وفي هذا الموسم الزراعي ولأول مرة منذ عام 2003م وفقاً لموظفي الأممالمتحدة عشرات الآلاف من المزارعين الذين كانوا من قبل يبحثون عن الاحتماء بمعسكرات النازحين التي توفر بقايا الأشياء المتسخة، عادوا إلى قراهم لزراعة المحاصيل في رحلة كان يعتبرها العديد من الدارفورين وحتى وقت قريب بأنها رحلة انتحارية. وقال مدير مكتب الاتصال الإنساني التابع للبعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأمموالمتحدة (UNAMID) في دارفور دانيال أوغستبيرقر "إن الناس محتاجين لتجديد تصورهم عن دارفور" لم يعد للجنجويد الذين كانوا في السابق يشاهدون علي ظهور رحالهم يطوفون حول الإقليم لحرق القرى. وفي مطار الفاشر الذي كان يعج بالطيارين والجنود ومنتسبي الأمن الوطني – أصبحت المقاتلات الحربية جاثمة لا حراك لها. ولربما تحلق تلك الطائرات ومن وقت لآخر تقلع في مهام دفاعية، لكن ليس هناك حملات قصف رئيسية لعدد من الشهور إن لم يكن لعدد من السنين وذلك وفقاً لإفادات موظفين بقوات حفظ السلام. وقال قائد قوات حفظ السلام (المقدرة بحوالي 20.000 جندي) الجنرال باتريك نياموبر وهو رواندي الجنسية لقد جمدت العمليات. وأضاف هذه الكلمات المناسبة لوصف الوضع في دارفور. الوضع هادئ جداً حالياً ولكنه مشوب بالحذر. إن إقليم دارفور أصبح رمزاً للصراع ويبدو الوضع هناك يمثل وضعاً ما بين الحرب والسلام لأن بؤر العنف مازالت موجودة وتمثلت مؤخراً في مقتل خمس روانديين من قوات حفظ السلام إضافة لعمليات اختطاف روتينيه مستهدفة عمال وعربات الإغاثة. هناك أعداد مسلحة من الخارجين عن القانون ولربما يكونون من بقايا الأيام الأولي للحرب المنظمة ما زالوا يتواجدون بكثافة في مواقع مختلفة. وخوفاً من العوامل المذكورة فإن وتيرة خروج المواطنين من المعسكرات إلى ديارهم تبدو بطيئة مقارنة بحوالي (2.7) مليون ما زالوا بداخل تلك المعسكرات. ولكن المجموعات المتمردة ظلت في حالة صمت خلال العام الماضي مكبلين بالانقسامات التي لا نهاية لها وبانعدام الأجندة السياسية الواضحة وفي نفس الوقت يبدو أن إدارة أوباما تقوم بتشجيع الحكومة السودانية للانخراط في مباحثات مع مواطنيها بدلاً من سياسية العزلة وأن موظفي الأممالمتحدة قالوا بأنه لا توجد أدلة كافية بأن الحكومة ترعي العنف الاثني كما اتهمت بذلك من قبل، وحتى النشطاء الذين يتحدثون عن دارفور ساعدوا علي أن يتصدر النزاع في دارفور الصفحات الرئيسية في وسائل الإعلام العالمية خلال الخمس سنوات الماضية عملوا علي جذب الانتباه للصراع في دارفور أكثر من أي حرب أفريقية أخري كانت عالقة في الذاكرة، لم يبادروا بأي ردود أفعال تلقائية بأي حال من الأحوال حول التصريحات القائلة مثلاً "الحرب انتهت" هذا ما قال به قائد قوات حفظ السلام السابق في أغسطس وقد كان حديثه مثير للجدل. وذكر البروفيسور ايريك ريفيز بكلية سميث وهو أحد الشخصيات الأكاديمية ذات الصوت العالي في قضية دارفور "أنه ما من شك أن العنف الشديد الذي اندلع في السنتين أو الثلاث الماضيتين جعل الكثيرون وأنا منهم لا يستوعبوا الكيفية التي أنحسر بها ذلك العنف" لكنه أضاف ما زال المدنيين يهاجمون. وقال ببساطة لا يمكن الحديث عن الغضب والاستياء وفقدان الأمل والثقة بشيء من التضخيم. يمكن القول أنه لم تصدق توقعات الأعوام القليلة الماضية بشأن المخاوف القائلة من أن الحكوم ة السودانية ستقوم بهجمات خلال عامي (2006-2007م) ولم يصدق كذلك ما كان متوقع من هجمات قد يقوم بها آلاف الجنجويد ضد معسكرات اللاجئين. وحتى مخاوف موظفي الأممالمتحدة وكثير من عمال الإغاثة الخاصة بتوقع وفيات وانتشار أمراض نتيجة لطرد الحكومة السودانية ل(13) منظمة أجنبية في العام الماضي أمكن تجاوزها بشكل كبير وقال اوغستبيرقر إن الناس كانوا يتباكون بكاء الذئب، غير أن الكارثة المتوقعة لم تحدث أبداً. فيما قال عدد من قوات حفظ السلام إن مهام القوات مضت بشكل جيد أكثر مما كان متوقعاً. إن قوات اليوناميد من أكبر القوات الدولية المشتركة تكلفة، إذ أنها تكلف في العام نحو (1.6) بليون دولار وقد استغرق التفاوض حولها عدد من السنين حتى تم نشرها. وقال الجنرال باتريك نياموبر "نعم لدينا معوقات من وقت لآخر لكنها ليست بالسوء الذي كنت أعتقد به." كل هذا يمكن إضافته إلى سؤال واحد يقرض نفسه في معسكرات اللجوء الممتدة والسؤال موجهه الدوائر الداخلية في الحكومة السودانية وهو ماذا بعد والحياة في معسكرات اللجوء تسير كأنما حياة أصبحت دائمة. معظم الناس يعيشون هنا ازدحام الأكواخ، الانتظار لإمدادات الغذاء والعطالة جميع هذه الأوضاع أصبحت أشياء ثابتة. من جانبه قال عباس عبد الله محمد مزارع هرب من قريته قبل أربع سنوات "أنا غير مرتاح ومحبط"، لكنه مثله مثل الكثيرين غير مستعد للمغامرة بالسفر إلى قريته. وقال لو رجعنا فهناك احتمال أن نواجه هناك الحرب القبلية وهي أضحت واحدة من أكبر المشكلات الموجودة في دارفور وهي الصراع بين المجموعات الاثنية المختلفة حول الأراضي الرعوية الشحيحة. بعض سكان المعسكر يذهبون إلى العمل بالقرب من المدن ويعملون في صناعة الطوب وبعضهم يقوم ببناء منازل قوية وثابتة للآخرين في حين أنهم يسكنون في مساكن مؤقتة مشيدة بجولات البلاستيك وغير ذلك. وقال محمد يونس أحد كبار موظفي الأممالمتحدة في دارفور "لربما يعيش هؤلاء هنا إلى الأبد". في سوق الفاشر نجد أن حراس الدكاكين يرتدون الطوقي البيضاء جالسين واضعين رجل علي رجل خلف أهرامات لتماثيل الحيوانات وأشجار النخيل. فيما تتصاعد أصوات الرجال من الشباب ينادون بأسعار اللحوم، وتكتظ الشوارع بحركة العربات التي تجرها الخيول مليئة بصناديق الصابون ولا أثر لحركة العربات المسلحة في شوارع المدينة ويبدو أن التركيز في السودان قد تحول إلى الجنوب. لقد حارب المتمردون في جنوب السودان حرب من أجل الانفصال لعقود من الزمن ومن المقرر أن يصوت سكان الإقليم لتقرير المصير العام القادم. ولكن في وقت يتجه فيه الجنوب نحو إقامة وطن يتصاعد العنف الاثني وأكثر من (2000) مواطن قتل عام 2009م فيما قالت الأممالمتحدة أن عدد ضحايا العنف القبلي في الجنوب أكثر من ضحايا الحرب في دارفور. جذور التمرد في الجنوب ودارفور واحدة وهي مشكلة التهميش. تاريخياً تتركز السلطة والثروة في السودان في منطقة الوسط علي حساب الأطراف وإلى أن يتم مخاطبة هذه القضية بقول المحللون ستظل دارفور في حالة توتر حتى في حالة وقف القتل الجماعي وحرق القرى. لكن يبدو أن هناك بريق أمل يمنح قادة المعسكرات ورجال الدين والقيادات النسوية للقيام بدور مهم لأول مرة في مفاوضات السلام. فهل سيحدث ذلك اختراق كبير؟ تساءل المستر أوغستبيرقر وأجاب في آن واحد بأنه لا يدري، لكن علي أية حال لقد بدأت التحركات تحقق اهتماماً وعملاً ديناميكياً جديداً.