لم تكن هذه المرة الأولي التي تتحدث فيها حكومة جنوب السودان عن طردها للحركات السودانية المتمردة الموجودة على اراضيها ، لكنها لم تقدم على خطوات عملية في هذا الشأن رغم ادراكها أن إيواء هذه الحركات خرقاً واضحاً للمواثيق والإتفاقيات الدولية التي تحرم ايواء او دعم اي حركات متمردة بين الدول المتجاورة. لكن الخطوة التي اثارت استهجان الخبراء السياسين والأمنيين هي أعلان حكومة جنوب السودان موافقة الحركات المتمردة على مغادرة اراضي الجنوب طواعية بعد إبرام اتفاق عدم الإعتداء بين الطرفين ، واكدت جوبا انها توصلت الي اتفاق مع المتمردين السودانيين لوقف استخدام اراضي جنوب السودان كمنصة انطلاق لعملياتهم ضد حكومة الخرطوم متوقعة تعاون الحركات المسلحة ومغادرة اراضي الجنوب. وتشير المعلومات الي أن جوبا ظلت تقوم بمحادثات سرية مع قادة التمرد طوال الشهريين الماضيين لإقناعهم بمغادرة الجنوب وعدم احراج حكومة جوبا امام المجتمع الدولي خاصة بعد الضغوطات الغربية والأمريكية عليها مؤخراً ومطالبتها بضرورة طرد الحركات المتمردة ووقف عمليات الدعم والإيواء والإتجاه نحو تطبيق إتفاقيات التعاون المشترك مع السودان، مع الأخذ في الإعتبار مهلة رئيس الجمهورية عمر البشير لدولة جنوب السودان حتي نهاية العام الحالي لإنفاذ الإتفاقات الموقعة بين البلدين والا فأن السودان سيقوم بقلب الصفحة في إشارة الي إمكانية تغيير السودان لسياستة تجاه الجنوب . وأكد السفير عوض الكريم الريح بلة نائب مدير ادارة جنوب بوزارة الخارجية انه سبق و ان وعدت حكومة جنوب السودان بطرد الحركات المتمردة من اراضيها ووعدت بان اراضيها لن تكون المنطلق الذي تشن الحركات المتمردة هجومها منه علي السودان لكن كل هذه الوعود ذهبت ادراج الرياح، واضاف أن حكومة الجنوب ليس امامها خيار سوى ان تنهي وجود الحركات المسلحة في اراضيها لأنها في امس الحاجة لعقد اتفاقيات تعاون مع حكومة السودان من اجل فتح المعابر ، ولكن القراءات تشير الي أن اتخاذ مثل هذا القرار وتنفيذه صعب لوجود الإرتباط السابق بين حكومة جنوب والحركات ، اضافة الي ذلك فأن بعض من هذه الحركات تتولي مسألة مقاتلة المعارضة الجنوبية دفاعاً عن حكومة الجنوب . ويضيف السفير عوض الكريم أن دولة جنوب السودان الآن تعيش حالة من عدم الإتزان ما بين تنفيذ الإتفاقيات الأمنية مع السودان ومابين الإستمرار ودعم الحركات السودانية المتمردة للإستفادة من الدعم الخارجي المقدم لتلك الحركات التي تتولي جوبا مسألة ايواءها ودعمها. لكنه اشار الي ان السودان متمسك بموقفة بالتطبيق الكامل والدائم للإتفاقيات هو حريص علي موقفه بضرورة إنفاذ اتفاقيات التعاون بين البلدين. ووصف الخبير الأمني محمود قمش وعود حكومة الجنوب بعدم المصداقية قائلاً : كثيراً من التصريحات التي ادلت بها حكومة جنوب السودان حول الإتفاقيات بين البلدين وطرد الحركات لكنها لم تنفذ ، فنجد أن عدم الإلتزام بالوعود يعد سمة اساسية لازمت الحركة الشعبية منذ ان كانت ضمن السودان الموحد ، ويقول قمش أنه بالرغم من الزيارات المتكررة لمسؤولي حكومة الجنوب للبلاد وتعهدهم بتطبيق الإتفاقيات والبرتكولات المشتركة بين البلدين حتي اصبح المشهد متكرر وفقد مصداقيته وهو ما يجعل السودان لايتوقع ان كل ما تصرح به حكومة الجنوب صحيح مشيراً الي أن الفيصل في هذا الأمر التنفيذ. ويؤكد المهندس عبد المولي حماد ابراهيم رئيس حركة العدل والمساوة الوحدة الوطنية ان كل التصريحات التي اطلقتها حكومة جنوب السودان في الماضي وحتي الوقت الحاضر او في المستقبل ليس فيها اي نوع من الإلتزام لأنها تخشى علي مصالحها لهذا فأن حكومة جنوب السودان دائما ما تحاول ان تمسك العصا من وسطها فتارةً تشد الحبل علي الحركات المسلحة وقطاع الشمال وتارة اخري ترخيه وهكذا الحال في تعاملاتها مع دولة السودان. ويقول عبد المولي إن مثل تلك القرارات المتأرجحة توضح ان دولة جنوب السودان تفتقد للمؤسسية لهذا فأن من الصعب ان نتوقع ماهي الخطوة القادمة لها بل من الصعب جداً الوثوق في اي اتفاق يبرم معها . ويضيف الآن كل القادة الميدانيين موجوديين في جوبا فماذا فعلت حكومة جنوب السودان تجاه هذا الأمر؟ فلا يوجد اذاً لايوجد قرار واحد تم تنفيذه يثبت وصدق نوايا حكومة الجنوب . الواقع الداخلي لجنوب السودان يشير الي أنه من الصعب على حكومة الجنوب أن تتخلي عن الحركات المسلحة التي ظلت تقاتل بجانب الجيش ضد المعارضة الجنوبية ، بجانب أن جوبا تتقاسم الدعم المادي واللوجستي الذي يقدم للحركات المتمردة من الخارج ، و يبدو أن تراجع دولة جنوب السودان عن تقديم الدعم اللوجستي والمادي للحركات بسبب الأوضاع التي تعيشها يرمى ببصيص امل في أن تتخذ جوبا الخطوة الصحيحة بإبعاد تلك الحركات المتمردة .