في خطوة مفاجئة أعلن ممثلو إدعاء في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إن هناك أسباباً أولية للإعتقاد بأن القوات الأمريكية ارتكبت جرائم حرب في أفغانستان ، وفي منشآت احتجاز سرية بمناطق أخرى في عامي 2003 و2004م، كما أوضح مكتب الإدعاء أن أعضاء من قوات الجيش الأمريكي عرضوا فيما يبدو ما لا يقل عن 61 محتجزاً للتعذيب ، وأن مسؤولي وكالة المخابرات المركزية عذبوا فيما يبدو 27 محتجزاً آخرين لكن المفارقة أن مكتب الإدعاء لم يقرر بعد ما اذا كان سيسعي لإجراء تحقيق كامل. أتت تصريحات ممثلو الإدعاء بالمحكمة الجنائية الدولية متزامنه مع الإنسحابات المتتالية من دول القارة الأفريقية (غامبيا وجنوب افريقيا وبورندي) في خطوة تقرأ على انها محاولة لإيقاف الزلزال الأفريقي الذي تعرضت له المحكمة الجنائية والذي اثر بالطبع على طبيعة عملها خاصة وأن دوافع الدول الأفريقية للتخلى عن الجنائية هي ازدواجية المعايير في عمل المحكمة وأنها اداة جديدة للإستعمار ، مما دفع المحكمة الي الدفع بتصريحات "ظاهها الرحمة" بغرض إستمالة بقية دول القارة الأفريقية لعدم الإنسحاب من المحكمة بإعتبار أنها ربما تعثر على ادلة تثبت تورط الولاياتالمتحدة وإرتكابها جرائم حرب في افغانستان ، غير أن المراقبين يرون أنه من المستحيل أن تقوم المحكمة بإجراء تحقيق كامل حول إرتكاب القوات الأمريكية جرائم حرب في افغانستان بإعتبار أن نتائج التحقيق الكامل قد تؤدي إلى توجيه اتهامات لأفراد وإصدار مذكرات اعتقال بحقهم ، ومن غير المتوقع أن تقدم المحكمة الجنائية على الإنتحار بمثل هذه الخطوه. من خلال مراقبة الساحة السياسية يتضح أن مبررات القادة الأفارقة للإنسحاب من المحكمة الجنائية لامست اوتاراً الحقيقة في سياسية المحكمة التي حاولت نفيها بطريقة غير مباشرة. فقد اوضح رئيس الإتحاد الأفريقي ادريس ديبى خلال القمة الأخيرة للإتحاد الأفريقي أنه من الملاحظ أن المحكمة الجنائية الدولية تستهدف بشراسة أفريقيا والقادة الأفارقة من بينهم رؤساء حاليون، فيما تشهد سائر أنحاء العالم الكثير من الأحداث والإنتهاكات الفادحة لحقوق الإنسان، لكن أحدا لم يعبر عن القلق إزاءها ، واعتبر دبيي أن المحكمة الجنائية تتبع سياسية الكيل بمكيالين، الأمر الذي دفع الإتحاد الأفريقي الي اتخاذ قرار الإنسحاب كى تدرك المحكمة الجنائية الدولية أهمية الموقف الأفريقى من هذه المسألة . وقد ذكر رنيس زيمبابوى روبرت موجابى ابان تسليمة رئاسة الإتحاد الأفريقي لخلفة ادريس ديبي" إن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لم أره مطبقا ضد أى شخص جلده أبيض" ، واضاف متسائلاً: "هل الذين لديهم جلود بيضاء يتم إعفاءهم من الوصول للمحكمة، واشار إلى أن جورج بوش وتونى بلير ارتكبا أعمالاً فظيعة فى العراق، واعترفا بأنهما ارتكبا أخطاءً ، كما قتلوا صدام حسين ورغم ذلك لم تتم إحالتهما للعدالة". فيما اتهم وزير الأعلام بغامبيا المحكمة الجنائية الدولية بأنها تسعي لمقاضاة الأفارقة فقط بينما هناك بلدان غربية كثير لاتقل عن 30 دولة ارتكبت جرائم حرب سافرة ضد دول مستقلة وذات سيادة منذ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ولم يوجه اتهام لمجرم حرب غربي واحد . مما يبدو أن المحكمة الجنائية الدولية حاولت حفظ وجهها امام القارة الأفريقية لصدها عن قرار الأنسحاب الجماعي الذي من المتوقع أن يتم الإتفاق علية خلال فبراير القادم ، بجانب التأثير الذي احدثه إنسحاب بورندي وجنوب افريقيا وغامبيا على ميزان المحكمة ، حيث دفعت بالتصريحات السابقة التي من شأنها أن تضع المحكمة في مواجهة مع الولاياتالمتحدة التي امتنعت عن الموافقة على انشاء محكمة الجنايات الدولية لأنها كانت تخشى من ملاحقة المحكمة للأمريكيين والإسرائيلين ، وواجهت عدداً من الإنتقادات لرفضها الإنضمام الى ميثاق المحكمة ، الأمر الذي دفع الرئيس الأسبق بيل كلتنون على التوقيع على المعاهدة اواخر فترتة الرئاسية لكنه صرح بأنه لا ينوي تقديم المشروع إلى المصادقة، وخاصة على الصيغة التي هو عليها، ولكن سرعان ماقام بوش(الإبن) بتقويض المحكمة والضغط على حلفاء امركيا للتخلي عنها ، وفي العام 2002م شرع الكونجرس في قانون حماية أعضاء الخدمة الأمريكان والذي تحتوي فقراته على منع الأجهزة والهيئات الأمريكية من التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية ، الي جانب فقرات أخرى تحد من مشاركة القوات الأمريكية في عمليات الأممالمتحدةالأمريكية المتعلقة بحفظ السلام . وهذا القانون يتعارض بالطبع مع عزم المحكمة الجنائية الدولية وذهبت الولاياتالمتحدة الى ابعد من ذلك في اطار عدم معاقبة مواطنيها حيث عقدت اتفاقيات ثنائية مع أكبر عدد ممكن من الدول لمنع تسليم المواطنين الأمريكيين إلى المحكمة الجنائية الدولية وتسليمهم للولايات المتحدة لمحاكمتهم عما قد يقترفوه من جرائم ، مما تختص بنظرها المحكمة وذلك استشهادا بالمادة 98 من النظام الأساسي . فما بين العداء الأمريكي للمحكمة الجنائية وبين تصريحاتها المغتضبة حول امكانية ايجاد ادلة على ارتكاب جرائم حرب في افغانستان يقرأ خبراء القانون مابين السطور محاولة لإيقاف الإنسحاب الأفريقي ، خاصة وأن كثيراً من خبراء القانون لم يحملوا تلميحات المحكمة على محمل الجد لجهة انها ارادت أن ترسل رسالة لزعماء القارة الأفريقية مفادها أن المحكمة الجنائية الدولية ليست اداة لتطويع القارة الأفريقية وأنما تسعى الي تطبيق العدالة في العالم كله.