بقلم/ جون بارك - ووركز وورلد على الرغم من الدور التاريخي والحالي الذي لعبته القوى الإمبريالية في السودان فإن وسائل الإعلام في الولاياتالمتحدة وأوروبا تحملان الحكومة في الخرطوم مسئولية العنف في دارفور، وهذا الزعم يتجاهل أهم عامل في تاريخ الصراع إن الاستعمار والإمبريالية هم من تسببوا في الأزمة الاقتصادية التي تواجه السودان اليوم. الصراع في السودان هو في الحقيقة صراع على الضروريات الأساسية، الحرمان في الإقليم ليست بواسطة الشعب السوداني بل بواسطة سنوات من التنافس البريطاني والفرنسي والأمريكي الرامي إلى استغلال المنطقة. وبدل السعي إلى حل هذه الأزمة نجد أن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون أطلق في سنة 1998م عدد (19) صاروخاً كروز على السودان، أحد أفقر البلدان في العالم، ودمر مصنع الأدوية الوحيد الذي كان يوفر أكثر من 50% من الأدوية هناك. منذ أن عارض السودان الحرب التي قادتها الولاياتالمتحدة ضد العراق عام 1991م سياسة الولاياتالمتحدة من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري استهدفت زعزعة الحكومة السودانية وفي الحقيقة واشنطون ساعدت في تمويل الحرب الأهلية الانفصالية ضد حكومة الخرطوم وفرضت عقوبات اقتصادية على البلاد. وجاء الهجوم الصاروخي بعد أن اتخذ السودان خطوات للوصول إلى 300 مليون برميل من مخزون النفط الخام في جنوب البلاد، هناك علاقة واضحة بين السياسة النفطية الأمريكية وعداء حكومة الولاياتالمتحدة للسودان وبالمثل هنالك أدلة واضحة أن الولاياتالمتحدة تقوم بتسليح وتمويل مباشر لقوات المتمردين في دارفور التي بدأت العنف مرة أخرى في 2003م. دارفور معلوم عنها أنها تحوى احتياطيات نفطية ضخمة جداً لم تستغل بعد، وتمثل الكم الهائل من إمكانات الثروة، ومن المعتقد أن دارفور تملك احتياطيات نفطية تنافس السعودية ولديها مخزون ضخم من الغاز الطبيعي، وبالإضافة إلى ذلك فدارفور تملك واحداً من أكبر ثلاثة مواقع يورانيوم عالية النقاء في العالم إلى جانب أنها رابع أكبر موقع نحاس، وخلافاً للسعودية فإن الحكومة السودانية قد احتفظت باستقلاليتها عن واشنطون عدم القدرة على السيطرة على السياسة النفطية للسودان قاد الولاياتالمتحدة لبذل كل جهد لوقف تطوير هذه الموارد القيمة، وعلى الرغم من ضغوط الولاياتالمتحدة على السودان فإن الصين ساعدت السودان عن طريق توفير تكنولوجيا الاكتشاف والحفر والضخ وبناء خطوط الأنابيب، الصين تشتري نحو ثلثي النفط السوداني وكما فعلت في الصومال وأفغانستان وهايتي والعراق ويوغسلافيا السابقة واشنطون تستخدم هيمنتها على الأممالمتحدة للمساعدة في تبرير الدخول بالقوة عبر الحدود السودانية مع الوعد الكاذب بتحقيق الاستقرار وإنهاء سفك الدماء. هذا هو ما وراء فرض الولاياتالمتحدة في الشهر الماضي عقوبات ضد السودان فقط بعد أربعة أيام من موافقة حكومة السودان في يوم 25 مايو على نشر قوات مشتركة بين الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي (قوات حفظ السلام الهجينة) المخصصة لدارفور لإنهاء العنف في تلك المنطقة في مقابلة مع أخبار الخليج قال وزير الخارجية السوداني الدكتور لام أكول أجاوين عن الرسالة التي أخذناها من إجراء الولاياتالمتحدة هو أنه مهما تعاونت الحكومة السودانية فإن الولاياتالمتحدة عازمة على المضي قدماً في تنفيذ خططها العقوبات كانت غريبة ولكنها لم تفاجئنا نحن في الخرطوم. هذه ليست المرة الأولى التي يرغب فيها السودان في التفاوض من أجل تهدئة العدوان الأمريكي ويفشل في يوليو من عام 2004م الحكومة السودانية سمحت للولايات المتحدة أن ترسل فرق صغيرة من الجنود الأمريكيين للتجوال في البلاد كجزء من الزيارات الرسمية بل وسمحت للقوات الخاصة الأمريكية على القيام بدوريات لمدة أسبوع في جبال كرش بحثاً عن نشطاء القاعدة المزعومين. وخلال هذه الفترة كان السودان قد أجرى مفاوضات مكثفة مع الأطراف المحاربة في دارفور، وعلى الرغم من هذه المحاولات من التعاون والتحرك نحو التفاوض على السلام سارعت الولاياتالمتحدة من خلال تبني قرار في 30 يوليو 2004م فرض جدول زمني لتدابير مثل العقوبات ضد السودان سفير السودان لدى الأممالمتحدة الفاتح عروة وسفير السودان لدى الاتحاد الإفريقي عثمان السيد كليهما قالا إن الخرطوم ستمثل (لنا راضين عن القرار لكننا عازمون على تنفيذه) وقال عثمان السيد ليس لدينا خيار آخر الوضع في السودان يبعث على اليأس وتقديرات الأممالمتحدة تقول إن 200 ألف من السودانيين لا قوى تحفظهم إما من الجفاف أو الحرب. إن الحرب قد بدأت في عام 2003م من جانب حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة بسبب ما اعتبروه عدم العدالة في توزيع الموارد في منطقة فيها الناس يعانون من ندرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة والأغذية هذه المشكلة موجودة في جميع أنحاء منطقة جنوب الصحراء إلا أنه يمكن إصلاحها عن طريق الري وتنمية الموارد الغنية في السودان وهي مهمة يمكن تحقيقها بسهولة باستخدام جزء من الأموال التي تبددها الولاياتالمتحدة في العراق. كيف تقوض الولاياتالمتحدة المفاوضات: الولاياتالمتحدة بدلاً من أن تساعد في هذا السبيل إلا أنها تخلق عقبات في كل مرة تبذل فيها الحكومة السودانية جهوداً للتفاوض مع الفصائل المختلفة لقوات المتمردين الذين يعتدون عليها. وأصبح ذلك واضحاً من رواية شاهد العيان على هذه المفاوضات اليكس دي وال الذي كان مستشاراً لمنظمة الوحدة الإفريقية وشارك في المحادثات بين المتمردين والولاياتالمتحدة والحكومة السودانية هذا ما ذكره دي وال لموقع أفريكا فوكس على الإنترنت ورغم أن دي وال ليس منحازاً للحكومة السودانية إلا أن روايته توضح الدور الأمريكي وأوضح دي وال: الصراعات المهملة الأولى انفجرت في فبراير 2003م عندما شنت حركة تحرير السودان التي تشكلت حديثاً حرب عصابات على المواقع العسكرية الحكومية وردت الحكومة بخبرتها الجيدة في مكافحة التمرد فأطلقت يد مليشيات الجنجويد في وقت متأخر من بعد ظهر يوم 5 مايو 2006م بعد جلسة مفاوضات أخيرة دامت عشرون ساعة وقعت الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان الفصيل الذي يتزعمه مني أركو مناوي اتفاق سلام دارفور. لكن دي وال يوضح أنه ليس كل ممثلي حركة تحرير السودان قد وقعوا، مؤسس حركة تحرير السودان عبد الواحد رفض التوقيع، مسئول بريطاني ظل يعمل ليلاً على نص الاتفاق لمواجهة اعتراضات عبد الواحد إلا انه رفض التوقيع وبدلاً من ذلك طالب بالمزيد من التنازلات ويتساءل دي وال هل هذه التنازلات كافية؟ ليس واضحاً وفي الساعات الأولى من يوم 5 مايو 2006م أخبر عبد الواحد كل من مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية زوليك والرئيس النيجيري أوباسانجو قائلاً إنه يحتاج إلى ضمان تنفيذ مثل البوستة فالرسالة الشخصية التي تلقاها لتوه من الرئيس بوش لم تكن كافية، وما كان يريده هو التدخل العسكري الدولي لتخليص دارفور من حكومة الخرطوم ويبدو أن عبد الواحد قد وجد انطباعاً معيناً من حكومة الولاياتالمتحدة بمن فيهم الرئيس بوش أنه يستحق أكثر من ذلك بكثير. لأن عبد الواحد لم يوقع، فإن قادة حركة تحرير السودان الآخرين رفضوا التوقيع أيضاً وبدلاً من ذلك تجمعوا في أسمرا عاصمة إريتريا لتشكيل جبهة الخلاص الوطني ومواصلة الحرب ضد الجيش السوداني، ويواصل دي وال بعد انتهاء مفاوضات أبوجا فإن حزب المؤتمر (حزب الرئيس عمر البشير) بدأ نقاش داخلي حول العلاقات السودانية الأمريكية السؤال المحوري هو لقد أبرمنا اتفاق السلام مع الجنوب وأعطيناهم كل ما طلبوا وتعاونا في الحرب ضد الإرهاب لماذا الأمريكيون مصرون على معاقبتنا. مخاوف منظري المؤامرة في الخرطوم يبدو ان هنالك ما يبررها وذلك عندما وصل زوليك إلى أبوجا وقام بتنقيح نص جدول أعمال الترتيبات الأمنية لسلام دارفور وزيادة عدد المقاتلين المتمردين الذين سيتم دمجهم في الجيش وقوات الأمن إلى 8 آلاف (80% منهم من قوات مناوي) كما واصل زوليك الاحتجاج ويلي ذراع حتى ساعات متأخرة من ليل يوم 2 مايو مما جعل الجنرالات السودانيين في حالة صعود وهبوط في فندق كار بارك وفي حالة اتصال برؤسائهم في الخرطوم عبر الهواتف الفضائية وبدءوا يتساءلون ماهي أجندة أمريكا الحقيقة. التدخل الأمريكي قد كان وحشياً ودموياً، تاريخ تورط الولاياتالمتحدة في إفريقيا هو واحد من أنواع الرعي والوحشية الاستعمارية والنهب الاستعماري باستخدام أحدث أسلحة الدمار الشامل ضد أفقر البلدان مثل قصف الصومال وتنزانيا والسودان وهي تشمل عمليات القتل والاغتيال للقادة المستقلين الذين عارضوا الإمبريالية والذين إذا اتيحت لهم الفرصة يمكن أن يساعدوا في حل المشكلات التي تواجه إفريقيا اليوم. تورط الولاياتالمتحدة في إفريقيا يتوجب تقديم تعويضات لتلك القارة أي شكل من أشكال التورط، و خاصة التدخل العسكري في أي شكل من الأشكال يعني دائماً تصاعد الموت والفوضى. مليون ونصف في العراق نصفهم من الأطفال ماتوا بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولاياتالمتحدة وبسبب الغزو العسكري عار على أولئك الذين حتى يومنا هذا ما زالوا لا يفهمون هذه الحقيقة ويقومون بتسهيل إبادة جماعية جديدة وحقيقية ضد شعب إفريقيا صرخات الألم والتعذيب لازالت تسمع من ضحايا الإمبريالية الأمريكية في العراق وهايتي وأفغانستان والصومال ويوغسلافيا والكونغو وفلسطين ولبنان وبلدان أخرى كثيرة.