* في عجالة غريبة لا أرى مبرراً لها- وبالتتابع مع قرار الحكومة المتعجل أيضاً بالاستغناء أو بالأحرى تشريد كافة الأخوة الجنوبيين الذين كانوا يعملون في جميع مصالحها وحتى في مؤسسات القطاع الخاص- قرر مجلس الصحافة والمطبوعات تعليق خمس صحف انجليزية - جنوبية وسادسة عربية شمالية «معروفة بميولها الواضحة للحركة الشعبية» كما ذكرت صحيفة «الرائد» التي يصدرها المؤتمر الوطني. * الصحف المحظورة وكلها كانت تصدر في الخرطوم حتى يوم السبت الماضي تشمل «خرطوم مونيتور» التي يرأس مجلس إدارتها وتحريرها الفريد تعبان الذي غاب عن الساحة الصحفية في الآونة الأخيرة «ان شاء الله ما في عوجة».. «مونيتور» واحدة من الاصدارات الأكثر رواجاً في أوساط القراء الجنوبيين وعدد مقدر من المثقفين الشماليين- هي ورصيفتها «سيتزين» التي انتقلت في أواخر العام الماضي من الخرطوم إلى جوبا بعد ان إقتنت مطبعتها الخاصة في عاصمة الجنوب.. فأفتقد المجتمع الصحفي في الخرطوم زميلنا الانفصالي المتشدد رئيس تحريرها نيال بول. ولكن مجلس الصحافة استثنى الصحيفة التي لا تحمل نفس الاسم التي تصدر في مقر «ستيزين» القديمة في الخرطوم(2)، بعد انتقال ملكيتها من نيال بول إلى عزيز أحمد حسن ويرأس تحريرها بالانابة زميلنا السابق في «الرأي العام» ولاحقاً في «الخرطوم» عبد الله رزق.. * «جوبا بوست» صحيفة اسبوعية ومقرها بالقرب من المحطة الوسطى الخرطوم بحري جوار موقف الحافلات وكانت حتى الاسبوع الماضي موجودة في أكشاك العاصمة.. * إلا أن «سودان تربيون» الصحيفة التي يرأس تحريرها ويليام ايزيكيل هي الأقل رواجاً بين الصحف الجنوبية- على عكس الصحيفة الالكترونية التي تحمل نفس الاسم.. فكثير من الصحف المحلية والاقليمية تعول على تقارير موقع «سودان تربيون» خاصة حول جنوب السودان. «أوفوكيت» وهي الأخرى محدودة التوزيع كان يترأس تحريرها البروفيسور تومبي وخلفه قبل اسابيع الزميل عثمان شنقر.. أما «ذا ديمكرات» فهي صحيفة حزب الحركة الشعبية- التغيير الذي يرأسه د. لام أكول الذي انشق عن الحركة. * القرار طال أيضاً صحيفة «أجراس الحرية» اليومية المعروفة بمعارضتها الشرسة لحكومة الانقاذ وتعاطفها مع الحركة الشعبية، وما زال أبو ذر الأمين وهو أحد كتابها المشاركين وراء القضبان منذ العام الماضي بعد ادانته في قضية تتعلق بالأمن. * قرار مجلس الصحافة - كما جاء في تقرير «SMC» «تم بناء على خلفية وجود مواطنين من دولة الجنوب ضمن الملاك والناشرين» وهذا يعني ان كل هؤلاء اصبحوا منذ السبت الماضي «أجانب». * أعتقد ان قرار مجلس الصحافة الذي «تصادف» عشية إعلان استقلال جنوب السودان جانبه التوفيق- على الأقل في توقيته.. لاسباب عدة بينها أن الاخوة الجنوبيين يعتبرونه قراراً استفزازياً متعجلاً وهم في ذلك محقون. * كما ان تعليق كل الصحف الجنوبية من شأنه ان يلحق مزيداً من التوتر في العلاقات الشمالية مع حكومة الجنوب التي نحاول ارساءها وتعزيزها خاصة في هذه الفترة العصيبة من تاريخ السودان كما اننا في غياب هذه الصحف نفقد مصدراً مهماً للمعلومات التي تنشرها هذه الاصدارات عن اوضاع الدولة الجارة التي نحرص على استقرارها وفي نفس الوقت فإن هذه الصحف تتابع الاحداث الجارية وتطوراتها في الجزء الشمالي من الوطن الكبير- لفائدة قرائها الجنوبيين والشماليين على حد سواء. والمؤسف في هذا القرار حقاً ان غالبية العاملين- صحافيين وفنيين وعمالاً- في كل تلك الصحف شماليون وأكيد أنهم أوائل المتضررين من هذا القرار. * ولكن هل يستطيع مالكو وناشرو هذه الصحف «تصحيح أوضاعها» كما يطالب مجلس الصحافة؟ * نأمل ذلك ولكننا متشائمون ازاء نهج الحكومة في التعامل مع مبدأ حرية الصحافة وعلى هذا الأساس فإننا نشكك كثيراً وبعضنا يجزم ان هذه الصحف لن تعود مرة أخرى لأكشاك الشمال في المستقبل القريب.