بعد أربع سنوات من ظهور العلامات الأولى على وجود مقاومة شديدة في العراق يجد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش نفسه محاصرا بأزمات كبرى تمتد من فلسطين إلى باكستان. ففي ظل قيام حماس بإجبار قوات فتح المدعومة أمريكيا على الخروج من غزة الأسبوع الماضي، يبدو أن رؤية بوش المعلنة منذ خمس سنوات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس قيام دولتين، قد أصبحت أبعد من ذي قبل، في الوقت الذي يشير فيه تقرير للبنتاجون في العراق إلى أن إستراتيجية زيادة القوات التي أعلنها منذ أربعة أشهر تفشل حاليا في هدفها الأساسي الذي يتعلق بخفض العنف في العراق. وفي نفس الوقت يواجه الرئيس الباكستاني برفيز مشرف، الذي قدمت واشنطن له عمليا دعما غير مشروط منذ هجمات القاعدة في 11 سبتمبر، يواجه ثورة شعبية متنامية، في الوقت الذي أصبحت فيه الكثير من المناطق الحدودية القبلية للبلاد تحت سيطرة القوات المتحالفة مع طالبان في أفغانستان. أما إيران، التي اتهمها مسئولون أمريكيون رفيعو المستوى الأسبوع الماضي بتسليح طالبان والميليشيات الشيعية في العراق، فتواصل تحديها لمطالب واشنطن بتعليق برنامجها النووي لتخصيب اليورانيوم، في الوقت الذي يبدو فيه أن حلفاء طهران الإقليميين، وهم سوريا وحزب الله اللبناني، فضلا عن حماس، يبدو أنهم قاوموا بشكل ناجح المحاولات التي قادتها الولاياتالمتحدة لعزلهم. ومن المرجح أن توجه الأحداث التي جرت في غزة ضربة قوية للآمال الأمريكية في صياغة ائتلاف مناهض لإيران من جانبه قال السفير المتقاعد، دانيل كورتزر، مبعوث واشنطن الرئيسي إلى إسرائيل خلال فترة رئاسة بوش الأولى، والذي يعمل حاليا أستاذا بجامعة برنستون: "ثمة اعتقاد راسخ لدى أصدقائنا العرب أننا لا نعلم ما نفعله". وفي عدد الشهر الماضي من مجلة "فورين أفيرز" Foreign Affairs كتب بروس ريدل، وهو محلل سابق رفيع المستوى في وكالة المخابرات المركزية: "القاعدة اليوم تمثل عملية عالمية، لها آلة دعاية إعلامية تعمل بسهولة، أساسها في باكستان، ولها قاعدة ثانوية مستقلة في العراق، وتمتد لتصل إلى أوروبا". وفي مقاله، الذي حمل عنوان "القاعدة ترد بالضرب"، تنبأ ريدل، الذي شغل منصب مدير شئون الشرق الأدنى في البيت الأبيض من 1997 إلى 2002، تنبأ أن تنظيم القاعدة سوف يبدأ عمليات جديدة في شمال لبنان وغزة، وسوف تحاول في النهاية إثارة "حرب شاملة" بين الولاياتالمتحدةوإيران كجزء من "إستراتيجية كبرى" تهدف إلى استنزاف واشنطن بنفس الطريقة التي استنزف بها المقاتلون المدعومون من أمريكا وحلفائها العرب، السوفييت في أفغانستان خلال الثمانينات من القرن العشرين. ومثلما فعل جيسون في الأساطير اليونانية فقد بذر بوش أسنان التنين في جميع أنحاء المنطقة من خلال سياسة عسكرية في المقام الأول، وخاصة في قراره الانفرادي بغزو العراق واحتلاله، ومن خلال تشجيعه للحكومات اليمينية في إسرائيل على إطلاق العنان لرغبتهم في استخدام القوة في حل المشكلات مع جيرانهم. ولكن على خلاف جيسون، يبدو من المشكوك فيه بشكل كبير أن يستطيع بوش تخفيف حدة القوى المتشددة التي نبتت من هذه البذور، ويبدو أنها تصبح أقوى يوما بعد يوم. كما يبدوا أيضا أن إسرائيل أكثر ضعفا بشكل كبير، بعد حربها الكارثية العام الماضي في لبنان، التي طال أمدها بتوجيهات من صقور واشنطن، وهي تواجه الآن غزة الخاضعة لسيطرة حماس عند حدودها الجنوبية. ويرى الخبراء في شئون المنطقة، ومن بينهم ريدل وكورتزر، أن استئناف عملية سلام إسرائيلية فلسطينية تحظى بالمصداقية، وتوفر للفلسطينيين أملا ملموسا في الحصول على دولتهم في المستقبل غير البعيد –أو ما تسميه كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية "أفقا سياسيا"– يرى الخبراء أن هذا ربما يكون الخطوة الأكثر أهمية التي تستطيع واشنطن القيام بها نحو منع المنطقة من الاتجاه نحو التشدد. ولهذا فإن السؤال الكبير الآن هو كيف سيكون رد فعل الولاياتالمتحدة وإسرائيل على الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية. ويصيح المحافظون الجدد وغيرهم من الصقور بالفعل مطالبين بسياسة صارمة تتفق مع السياسة المتبعة خلال السنوات الخمس الماضية، مع الإصرار، ليس فقط على أن تقود الولاياتالمتحدة مقاطعة دبلوماسية وقطعا للمساعدات عن غزة [بعد هيمنة حماس عليها]، ولكن أيضا أن تتجنب هذه السياسة أية خطط لاستئناف عملية السلام حتى مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. حيث قال باري لين، وهو مدير مؤسسة تفكير تميل لليكود في القدس، في عدد الجمعة من صحيفة وول ستريت جورنال: "مادامت السياسة الفلسطينية قد عادت بشكل واضح إلى وضع ما قبل 1993، فيجب أن تقوم السياسة الغربيةوالأمريكية بنفس الشيء. وهذا يعني عدم تقديم مساعدات غربية أو دعم دبلوماسي حتى يغير قادتهم من هذه السياسات". لكن آخرين يؤكدون أن هذا الأسلوب سوف يكون في صالح المتشددين في المنطقة، بمن فيهم القاعدة. حيث قال دانيل ليفي، وهو مفاوض إسرائيلي سابق في عملية السلام، ومدير مبادرة الشرق الأوسط في مؤسسة أمريكا الجديدة في واشنطن، والذي انتقد جهود الإدارة لإضعاف حماس وإسقاطها: "الولاياتالمتحدة في حاجة ملحة إلى إعادة التفكير في سياستها الفاشلة في الشرق الأوسط". يبقى القول أن كثيرين من العقلاء في امريكا بدات تتعالى أصواتهم الداعية لوضع حد للسياسات المتخبطة التي يتبعها المتشددون المنضوون تحت ادارة الرئيس بوش .