محمد الحسن أحمد كتب نيكولاس كريستوف في “نيويورك تايمز" مقالا الأسبوع الماضي بعنوان “دارفور: خطة طريق جديدة" تضمن عشر نقاط، استهله بإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي كان قد فكر بالفعل في استخدام القوة الأمريكية في دارفور، لكنه تراجع أمام نصيحة من كوندوليزا رايس التي قالت له إن أمريكا لا تستطيع بدء حرب أخرى في دولة مسلمة، واستحسن الكاتب نصيحة كوندي لأن النظام السوداني سيستغل غزو أمريكا للدعوة إلى مواجهة الكفار وجعل حل الأزمة أكثر صعوبة. وبما أن كل النقاط التي أوردها الكاتب في مقترحه لخطة طريق جديدة تستحق المناقشة، إلا أننا نتوقف هنا عند اثنتين أو ثلاث منها. فهو يقول في البند الثالث من الخطة: نحن في حاجة إلى العمل مع دول أخرى للإصرار على توقف السودان عن تشجيع عشرات الآلاف من العرب في الدول المجاورة لتقيم في المناطق التي شهدت القضاء على السكان المحليين، إذ إن توطين هذه القبائل العربية سيؤدي إلى التغطية على نتائج عمليات الإبادة على التركيبة السودانية، كما أنه سيثير حفيظة الناجين ويجعل إنجاز السلام أمراً صعباً". وفي ذات الوقت تقول الأممالمتحدة إن السودان يشهد موجات من اللجوء تقدر بربع مليون إنسان لقبائل عربية عبر تشاد ومن دول مجاورة لها، وتتمنى على السودان أن يحسن استقبالها لأنه لا أمل لها في العودة إلا من حيث أتت في ظل ظروف الحرب القائمة في المنطقة، وبالطبع لا توجد أدنى فرصة للمقارنة بين ما تطالب به الأممالمتحدة، وما يطالب به كاتب “نيويورك تايمز" فالكاتب كل همه منع هؤلاء العرب من التسكين في مناطق هجرها أهلها، ويزعم ان الحكومة ترغب وتعمل على تسكين هؤلاء العرب اللاجئين مكانهم، وهو لا يرى أي واجب على الولاياتالمتحدة لا من الناحية الإنسانية ولا الأخلاقية للأخذ بأيديهم، بل كل ما يراه هو أن هذه القبائل العربية يجب منعها وإن كان في إيوائها تغطية على ما يصفه بعمليات الإبادة وإثارة لحفيظة الناجين. نحن مع الكاتب في انه لا ينبغي توطينهم في مناطق هجرها أصحابها ولا أحد، لا في الحكومة أو غيرها، يدعو إلى توطينهم على نحو ما ادعى الكاتب، ولم نسمع من أي فصيل من الفصائل التي تحارب الحكومة ادعى بأن الحكومة تسعى إلى شيء مما زعمه كاتب “نيويورك تايمز"، وبالتالي فإن ما سطره لا يعدو ان يكون محاولة لإثارة الفتنة وهو في الوقت نفسه يكشف مدى الحقد الدفين على العرب حيثما كانوا حتى لو كانوا مجرد لاجئين فارين من حرب طاحنة. وفي البند الثامن من خارطة الطريق الجديدة التي يرسمها الكاتب يقول: يجب أن تشرع أمريكا في عملية تخطيط عاجلة في حال بدء السلطات السودانية عمليات إبادة ضد النازحين في المعسكرات، أو في حال استئناف هذه السلطات حرباً ضد الجنوب، وفي حال مهاجمة معسكرات النازحين يمكن أن نؤمن هذه المعسكرات ونقيم ممراً لنقل الناجين إلى تشاد، أما في حال الاحتمال الثاني فيجب أن نسلح جنوب السودان، مع احتمال فرض حصار على بورتسودان". بالطبع كل ما قاله الكاتب بناه على مجموعة تخيلات خاطئة وبعيدة كل البعد عن الواقع، وكمثال على ذلك فإنه يفترض ان تستأنف الحكومة حرباً ضد الجنوب وهو أمر يعتبر في عداد المستحيل لأن الحكومة والحركة معاً ومعهما سائر أهل السودان يؤكدون أن لا عودة للحرب ابداً، وأنه إذا تعذر تأمين الوحدة فعلى الجنوب الانفصال. ومع ذلك يجنح الكاتب إلى مطالبة الحكومة الأمريكية بتسليح الجنوب وفرض حصار على ميناء بورتسودان وتلك دعوة صريحة لإشعال الحرب من جديد، ولا أعتقد أن هناك أي عاقل يدعو إلى اندلاع حرب كهذه بلا أدنى مبرر، علماً بأن كل الطرق بينة بين الوحدة والانفصال، وكذلك فإن الكل يعلم أن الحروب ليست هي الحل لأية معضلة، وإنما بالتفاهم تتحقق الحلول، ثم يفترض الكاتب أن السلطات السودانية قد تبدأ عمليات إبادة ضد النازحين في المعسكرات في الوقت الذي تدعو فيه الحكومة النازحين للعودة إلى ديارهم، فضلاً عن أن هذه المعسكرات تحت إشراف الأممالمتحدة والمنظمات الإنسانية، ولا يمكن أن تقدم أي جهة لعمل كهذا ناهيك عن الحكومة التي لا يسعدها شيء بقدر عودة النازحين وتسوية أمورهم وتقديم التعويضات المجزية لهم. وفي آخر فقرة في المقال يقول: يجب على أقل تقدير أن نسعى لإصدار عقوبات على السودان في حال انتهاكه للشروط المفروضة عليه، وأنه عندما تقصف طائرة سودانية قرية في دارفور يمكن أن تدمر واحدة من المقاتلات قاذفة القنابل الصينية الصنع التي تحتفظ بها الحكومة في دارفور، لأننا يجب أن نثبت للرئيس البشير أنه سيدفع ثمناً للإبادة. إن هذا الكاتب يمثل عينة رديئة من الكُتاب الأمريكيين المتطرفين الذين يفضحون عنصرية المحافظين الجدد ضد العرب. بالطبع ليس بالضرورة أن تكون خطة الطريق الجديدة التي قدمها الكاتب تمثل الرأي الرسمي للإدارة الأمريكية، لكنها من دون أدنى شك تكشف عن الذهنية الأمريكية على وجه العموم، والنظرة الأمريكية لكل ما هو عربي في العالم.