تتوالى هذه الايام التحذيرات من مغبة نقص الغذاء العالمي وإرتفاع الاسعار وإذا كنت قد تعرضت الاسبوع الماضي للتحذيرات الصادرة من منظمة الاغذية والزراعة (الفاو) ومن برنامج الغذاء العالمي (WFP) فاليوم اتعرض الى التحذير الصادر من البنك الدولي الاربعاء الماضي والذي حذر فيه من مجاعة قد تحدث في «33» دولة وخاصة في الدول الافريقية جنوب الصحراء وقد اعلن البنك انه بصدد ضخ نصف مليار دولار لمساعدة هذه الدول على زراعة غذائها وانه بصدد حث الصناديق المانحة في الدول العربية لمساعدة هذه الدول في مجال الاستثمار الزراعي، لكن حذر البنك الدول المعنية من مغبة التكاسل وشدد في مخاطبتها على ضرورة النهوض لتوفير غذاء شعوبها بنفسها ولا بد من المحافظة على هذا الانتاج وضبط سلوكيات شعوبها الغذائية ومحاولة التقليل من فاقد الحبوب والتي عادة ما تذهب هدراً أو إلى صناديق النفايات أو القمامة. إن تحذير البنك الدولي ركز علي الانتاج ثم الانتاج ثم من بعده المحافظة ثم المحافظة على الانتاج فالانتاج والمحافظة عليه صنوان يجب ان لا يفترقا في وقت يعيش فيه العالم وقتاً عصيباً - تغيرات مناخية ونقص في الغذاء وارتفاع في الاسعار وكوارث طبيعية. المجتمع السوداني مشهود له بسلوكيات استهلاكية غذائية غير مرشدة وغير منضبطة خاصة استهلاك الاسر للخبز المصنوع من القمح فقد تلاحظ ان معظم الاسر المقتدرة تستهلك من الخبز أكثر من حاجتها في الوجبة الواحدة ثم يذهب الفائض إلى سلة النفايات واذا حسبنا العملية من ناحية اقتصادية نجد ان مدينة الخرطوم وحدها ترمي في سلة النفايات أو صناديق القمامة خبزاً يقدر ب «50» جوالاً من الدقيق المستورد أو المحلي يومياً وهو ما تقدر قيمته ب «5» ملايين جنيه سوداني «القديم» فما بالك بالمدن السودانية الاخرى الممتدة على مساحة المليون ميل مربع. المجتمع السوداني يمكن تقسيمه الي ثلاث مجموعات من الاسر (3 cat ogarie)، من حيث الوضع الاقتصادي أو دخل الفرد، المجموعة الأولى هي الاسر المقتدرة والتي تمثل «51%» من المجتمع في المدن وهذه المجموعة لما لها من علاقات اجتماعية متطورة وحياة متمدنه افرزت سلوكيات غذائية استهلاكية سالبة فمن حيث استهلاك سلعة القمح أو الدقيق هي الاكثر استهلاكاً ومن حيث الفاقد في الخبز هي الاكبر نسبة. أما المجموعة الثانية «30%» فهي الاسر ذات الدخل المحدود الاقل حظاً من المجموعة الأولى وهي التي تعتمد في غذائها على «50%» من خبز القمح و«50%» من خبز دقيق الذرة وانواعه ورغم ذلك نجد ان نسبة الفاقد ال (waste) في الخبز لا تقل كثيراً عن المجموعة الأولى. أما المجموعة الثالثة فهي الاسر الفقيرة والتي تمثل «55%» من سكان الريف الفقير المعدم فنجدها لا تستهلك القمح بل تعتمد على الغذاء من دقيق الذرة وانواعه وهذه المجموعة لها سلوكيات غذائية استهلاكية تختلف عن المجموعتين الأولى والثانية بحكم انها قروية أو بدوية وانعكست هذه السلوكيات السالبة في استهلاك الذرة وانواعه وتقديمه كغذاء للحيوانات والطيور مما يشكل خطراً على إنتاج الذرة وانواعه في السنوات القادمة سنوات المجاعة التي حذر منها البنك الدولي. السوق المحلي بالمدن السودانية يعج بالمحلات التجارية للخبائز والجاتوهات والباسطة والحلويات الاخرى التي تستهلك حصة من الدقيق وهذه المحلات ليس لها كوته محددة وليست لها كوتة تسمى دقيق الصناعات أسوة بسكر الصناعات بل تركت حصتها مفتوحة وهي تستهلك «51%» من الدقيق الخارج من المطاحن يومياً زد إلى ذلك استهلاك ربات البيوت من الدقيق في الخبائز المنزلية في المناسبات وغير المناسبات. هذه نماذج من السلوكيات الغذائية الاستهلاكية لانواع مختلفة للاسر السودانية والتي انعكست سلباً على انتاج الدولة من الحبوب لذلك ينبغي على الدولة منذ الآن التفكير جدياً في الطرق الكفيلة بتغيير هذه السلوكيات وفي مقدمتها تأتي التوعية من جانب المنظمات النسوية ومنظمات المجتمع المدني والدولة ايضاً وهأنذا اطرح الموضوع بين يدي المسؤولين في إذاعة البيت السوداني.