3/8/2007 العرب اليوم كواحدة من إحدى بديهيات الحياة ومجرياتها, فإن الأحداث الساخنة تأخذنا تفاصيلها أحيانا بعيدا عن مغزاها الحقيقي وعن جوهر المسألة, من دون أن يستوقف احدنا نفسه لغايات التأمل في التفاصيل وتراكماتها في محاولة لفهم مجرى الأحداث وكيف وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. ما يدعونا إلى التذكير بهذه البديهية هو ما يجري اليوم في السودان, وتحديدا في المشكلة المتعلقة بأزمة دارفور التي غدت بين ليلة وضحاها أولوية قصوى وغاية سامية تتنافس الدول الأوروبية وأمريكا على الإسهام بالحل وتقدير العون على طريقتها وذلك من خلال إجراء عملية بتر وفصل الفرع عن الأصل. ثم جاء دور مجلس الأمن الذي اصدر سلسلة طويلة من القرارات بتسارع غير مشهود, فكان أن اصدر في أسبوع واحد ثلاثة قرارات متتالية حول ذات المشكلة, وكلها تسعى إلى تفتيت الكيان السوداني من خلال بتر أجزاء منه. وجاء آخر هذه القرارات القرار رقم 1769 الصادر أمس الأول يتضمن تشكيل قوة جديدة قوامها 26 ألف جندي وشرطي ونشرها في دارفور كأكبر قوة حفظ سلام في العالم. اتفاق ابوجا للسلام انطلقت مفاوضات السلام المتعلقة في دارفور في العاصمة النيجيرية "ابوجا", ولم تحقق هذه المفاوضات تقدما يذكر خلال الجولات الست التي عقدت في الفترة من شهر آب 2004 إلى انتهاء الجولة السادسة في تشرين أول 2005 سوى إعلان للمبادئ تم توقيعه في نهاية الجولة الخامسة في شهر تموز 2005 والمتضمن بروتوكولين: إنساني وامني. ولم تنجز الجولة السادسة شيئا يذكر سوى إحراز تقدم محدود في محور تقاسم السلطة, حيث وقعت الأطراف في نهاية الجولة على البيان الختامي الذي تضمن الاتفاق على المعايير الأساسية والخطوط الإرشادية لتقاسم السلطة, وكذلك البنود الخاصة بحقوق الإنسان والحريات العامة, كما تم اعتماد جدول أعمال تقاسم الثروة المقترح التفاوض حوله في الجولة السابعة. التأمت الجولة السابعة من المفاوضات في "ابوجا" بتاريخ 29 تشرين الثاني - ,2005 وتبين منذ بداية التفاوض وجود هوة كبيرة بين الوفد الرسمي والحركات الانفصالية التى تقدمت بسلسلة مقترحات رفضها الوفد السوداني الرسمي, إلى أن تقدم الوسطاء في الاتحاد الأفريقي بورقة توفيقية لتجاوز الخلاف خاصة المتعلق بتقاسم السلطة. وتلا هذه الورقة مشروع توفيقي ثان للخلافات حول جدول أعمال الترتيبات الأمنية بين الحكومة والمنشقين. ونتيجة كثرة المقترحات والخلاف على التفاصيل تعرضت المفاوضات للتوقف عدة مرات. وبسبب هذه العوامل, إضافة إلى طبيعة الحركات المنشقة المستندة إلى أسس قبلية والتي تفرز انقسامات متزايدة وخلافات في وجهات النظر مرت المفاوضات بحالة من البطء والتعثر الذي امتد إلى عدة أشهر تالية تعرضت خلالها حركات الانشقاق لمزيد من الضغوط الدولية والإقليمية بهدف تصعيد أعمال العنف, والتشبث بمطالبها لتحقيق اكبر قدر من المكاسب, ومن ثم فهي مطالبة بعدم إبداء أي مرونة في التفاوض, خاصة وان الأزمة قد جرى تدويلها بالكامل وأصبحت تحت بصر وسمع العالم, وصدرت بشأنها قرارات عدة من مجلس الأمن, وأصبحت هناك أجندات ومصالح إقليمية ودولية تستخدم هذه الأزمة لخدمة مصالحها. وفي النهاية تم عقد اجتماع في 4 ايار 2006 في قصر الرئاسة بابوجا ضم وسطاء أفارقة وممثلين عن الطرف السوداني الرسمي وبعض الفصائل المنشقة, وبعد أيام أعلن عن اتفاق "ابوجا للسلام في دارفور" الذي جاء في 124 صفحة وتناول أربعة موضوعات هي: تقاسم السلطة والثروة والترتيبات الأمنية والحوار الدارفوري - الدارفوري. ويمكن القول إن التوقيع على الاتفاق مثل خطوة مهمة للغاية نحو إيجاد حل سياسي سلمي للنزاع في دارفور, وشمل الاتفاق الملاحق التي تم التوصل إليها في الجولات السابقة من المفاوضات. دارفور في مؤتمرات القمة العربية من خلال عملية رصد قرارات مؤتمرات القمة وما ينتج عنها من لجان متابعة, يمكننا القول إن الدبلوماسية العربية لم تنجح في بلورة تحرك عربي يمتلك آليات تستطيع التعامل مع قضية بحجم مشكلة إقليم دارفور. وذلك ناجم بالأساس عن غياب رؤية إستراتيجية إزاء حجم التهديدات المترتبة على وجود صراع مسلح في دارفور والتأثيرات السلبية لاتساعه, ولتصبح الأطراف الدولية هي اللاعب الأساسي والمتحكم بمسارات الأزمة. قمة الخرطوم التي عقدت العام الماضي أعطت لهذه الأزمة بطبيعة الحال دفعا قويا لهذه الأزمة على الصعيد العربي. إلا أن ضعف المتابعة من قبل اللجان المختصة اظهر غياب الفاعلية العربية في التعامل مع الأزمة ليقتصر بذلك موقف الجامعة العربية على إصدار القرارات والتوصيات التالية: قمة الجزائر 2005: اكتفى البيان الصادر عن القمة بإعراب القادة المجتمعين عن بالغ قلقهم إزاء تطورات الأوضاع في الإقليم. قمة الخرطوم 2006: تناولت القمة باهتمام بالغ الأوضاع في دارفور والأزمة الإنسانية التي يواجهها النازحون من أبناء الإقليم, وأوصت القمة بالنقاط الرئيسية التالية: - التأكيد على مواصلة الاتحاد الأفريقي جهوده وانجاز مهمته في معالجة الأزمة, ومطالبة الدول العربية تقديم الدعم المالي لبعثة الاتحاد لتمكينه من الاستمرار في مهامه. - تخصيص مبلغ 150 مليون دولار أمريكي كمساهمة عربية في تمويل قوات الاتحاد الأفريقي العاملة في دارفور. - العمل على التحرك السياسي والدبلوماسي السريع على كل الأطراف لمسألة دارفور وإعطاء الأولوية للحل السلمي الشامل. - تقديم الدعم العاجل إلى السودان لتعضيد جهوده الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية واستعادة الأمن والاستقرار في دارفور. * قمة الرياض 2007: بناء على دعوة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عقد اجتماع حول قضية دارفور على هامش أعمال قمة الرياض ضم كلا من الرئيس السوداني حسن البشير, والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون, والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير خارجية السعودية ووزير خارجية السودان. وخلص الاجتماع إلى الاتفاق على عدد من الإجراءات العملية لتذليل العقبات المتعلقة بتنفيذ اتفاقية السلام في ابوجا والتفاهمات التي تم التوصل إليها والعمل على تسريع جهود المصالحة الوطنية والانتهاء من تحديد حجم القوات الأفريقية وتسليحها وتقدير الدعم اللوجستي والفني والتمويلي لها. الجغرافيا... والسياسة تقدر مساحة دارفور بخمس مساحة السودان, وتحد الإقليم ثلاث دول: من الشمال ليبيا ومن الغرب تشاد ومن الجنوب الغربي أفريقيا الوسطى, فضلا عن متاخمته لبعض الأقاليم السودانية مثل بحر الغزال وكردفان من الشرق. والغالب على إقليم دارفور كثرة المرتفعات الجبلية وأهمها جبل مرة حيث يوجد أكثر الأراضي الدار فورية خصوبة. كما ينقسم الإقليم إداريا إلى ثلاث مناطق: شمال دارفور وعاصمته مدينة الفاشر, وجنوب دارفور وعاصمته مدينة نيالا, وغرب دارفور وعاصمته مدينة الجنينة. وتكثر في منطقة دارفور غابات الهشاب الذي يثمر الصمغ العربي فضلا عن حقول القطن والتبغ في الجنوب الغربي من الإقليم. وتتم في بعض مناطقه زراعة القمح والذرة والدخن وغيرها. ويمتاز دارفور بثروة حيوانية كبيرة قوامها الإبل والغنم والبقر. وقد تضررت هذه الثروة عندما ضرب الجفاف الإقليم في بداية السبعينيات. وفضلا عن الحيوان والزراعة فإن بالإقليم معادن وبترولا. دارفور والنزاع.. كثيرا ما عرف إقليم دارفور صراعات بين الرعاة والمزارعين تغذيها الانتماءات القبلية لكل طرف, فالتركيبة القبلية والنزاع على الموارد الطبيعية الشحيحة كانا وراء اغلب النزاعات, وغالبا ما يتم احتواؤها وتسويتها من خلال النظم والأعراف القبلية السائدة. ففي عام 1989 شب نزاع عنيف بين الفور والعرب, وتمت المصالحة في مؤتمر عقد في الفاشر عاصمة الإقليم. ونشب نزاع ثان بين العرب والمساليت غرب دارفور عامي 1998 و2001 وتم احتواؤه باتفاقية سلام بين الطرفين وان كان بعض المساليت آثر البقاء في تشاد. ويمثل إقليم دارفور نظرا لحدوده المفتوحة ولمساحته الشاسعة ولوجود قبائل عديدة لها امتدادات داخل دول افريقية أخرى, منطقة صراع مستمر. وقد تأثرت المنطقة بالصراع التشادي - التشادي والصراع التشادي - الليبي حول شريط اوزو الحدودي, وبالصراعات الداخلية لأفريقيا الوسطى فراجت في إقليم دارفور تجارة السلاح, كما تفاعلت قبائل الإقليم مع تلك الأزمات. ويعتبر دارفور قاعدة تشاد الخلفية فجميع الانقلابات التي حدثت في هذا البلد الأفريقي تم تدبيرها - حسب المصادر التي رجعنا إليها - من دارفور, ما عدا أول انقلاب أطاح بفرانسوا تمبلباي الذي كان أول رئيس لتشاد بعد استقلالها عن فرنسا. فالإطاحة بالرئيس فيليكس مالوم أو جوكوني عويدي ونزاع حسن حبري مع الرئيس الحالي إدريس ديبي ارتبط بإقليم دارفور الذي كان القاعدة الخلفية للصراعات التشادية الداخلية. ويشكل الإقليم نقطة تماس مع ما يعرف بالحزام الفرنكفوني (تشاد, النيجر, أفريقيا الوسطى, الكاميرون) وهي الدول التي كانت تحكمها فرنسا أثناء عهد الاستعمار, لذلك يسهل - حسب المراقبين - فهم الاهتمام الفرنسي بما يجري في الإقليم في الوقت الراهن.