أبو علاء منصور مرقومة/ الجزائر من المفارقات العجيبة أن تتحول ممارسات جٌعِلت للترفيه والتسلية والتقارب والتعارف بين الأفراد والمجتمعات، تتحول إلى مشكلات وكوارث ومخدرات للعقول، ومثبطات للهمم بكل ما تحمله الكلمات من معان. لقد كان الإقبال على كرة القدم من جانب أنها تسلية ورياضة لتقوية الجسم والنفس، والاستعانة بها على أعباء الحياة و للإقبال على العمل والإنتاج بكل جدية وعزيمة ونشاط. غير أننا أصبحنا نرى ما وصلت إليه هذه الرياضة من تسبب في المشاكل المختلفة الاجتماعية والاقتصادية، وخلق للعداوة، وبث للبغضاء بين الناس، بل أصبح الإقبال عليها إدمانا كالإدمان على المخدرات، وأصبح التهافت عليها هاجس يؤرق النفس، تطلبه وتبتغيه كما يبتغي المدمن جرعته من المخدر. لقد رأينا كيف أن الكثير من الأشخاص الذين لا يملكون قوت يومهم يسعون بشتى الطرق لتوفير تذكرة الدخول إلى الملاعب، ومصاريف التنقل والإيواء، وملاحقة الفرق التي يشجعونها، بل التي يعبدونها والعياذ بالله، وهذا في كثير من الأحيان على حساب بطون جائعة، وأجساد عارية، وأقدام حافية، لأن منهم من ينتزع اللقمة من فم أبنائه وإخوانه ليصرفها على كرة القدم. ونلاحظ كيف تتحول مدرجات الملاعب والساحات العمومية والمقاهي إلى حلبات للملاكمة والقتال، وميادين للفوضى، حيث تستعمل الأسلحة البيضاء والحجارة والهراوات لإزهاق الأرواح، وزرع القلاقل والتخريب، ونهب الممتلكات العمومية والخاصة، لا لشيء سوى لأن الفريق الفلاني سجل نقطة على الفريق المنافس أو العكس، أو تقدم عليه في الترتيب، أو انتزع منه (البطولة) أو الكأس. ومن جهة أخرى رأينا كيف تصرف الأموال الطائلة في تشييد الملاعب على حساب المشاريع التنموية ذات الأولويات المستعجلة، على حساب طرق المواصلات، وقنوات التزود بالمياه الشّروبة، والكهرباء، والبنيات التحتية بمختلف أنواعها. وإنه لمن المفارقات أن ينتقل المواطن العربي بقلبه وعقله وروحه وجوارحه كلها إلى ما وراء البحار لتشجيع الفرق الأجنبية التي لا تربطه بها أية روابط، فيفرح لفوزها، ويحزن لانهزامها وخسارتها في مباريات لا ناقة له فيها ولا جمل. ومنهم من يتقبل أية مصيبة كانت، ويتجلد بالصبر عليها، لكنه لا يتحمل هزيمة فريقه المحبوب. أفلا يمكن اعتبار ذلك، بل الجزم به، على أنه أفيون ومخدر للنفوس والعقول يجب محاربته والقضاء عليه. والله أعلم، ولا حول ولا قوة إلا به.