في بلاد (الدراما) -وهو وصف يصدق الآن على مجمل الخارطة العربية باستثناء السودان، وذلك لبعض المعايير الموضوعية التي يعرفها الجميع، وأولها تواطؤ الأجهزة الاعلامية باعتمادها على المستورد، بحجة أن المحلي مكلف ولا يلبي الشرائح المعتادة على المشاهدة- في تلك البلاد، لم تعد الدراما العربية قادرة على شد جماهيرها على مدار العام، فأضحت الدراما (الرمضانية) هي شباك تذاكر «شوف جديد» للدراما العربية.. فأضحت الشاشة في رمضان تزدحم بالمسلسلات التي أتخمت قناة مثل «دبي» التي تعرض وحدها في رمضان القادم ثلاثة عشر مسلسلاً يومياً، وقس على ذلك بقية القنوات التي يحرص فيها كبار النجوم على أن تكون لهم حصة حتى يظلوا متربعين على قلوب المشاهدين من خلال التلفزيون بعد أن خذلتهم السينما، التي أصبحت لها متطلبات للنجومية لا تتناسب مع أعمارهم المتقدمة. لكن.. أين الدراما السودانية من هذه السيول الدرامية..؟ الدراميون يقولون ان قنوات البث الاعلامي (تضن) بأزمانها رغم أن بعضها جاد ويعالج قضايا ملحة أفرزها المجتمع السوداني، وان عرضها عبر القنوات السودانية يعد محاولة أخيرة للارتقاء بالدراما السودانية التي لن تستطيع منافسة غيرها على الفضائيات الأخرى وتكتفي بمواطنها المحلي عله يجد بعضاً من عزاء في «دونيته الدرامية»..!! المسؤولون الاعلاميون يعزون غياب الدراما عن الخارطة إلى ضخامة التمويل المرصود اضافة إلى بعض عيوب في الدراما السودانية أفصح بعضهم في القائها على كاهل الممثل السوداني عطفاً على نمطية بعض معطيات العرض، وختاماً على عدم اقبال المشاهد السوداني على العروض الدرامية السودانية خصماً على الدراما المتطورة في الحقلين السوري والمصري. هذا الخصام تجاه الدراميين والمسؤولين عن عرضها، أبطأ من تطور الدراما السودانية رغم سذاجة كلا الطرفين في عرض اطروحاتهما. المشاهد السوداني قد ينصرف عن العروض الركيكة، لكنه يتضامن مع القصص المفعمة بالحس الإنساني أياً كان مستوى ديكورها ومكان تصويرها، فما مسلسل (دكين) ومسلسل (الشاهد والضحية) إلا نماذج لذلك، فقد حظى المسلسلان بمشاهدة مدهشة، لكن لم نر انتاجاً على ذات النمط أو فوقه بقليل.. العالم يتطور من حولنا ويتقدم درامياً نحو آفاق آرحب في تناول الألوان الانسانية، فها هو التركي بعد المكسيكي وفي الطريق الكثير من الدراما اللاتينية من البرازيل والارجنتين وغيرهما، وما زالت قنواتنا السودانية ترصد هذه القفزات ولا تحرك ساكناً، على الرغم من ان خبراء الاجتماع يقولون إن بيئتنا السودانية تصلح كملهم للكثير من الموضوعات الدرامية التي تحتاج للمعالجة الفنية والخيال الأخاذ الذي يجعل منها دراما جاذبة..! إذن.. من يمتلك الشجاعة لينتج مسلسلات سودانية، وليس فواصل واستكتشات ينقضي أثرها مع انتهاء موسيقاها التصويرية، فما ينتج الآن من دراما، لا يعدو كونه (مناديل ورق)، رائحتها زكية، لكنها تصلح لأن تستخدم مرة واحدة فقط..!!