه عمل في الداخل مرتب وقوي ومنطلق من قواعد حقيقية. واشار سعد الى ان العمل الخارجي يوفر رواجا اعلاميا ودفعة دبلوماسية في المحافل الدولية ويوفر دعماً معنوياً دولياً ولكن قد لا يقود الي شئ لان المجتمع الدولي ينظر الى مصالحه واين هي من ذلك؟.. وفي تقاطع المصالح هذه قال الباقر إن حسنين سينفض يده لأنه لا يرضى ان يكون صنيعة لأهل الخارج بسبب رصيده الوطني الوافر. وقال المحلل السياسي د.صلاح الدومة في حديثه ل( الرأي العام) ان الغرب لا يصنع معارضة اعتباطية ولا مقاومة عبثية فالمالكي الذي جيئ به لحكم العراق عرف بالشجاعة وبرصيد وافر من المؤيدين له في الشارع العراقي وزاد: إذا قارنا ذلك مثلا بحسنين فإنه اتيحت له فرصة واسعة للعمل السياسي تجاوزت الخمسين عاما فماذا فعل ؟. ويرى الدومة ان لخليل وعبد الواحد أجندتهما الخاصة التي لا تلتقي مع أجندة حسنين وستتبخر بعودة العدل والمساواة الى طاولة المفاوضات بالدوحة والسماح لها بالمشاركة. وحسب رأى الدومة يبدو ان الوطني مستعد لتقديم بعض التنازلات حتى لا تنضم العدل والمساواة للحركات الاخرى التي ترفض الذهاب للدوحة . ويرى مراقبون ان المعارضة ضد الخرطوم في كثير من المرات التي تكونت وتشكلت فيها ارتبطت المواقف بدول الجوار ومصالحها وقد لعبت تلك الدول ( اريتريا واثيوبيا وكينيا ويوغندا وتشاد وليبيا ) دورا كبيرا في دعمها وخروجها الى العلن ويتراجع دور المعارضة بتراجع مصلحة تلك الدول معها، ويستدل المراقبون لذلك في الطريقة التي فكت بها تشاد الارتباط مع حركة العدل والمساواة. ما يجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل حسنين هو انه اذا انفصل جنوب السودان في استفتاء يناير المقبل فستتغير خارطة السياسة في المنطقة كلها وستعود أجندة كثير من الدول الى الواجهة. بيد ان الدومة ذهب الى ان الغرب الذي له أجندة خاصة وليس لدية كيان سياسي غير حزب المؤتمر الوطني لضمان مصالحه لذا لن يفرط فيه ولن يسمح لاية معارضة للانقضاض عليه واذا سمح بذلك فلن تستطيع هذه المعارضة فعل شئ أكثر من ان تسبب له ازعاجاً سياسياً تجبره على التفاوض معه.