من المُنتظر تجاوُز البُعد النفسي لإعلان الكونجرس الأمريكي الذي تجاوَز اعتراض الرئيس أُوباما على قانون العدالة ضد رُعاة الإرهاب بحيث يسمِح لأُسر ضحايا الحادي عشر من سبتمبر بمُقاضاة حُكومات الدول التي ينتمي لها المُتهمون بالمُشاركة في الأحداث . وتجدُر الإشارة إلى تمرير القانون بأغلبية الثُلثين ، إذ اعترض عليه سيناتور واحد فقط في مجلس الشيوخ من جُملة (98) سيناتوراً ، فيما صوّت لصالحه (384) نائباً بمجلس النواب مُقابل (77) نائباً رفضوا الاعتراض على الفيتو الرئاسي .. ليصبح المشروع قانوناً رسمياً بحسب الدستور الأمريكي . تجاوُز البعُد النفسي للقانون المعروف اختصاراً ب (جاستا) والذي يُلغِي فِكرة الحصانة السيادية ويُعرِّض بعض الدول لطائلة قوانين دول أُخرى ، لا يتم إلا بالتعامل معه بالبُعد الواقعي بحيث يتم تجاوز النظر إلى الدواعي المُعلنة بإجلاء النظر في الدوافع الأصيلة ، إذ لا تهدُف مثل هذه القوانين لتحقيق العدالة كما يُعتقد ويُشاع ، إنما لإحكام الحِصار على البلدان التي تنتهج سياسات تحرُّرية رافضة للتبعية والخضوع .. إذن فالمُتصوِر أن القانون الأمريكي ينشُد مُقاضاة المملكة العربية السُعودية من باب تحقيق العدالة يلزمه مُراجعة تصوراته ، ومن ثم يُمكنه النظر في تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية وما يتطلبه ذلك من استهداف للمملكة العربية السعودية بُغية إضعاف دورها لقيادة الإسلام السُني المُعتدِل في المنطقة . الشواهد على التمدُّد الشيعي في المساحة السُنِّية الذي تتبناه أمريكا والغرب عموماً كثيرة منها الإفراج عن البرنامج النووي الإيراني وتأييد الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن والتنسيق معها للتمدُّد في العراق وسوريا ولبنان والبحرين ، بجانب تنظيم مؤتمر غروزني في الشيشان لسحب المرجِعية السنية وتثبيت تُهمة الإرهاب على الفِكر الوهابي بالتنسيق مع جُملة من الدول العربية الموالية للغرب .. ومن الشواهد كذلك على فتور العلاقة بين السعودية والغرب لصالح الحليف الجديد إيران : تصريحات المرشحين للرئاسة الأمريكية بأن السعودية ( بقرة حلوب حان وقت ذبحها ) ومُصادقة البرلمان الأوربي على قرار فرض حظر توريد الأسلحة للمملكة لِجهة استخدامها ضد المدنيين في اليمن .. كما يأتي قانون العدالة ضد رُعاة الإرهاب كشاهد أخير على استهداف الإسلام السني وربطه بالإرهاب ، مما يتطلب تجاوز البُعد النفسي لهذا الاستهداف بإجلاء النظر في الواقع والتعامل معه بما يلزم . البُعد الواقعي .. تتشكل ملامحه في المخاوف الأمريكية التي تلت تجاوز اعتراض الفيتو الرئاسي ، إذ صرح أوباما عقب التصويت على الاعتراض بأنه (إذا ألغينا فِكرة الحصانة السيادية فإن رجالنا ونساءنا من العسكريين حول العالم قد يرون أنفسهم عُرضة لخسائر مُتبادلة) كما أصدر مدير المُخابرات المركزية (CIA) بياناً حذر فيه من أن القانون سيكون له تداعياته الخطيرة على الأمن القومي الأمريكي ، وأن الضرر سيقع على عاتق المسئولين الأمريكيين الذين يؤدون واجبهم في الخارج ، وأضاف أن مبدأ الحصانة السياسية يحمي المسئولين وهو متأصل في المعاملة بالمثل وإذا لم تلتزم أمريكا بهذا المِعيار مع الدول فإنها سوف تُعرِّض مسئوليها للخطر . المطلُوب إذن .. إجراءات تتجاوز الصدمة النفسية وتلبي الأبعاد الواقعية ، ومنها على سبيل المثال سن قوانين وتشريعات تقاضي الإدارة الأمريكية لارتكب رعياها انتهاكات إنسانية في العراق ، وما تمخض عن الغزو الجائر بدعاوي امتلاك الكيماوي وانتهاكات الجنود الأمريكان لأبسط حقوق الإنسان في سجن أبو غريب ومعتقل غوانتنامو ، بجانب مقاضاة جنودها لما تسببوا فيه من تقتيل وموت رخيص في أفغانستان جراء القصف العشوائي للسكان .. وعلى الصعيد الداخلي فالفرصة مُناسبة لسن قوانين تُقاضي الإدارة الأمريكية حول الخسائر الناتجة عن قصفها لمصنع الشفاء للأدوية والأثر النفسي للمواطنين جرَّاء فقدانهم فُرصة توفِير الدواء بجانب فرضها الحظر الاقتصادي بدعاوي غير مُبررة، وهذا بالضبط ما كان يُنادي به السودان منفرداً في إطار التعامل بندية مع الأمريكان. المطلوب كثير ، إلا أنه يحتاج إلى إرادة قوية وتنسيق مُحكم بين جميع الدول المُتضررة مادياً ومعنوياً من تجاوزات أمريكا ورعياها في الوطن العربي والعالم أجمع .. وعلى نفسها جنت براقش.