ليس صحيحاً ان الدوائر الغربية التي تسيء الى الرسول «صلى الله عليه وسلم» والى الدين الاسلامي تفعل ذلك بدوافع الجهل فقط وبالتالي فإن حل الأزمة يمكن ان يتم بمزيد من تعريف تلك الدوائر بالرسول «صلى الله عليه وسلم» ففي الغرب دوائر سياسية وصهيونية تعرف الإسلام- كما يعرفون أبناءهم- ولكنهم يخافون منه على مصالحهم ويسيئون اليه بدوافع العصبية العمياء غير أن الإساءة في الغرب الى الرسول «صلى الله عليه وسلم» وإلى رموز الاسلام مقصود بها في المقام الأول الإساءة الى المسلمين أنفسهم. يحلو لنا جميعاً ان نتكلم عن دوافع هذه الإساءة التي تتعلق بالغرب وروح التعصب والتحيز ضد الإسلام التي يغذيها اليمين المتطرف ودعاة الحرب على الارهاب الذين يبحثون عن المبررات الأخلاقية والسياسية لها ويريدون إطالة أمدها لتحقيق أطماع السيطرة، غير أن هناك أسباباً أخرى تتعلق بالمسلمين أنفسهم والتي يمكن ان نسميها القابلية للسخرية والاستهزاء اقتباساً من المفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي الذي تحدث عن ظاهرة الاستعمار والقابلية للإستعمار. أول دواعي هذه السخرية والإساءة هو هذا الخضوع الظاهر في العالم العربي والاسلامي للأنظمة السياسية القهرية الملكية والوراثية والعسكرية المغتصبة للسلطة وولاء هذه الأنظمة من جانبها للدوائر الغربية والاستسلام لإملاءاتها وإطلاع تلك الدوائر على سوءات القيادات السياسية الحاكمة وإطلاعها على مدى التعظيم والتفخيم والتبجيل والتقديس الذي تلقاه هذه القيادات بين شعوبها وسكوت هذه الشعوب على عرضها لشرف الأمة وسيادتها وأراضيها رخيصة في أسواق أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية ويتجاوز ذلك التهافت الفئات الحاكمة في العالم الإسلامي الى النخبة السياسية والثقافية كلها المفتونة بالغرب وحضارته. وأنه لو لا ما تحفظه لنا المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها من كرامة لتجرأت تلك الدوائر على هدم الكعبة المشرفة بالقنابل الذرية. تتجرأ بعض الدوائر الى الاساءة الى المسلمين لأن معظم مواقف الشعوب الاسلامية المعادية للغرب مواقف شعبية عفوية تنطلق من فطرتها السوية وبانفعال عاطفي صادق ولكن قياداتهم السياسية واحزابهم ومنظماتهم لا توظف تلك المواقف ولا تستفيد منها في برامج وطنية إيجابية خوفاً أو مجاملة لأولياء النعمة في أوروبا والولايات المتحدةالامريكية الذين ارتبطت مصالحهم بمصالحهم ارتباطاً وثيقاً. وسرعان ما تخبو هذه المواقف وتخفت هذه المشاعر الشعبية بفعل الزمن وبقمع السلطات السياسية. لذلك تجرأ كثير من المحللين السياسيين الأوروبيين على الزعم بأنه لا يوجد شيء اسمه الرأي العام العربي الاسلامي لأن الشعوب العربية مغيبة بواسطة حكامها وقادتها السياسيين. وأنه لا يتسنى للمواقف العفوية ان تصبح خططاً للمواجهة الطويلة إلا إذا تحملت الأحزاب والقيادات السياسية مسؤوليتها التاريخية في قيادة شعوبها وإلا فإنه سيصيب البوار الشعارات الاسلامية كما أصاب من قبلها الشعارات القومية والاشتراكية. إذا دققنا النظر أيضاً في المطالب التي ظهرت في مظاهرات الصور المسيئة فإنها تركزت بصورة أساسية في مطالبة المجتمع الدولي والأمم المتحدة بسن قوانين تحترم الأديان وتحرم الاساءة اليها وهو أمر قد لا يدرك الكثيرون ان العلمانية والصهيونية وغيرهما من المذاهب المادية- التي يعتبرها أصحابها أدياناً- ستطالبنا بالاحترام وعدم الاساءة اليها وسيكون أنصارها أكثر فعالية من المسلمين في استخدام هذه القوانين أو الالتفاف عليها عند الطلب وهو شأنهم مع كل القوانين الدولية الموجودة حالياً. ولغياب القيادات السياسية الواعية للحركات الشعبية فقد جربت الدوائر الغربية الاعتداء والإساءة الى الاسلام والمسلمين ولكنها ربما لاحظت ان ضعف الوعي السياسي لدى الشعوب لا يمكنها إلاَّ من التعرف على الإساءة الى المقدسات والرموز المادية أو الشخصيات التاريخية ويختزل- البعض- قضية فلسطين في المسجد الأقصى وقد لا يلتفت الى محاولات السيطرة الأمريكية والاوروبية على العالم الاسلامي كله ولا الى حقوق الشعب الفلسطيني الذي تقتله الآلة العسكرية وتهجره وتغتصب أراضيه وقد سبق لأحد المستشرقين ان زعم- ومن هذا المنطلق- ان المسلمين يحبون الرسول «صلى الله عليه وسلم» اكثر من حبهم لله -سبحانه وتعالى- لأنهم لا يقبلون الإساءة الى الرسول «صلى الله عليه وسلم» أو الى أية شخصية ترتبط به بينما يتجاهلون كثيراً من دعوات الهرطقة ومذاهب الكفر والفساد في الأرض. إن كثيراً منا معشر المسلمين لا يدرك طبيعة المعركة الكبرى في العالم التي ينقلب فيها اللا دينيون والماديون على الدين كله وقد يستخدمون اليهود تارة والمسيحيين تارة والمسلمين تارة اخرى كأدوات في هذه المعركة التي ننشغل نحن بمظاهرها وإن كنا ندرك طبيعة المعركة وننظر اليها من هذه الزاوية فلست مبالغاً إذا قلت إننا أولى من اليهود العلمانيين الذين يحكمون إسرائيل بعمل الحفريات حول بيت المقدس لكي نمنع هؤلاء من مصادرة تراث الديانات السماوية وتزويره ولكي نبحث عن أصول التوراة والإنجيل التي نحن واثقون من انها ستصدق رسالتنا - رسالة الاسلام والتوحيد- وتكذب تحريفات اليهود، ولو كنا نفهم طبيعة المعركة فلماذا لا نبدي قلقاً على محاولات اليهود دفع الفاتيكان والمسيحيين الى تبرئة اليهود من التآمر على عيسى عليه السلام لأن الخطر القادم على الإسلام والمسلمين والدين كله يكمن في محاولة هؤلاء اليهود العلمانيين تهويد المسيحيين وانهاء حالة القربى والمودة والتسامح التي كانت بينهم وبين المسلمين في منطقة الشرق الأوسط والسعي الى إثارة الفتنة الطائفية في العالم الاسلامي ويخطيء كثير من الإسلاميين في قراءة تاريخ الحضارة الأوروبية المادية والواقع السياسي في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية عندما يفترضون ان للديانة المسيحية واليهودية ومؤسساتها هذا التأثير الكبير على السلطة هناك ويهولون من واقعها الذي لا يتجاوز أن واحدة من قوى الضغط السياسي والاجتماعي في دول قامت على حضارة منقلبة على الدين كله على الرغم من الحديث حول الدور الذي يلعبه اليمين المسيحي المتصهين في أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية. ومحاولات تضخيم مكانة وتأثير القوى الدينية في أوروبا والولايات المتحدة هي محاولات فاشلة للقوى العلمانية والأنظمة العميلة لتبرير تعاملها مع القوى الحاكمة الاقتصادية والسياسية هناك، وقد وجد هذا الافتراض هوى لدى الإسلاميين الذين يودون ان يكون الصراع مع الغرب صراعاً دينياً- بالمفهوم التقليدي- وليس صراع مصالح وتنافس قوى حتى يطمئن أحدهم لموقفه الشخصي في هذا الصراع لذلك يصبون جام غضبهم على الكنيسة والمسيحيين ويتجاهلين العدد الحقيقي الذي يهيمن على الأوضاع السياسية والاقتصادية. وفي هذا التعميم قد ينسى الكثيرون أن في الغرب مشفقين على مستقبلهم البشري وقلقين من طغيان الثورة العلمية والصناعية وصور الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ومنتصرين بقضايا المسلمين في فلسطين والعراق والبلقان وأفغانستان هم أقرب إلينا.