هذا هو أسبوع تدبير الأضحية، أسبوع الهاجس الموسمي للمواطنين الذين يحرصون على أداء هذه الشعيرة والسنة المؤكدة بدوافع دينية في المقام الأول، لكنها لا تخلو من الدوافع الاجتماعية أيضاً، لأن المجتمع السوداني مجتمع تشجع ثقافته على أداء هذه الشعيرة، وهو بالطبع ليس كغيره من المجتمعات الإسلامية الأخرى التي قد لا تجد شعيرة الأضحية فيها ذات الحرص على أدائها كما هو في السودان، وذلك لأسباب موضوعية ترتبط بطبيعة السودان كدولة منتجة للأنعام بما يجعل افتراضاً أن من السهل على الكثير جداً من المواطنين التمكن من أداء هذه الشعيرة بحسب إمكانياتهم المحدودة. ونقول (افتراضاً) لأن الواقع بدأ يتغير بشكل واضح.. وأصبحت هناك مفارقات كبيرة في أسعار الأضاحي بالمقارنة مع دول أخرى تستورد كل حصتها من الأضاحي كاملة من الخارج وبالعملة الصعبة، لكنها برغم ذلك توفرها لمواطنيها بأسعار إن لم نقل إنها أقل من أسعار الخراف في بلادنا فهي لا تزيد عنها بشيء. في كل عام حين يأتي هذا الهاجس الموسمي نحزن كثيراً على غياب التخطيط الاستراتيجي لتنشيط قيمة الإنتاج الوطني وغرس بذرتها في نفوس المواطنين. هذه البذرة التي ترفع من إحساس الناس بالإنتاج حين يشعر أهل هذا البلد بميزات تفضيلية لهم كمنتجين وهم يبحثون عن السلعة المنتجة في بلادهم بغرض الاستهلاك. بمعنى أننا كمواطنين لم نكن قد بذلنا أية دموع حزن أو أسف على خروج النفط وذهابه إلى دولة الجنوب بعد الانفصال، لأننا ببساطة لم نكن قد شعرنا يوماً بأية ميزات تفضيلية لنا كمواطنين على مستوى أسعار ما نستهلكه من الوقود في الدولة حين كانت منتجة للنفط. ولا يكاد مواطن هذا البلد قد شعر في مرحلة من مراحل التأريخ بميزة تفضيلية له كمواطن دولة منتجة للقطن على مستوى أسعار المستهلكات القطنية التي يشتريها. وكذا كل شيء ننتجه من اللحوم والجلود حتى المانجو السودانية التي يصل سعر قطعة واحدة منها في الخرطوم عشرين جنيهاً اليوم. هذه المفارقات هي التي تجعل المواطن السوداني يقول (لماذا ننتج إذن..؟) هل ننتج للآخرين ونكتفي نحن بالنظر والتأمل في منتجاتنا التي نشتهيها. ولماذا يشعر الكثير من المواطنين السودانيين أنهم يشتهون اللحوم والفواكه السودانية التي لا يملكون ثمنها. هذه في تقديري أحد أهم أسباب هجرنا للإنتاج وعدم إحساسنا بقيمته. دولة مثل المملكة العربية السعودية تشعر حين ترتاد محطات الوقود فيها ومن واقع أسعار الوقود فيها، بأنها فعلاً هي دولة منتجة للنفط، بل هي الأعلى إنتاجاً بين جاراتها الخليجيات. هذه القيمة مهمة جداً حتى ولو كانت تلك الميزة التفضيلية ميزة رمزية، لكن للأسف نفتقد اليوم تلك الميزة بشكل أوضح من كل المراحل السابقة. نشتهي أن نشعر بأننا منتجون لما نستهلكه. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين.