مضت شهرزاد تحكي للملك شهريار وكما علمنا من سياق هذه الحكايات ان شهريار وشهرزاد هما البطلان الاساسيان في هذه الحكايات التي كانت مصدر وحي كثير من ادباء العالم وفنانيه اي «الف ليلة وليلة» وقد اختلفت آراؤهم حول المعاني التي تختفي وراء البطلين وحكايتهما فرأي البعض ان شهريار يمكن ان يمثل العقل الباحث عن المعرفة وشهرزاد يمكن ان ترمز الى « حركة الانسانية كلها حول الطبيعة» قلنا في هذه الليلة الثالثة ان شهرزاد حكت للملك شهريار حكاية ذلك الصياد الذي اخرجت شبكته قمقماً من النحاس.. ولما فتحه خرج منه جني مارد .. الذي قال للصياد لابد من قتلك فتمنى على أي موتة تموتها وقال له الصياد: اعفي عني اكراماً لما اعتقتك، فقال العفريت أنا ما اردت قتلك الا لأنك خلصتني واخيراً احتال عليه الصياد بقوله انا لاصدق ان هذا القمقم يمكن ان يتسع لك بل قد لا يتسع حتى ليدك وحدها. قالت شهرزاد بلغني ايها للملك السعيد ان الصياد لما قال للعفريت لا أصدقك ابداً انك كنت داخل هذا القمقم حتى أراك بعيني وأنت فيه .. فانتفض العفريت وصار دخاناً صاعداً الجو ثم اجتمع ودخل في القمقم قليلاً قليلاً حتى استكمل الدخان داخل القمقم واذا بالصياد قد اسرع واخذ سداده القمقم الرصاصية المختوم عليها بختم النبي سليمان وسد بها فم القمقم ونادي العفريت وقال له تمنى انت علىّ اي موتة تموتها لارميك في هذا البحر.. رأى العفريت نفسه محبوساً حقاً وعلم ان الصياد قد سجنه .. ولما ذهب الصياد بالقمقم تجاه البحر قال له العفريت .. لا .. لا .. قال الصياد لابد .. لابد.. فلطف المارد كلامه وخضع وقال للصياد افتح لي حتى أحسن إليك فقال له الصياد تكذب يا ملعون انا مثلي ومثلك مثل وزير الملك يونان والحكيم دويان قال العفريت وماشأن وزير الملك يونان والحكيم دويان؟ وما قصتهما وهنا نأتي الى حكاية وزير الملك يونان حيث قال الصياد وكما تحكي شهرزاد للملك شهريار في الليلة الثالثة قال الصياد: اعلم ايها العفريت انه كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ان بمدينة الفرس وارض رومان ملك يقال له الملك يونان كان ذا مال وجنود وبأس واعوان من سائر الاجناس وكان في جسده برص قد عجز فيه الاطباء والحكماء ولم ينفعه منه شرب ادوية ولا سفوف ولا دهان ولم يقدر احد من الأطباء ان يداويه وكان قد دخل مدينة الملك يونان حكيم كبير طاعن في السن يقال له الحكيم دويان وكان عارفاً بالكتب اليونانية والفارسية والرومية والعربية والسريانية وعلم الطب والنجوم وعالماً باصول حكمتها وقواعد امورها من منفعتها ومضرتها عالماً بخواص النباتات والحشائش والاعشاب المضرة والنافعة قد عرف علم الفلسفة وحاز جميع العلوم الطبية وغيرها، ثم ان الحكيم لما دخل المدينة واقام بها اياماً قلائل سمع خبر الملك وما جرى له في بدنه من البرص الذي ابتلاه الله به وقد عجز عن مداواته الاطباء وأهل العلوم فلما بلغ ذلك الحكيم بات مشغولاً فلما اصبح الصباح لبس افخر ثيابه ودخل على الملك يونان وقبل الارض ودعا له بدوام العز والنعم واحسن ما به ثم تكلم واعلمه بنفسه فقال : ايها الملك بلغني ما اعتراك من هذا الذي في جسدك وان كثيراً من الاطباء لم يعرفوا حيلة في ذهابه وها انا اداويك ايها الملك ولا اسقيك دواء ولا ادهنك بدهن.. فلما سمع الملك يونان كلامه تعجب وقال له: كيف تفعل ؟ فوالله ان ابرأتني اغنيتك لولد الولد وانعم عليك وكل ما تتمناه فهو لك وتكون نديمي وحبيبي ثم انه خلع عليه واحسن اليه وقال له: اتبرئني من هذا المرض بلا دواء ولا دهان؟ قال نعم ابرئك بلا مشقة في جسدك فتعجب الملك غاية العجب ثم قال: له ايها الحكيم الذي ذكرته لي يكون في اي الاوقات؟ وفي اي الأيام فاسرع به يا ولدي قال له: سمعاً وطاعة انه يكون غداً .. ثم نزل من عند الملك واكترى له بيتاً وحط فيه كتبه وادويته وعقاقيره ثم استخرج الادوية والعقاقير وجعل منها صولجاناً «يتبع».