فؤاد دبور يعتبر السودان أكبر الأقطار العربية مساحة ، وقد عرف مظاهر الحياة الحضارية منذ أقدم العصور ، وتميز تاريخه بالارتباط الوثيق بتاريخ مصر والعرب ، وقد واجه ، وما زال ، الكثير من التحديات والمخاطر والمعاناة والضغوط المكثفة من الدول الاستعمارية والجهات المرتبطة بها ، مما جعله يعاني من عدم الاستقرار السياسي الذي تمثل بشكل أساسي في مشكلة الجنوب التي تم دعمها من قوى خارجية معادية للسودان والعرب وكذلك مشكلة إقليم دارفور الذي يعادل خمس مساحة السودان. وقد أدت المشاكل والصراعات والاقتتال إلى ضياع الكثير من موارد السودان وثرواته وانعكست هذه الأحداث سلبا على تطوره وبنائه وتنمية قواه البشرية واقتصاده المعتمد على الثروة الزراعية والحيوانية والمائية والمعدنية والنفطية ، وحدت من قدرته على الاستفادة من هذه الثروات في بناء البنية التحتية للدولة والارتقاء بالحياة الاجتماعية وتدريب الكادر الفني وتوفير الطاقة اللازمة للصناعة وربط ارجاء البلاد بشبكة مواصلات ضرورية للنهوض الاقتصادي ، حيث وجد السودان نفسه امام العديد من المشاكل التي أوجدتها قوى الاستعمار لتكون بمثابة عوامل تفجير موقوتة توظفها لتحقيق مصالحها ومشاريعها المعادية للسودان وللأمة العربية. وقد كان للحركة الصهيونية وكيانها الغاصب دور في مجريات الأحداث في هذا القطر العربي المهم والذي يربط آسيا العربية بدول القارة الافريقية ، حيث بذلت الحركة الصهيونية وحكومات كيانها جهودا مكثفة من اجل السيطرة على البحر الأحمر ومنطقة البحيرات العظمى للوصول لمنابع نهر النيل من اجل تهديد الأمن القومي العربي عبر حرمان مصر والسودان من مياه النيل التي تشكل شريان الحياة لشعب مصر بالذات ، وقد عملت حكومات الكيان الصهيوني ايضا على تأجيج وتعميق الصراعات داخل السودان ، وبينه وبين دول الجوار والنموذج الاريتري - الإثيوبي أوضح شاهد على ذلك. لم تكتف الدول الامبريالية والحركة الصهيونية بتغذية الصراع في جنوب السودان ، بل عملت على خلق بؤر توتر أخرى وكانت منطقة دارفور الغنية بالثروات المعدنية وفي مقدمتها اليورانيوم الذي يدخل في انتاج الطاقة النووية وصناعة الأجهزة الطبية والطائرات وغيرها من الصناعات المتطورة وقامت فعلا بدعم بعض القبائل والفئات المتصارعة وتحريضها على الحكومة السودانية للضغط عليها سياسيا واقتصاديا للانتقام من هذا النظام لأنه اعتمد على جمهورية الصين الشعبية في انتاج اكثر من 60% من نفط السودان من جهة ، ولإضعاف النظام الوطني في السودان تمهيدا لتنفيذ مخطط تقسيم السودان إلى خمس دويلات صغيرة. ويأتي ذلك كله ضمن مشروع إقامة الشرق الأوسط الجديد الذي يتضمن تصفية المقاومة العربية في فلسطين والعراق ولبنان ومن ثم تقسيم العراق والسودان وغيره من الأقطار العربية ، لتسهيل السيطرة على المنطقة والتحكم بثرواتها واستقلالها وسلبها سيادتها ومصادرة قرارها السياسي واستنادا إلى هذا المشروع جاءت الحرب العدوانية الأمريكية - الصهيونية الاستعمارية المفتوحة على لبنان في الثاني عشر من تموز الماضي والقرار الدولي (الأمريكي) 1701 واستقدام آلاف الجنود ومعهم الدبابات والبوارج الحربية التي تهدد أمن لبنان واستقراره. كما جاء بعده مباشرة القرار الدولي (الأمريكي) رقم 1706 لمحاصرة السودان ووضعه في دائرة الاستهداف عبر إدخاله في أزمة ومواجهة مع قوات دولية مدعومة بقرار وفق الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة ، أي ان مشكلة دارفور قد دخلت منحنى خطيراً تجسد في تدويلها والحيلولة دون إعطاء الفرصة للحكومة السودانية لتنفيذ خطتها السلمية في دارفور لان في ذلك نجاحا وقوة للنظام في السودان يحبط مخططات الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية الاستعمارية ، وفي مقدمتها التابع بلير مثلما يؤثر سلبا على مخططات الحركة الصهيونية الشريك الأساسي للإدارة الأمريكية في استهداف السودان والعرب والمسلمين. وقد جعل هذا القرار الحكومة السودانية تطلب رحيل القوات الإفريقية المتواجدة في دارفور والتي تنهي مهمتها في أواخر شهر أيلول الحالي ، حتى لا تتحول إلى قوات دولية تدخل في مواجهة عسكرية مع النظام السوداني الذي اعلن بشكل واضح وصريح رفضه لقرار مجلس الأمن الدولي واخذ على عاتقه تولي مسؤولية الأمن في الإقليم ، وهذا يشكل تحديا كبيرا للقرار والمشروع الأمريكي الغربي الذي يستهدف تدويل الصراع في دارفور كوسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للسودان ، وصولا إلى احداث تغيير في النظام السياسي في هذا القطر العربي الافريقي المهم وإقامة نظام موال للإدارة الأمريكية يفسح المجال للشركات الأمريكية باستغلال ثروات الإقليم من جهة وثروات السودان النفطية وغيرها من الثروات من جهة أخرى. كما جاء القرار ليؤكد نوايا الإدارة الأمريكية والشركاء بوضع السودان تحت الوصاية والهيمنة الأمريكية ، وليكشف المخططات والمشاريع الأمريكية - الصهيونية التي تستهدف العرب. بمعنى ان القرار 1706 الصادر ، وبضغط أمريكي بريطاني ، عن مجلس الأمن الدولي يهدد وحدة السودان ويضعها في دائرة الخطر في حال تنفيذه ، وفي دائرة التبعية للإدارة الأمريكية ، وبالتالي فإن معركة المواجهة التي يخوضها النظام في السودان تعتبر معركة دفاع عن استقلال السودان وسيادته ووحدة أراضيه وشعبه. ونتساءل ، هل تقدم الإدارة الأمريكية ومعها رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير على إرسال قوات مقاتلة إلى دارفور في ضوء ما تواجهه هاتان الدولتان ومن معهما في أفغانستان والعراق وفي ظل ما واجهه جيش أداتها الصهيونية في لبنان وفي الوقت الذي تخوض فيه الدولتان ومن معهما معركة صعبة مع ايران؟ أم سوف تستخدم الإدارة الأمريكية ومن معها من الدول الاستعمارية القرار الصادر عن مجلس الأمن (الأمريكي) لا الدولي للضغط على النظام السوداني ، وخلق فوضى في هذا القطر تؤدي إلى المزيد من الاقتتال وعدم الاستقرار وتدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية مما يفتح الطريق أمام تنفيذ المخطط الذي يستهدف تمزيق السودان أرضا وشعبا؟ ونقول ، بعد فلسطين والعراق ولبنان وممارسة الحصار والضغوط على سورية ، جاء دور السودان لتوسيع دائرة الحصار عليه واستهدافه عسكريا تحت مظلة ما يسمى بالشرعية الدولية التي أسقطتها الادارة الأمريكية ووضعت المنظمة الدولية تحت سيطرتها وأخذت تتحكم بقراراتها. ونؤكد على أن المؤامرة على السودان إنما تأتي في سياق التآمر على الأمة العربية وأقطارها وبخاصة الأقطار المجاورة للسودان وفي مقدمتها جمهورية مصر العربية ، لان اضعاف السودان وتقسيمه ووضعه تحت الوصاية الأمريكية يجعله مرتعا للصهيونية حيث تحقق حلمها بالوصول إلى منابع النيل والتحكم بمياهه التي تشكل شريان الحياة لشعب مصر. لقد اعلن السودان ممثلا بقيادته وقواه الشعبية الوطنية عن المواجهة والتصدي والمقاومة للمشروع الأمريكي الاستعماري ، وما على العرب المخلصين سوى دعمه ومساندته والوقوف إلى جانبه لدرء الخطر عنه وإفشال المشاريع التي تستهدفه والأمة وسوف تشهد دارفور بفعل الإدارة الشعبية والعربية مثل ما حصل في فلسطين والعراق ولبنان ولن تمر مخططات الأعداء أمام إرادة الشعوب المناضلة المؤمنة بعقيدتها وحقوقها.