نشطت القوى السياسية أواخر الأسبوع الماضي في التعاطي مع مشروع الحكومة القومية التي بشر بها حزب المؤتمر الوطني كخطوة استباقية لما ستكشف عنه نتائج الانتخابات ، ربما يبدو لأول وهلة أن الجهة المعنية بهذا الحراك بشأن حكومة الوحدة الوطنية المرتقبة هو حزب المؤتمر الوطني رغم أن الدلائل والمعطيات والقراءة المنطقية للواقع السياسي والانتخابي تقول إن المؤتمر الوطني سيكتسح كل منافسيه وتصبح الحكومة حكومته وبكامل الشرعية والتفويض إلا أن قيادة المؤتمر الوطني أدركت أهمية وضرورة إشراك الآخرين داخل منظومة الحكومة القادمة. ولعل الجولات أو الزيارات التي قامت بها قيادات نافذة من المؤتمر الوطني الأيام الفائتة للتواصل مع القوى السياسية الأخرى بهدف مواصلة ما انقطع من حوار وتقارب سياسي شهدته ساحة المؤتمر الوطني مع خصومه السياسيين في سبيل الوصول إلى نقاط التقاء تجنب البلاد الحروب وويلات التدخل الدولي في الشأن السوداني ويبدو أن الحراك الانتخابي والنشاط السياسي المكثف إبان فترة الحملات الانتخابية قد أفلح في إحداث قدراً لا يستهان به بين كافة المكونات والفصائل السياسية خصوصاً تلك التي تلتقي في معارضتها للمؤتمر الوطني ، ولكن هذا الحراك نفسه دفع كل القوى السياسية للتعاطي مع الشأن السوداني بشكل موجب وأتاح المزيد من الفرص للتلاقي بين كل الأطراف السودانية والأنباء التي رشحت الأيام الماضية تقول إن نفر من المؤتمر الوطني بقيادة الدكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم والدكتور مندور المهدي نائب رئيس الحزب والبروفسير إبراهيم غندور أمين العلاقات السياسية بالمؤتمر الوطني تحركوا وبشكل نشط لعقد اجتماعات منفصلة مع كافة القيادات الحزبية والرموز الوطنية للتأكيد على الحكومة القومية والتبشير بها وإقناع الآخرين برغبة المؤتمر الوطني وجديته لإشراك القوى السياسية في هذه الحكومة. وقد استهلت هذه المجموعة أولى لقاءاتها بالإمام الصادق المهدي للتباحث حول فكرة الحكومة القومية وتهيئة المناخ السياسي لمرحلة الاستفتاء القادم خصوصاً أن ما بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة وثائق عهود وتواصل وحوار متصل ولكنه يتأثر سلباً أو إيجاباً بحسب المواقف السياسية لكل حزب في ظل تحولات ومتغيرات سياسية كبيرة في الواقع السياسي السوداني وبحسب المتابعات فإن الطرفان قد يعيدان فتح ملف التراضي الوطني الموقع بين الحزبين ولهذا فإن ما بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة التزامات مبرمه ومكاتبات البعض منها تناقلته الوسائط الإعلامية والآخر لا زال في طور الباطن لم تكشف عنه الأجهزة الرسمية في الحزبين. وفي سياق القضية ذاتها فإن السيد الصادق المهدي كان قد تحدث الأيام الفائتة عن اشتراطات حزبه للقبول أو المشاركة في الحكومة القومية التي بشر بها المؤتمر الوطني وهذا يعني أن حزب الأمة على اتفاق مع المؤتمر الوطني من حيث المبدأ على هذه الحكومة القومية وأن الوفد (الرفيع) من المؤتمر الوطني التقى المهدي أساساً لمناقشة بعض التفاصيل الأخرى وكل متعلقات هذا المشروع الوطني ، علاوة على ذلك فإن الحكومة القادمة تحتاج إلى المزيد من تهيئة المناخ السياسي عبر حريات كافية ووضع الضمانات مع القوى السياسية من أجل حماية السلام والأمن الاجتماعي ، ولكن يبدو أن حزب المؤتمر الوطني أراد من خلال هذه اللقاءات أو الاجتماعات المنفردة مع القوى السياسية اراد استقراء أفكار الآخرين وتعاطيهم سلباً أو إيجاباً مع مقترح الحكومة القومية ، والوفد نفسه التقى الدكتور حسن الترابي في وقت تعهد فيه المؤتمر الوطني بمواصلة الحوار مع كافة القوى السياسية ، ولكن هذه القوى بعضها بادر بمقاطعة هذه الدعوة كالمؤتمر الشعبي والاتحادي الديمقراطي الأصل لاعتقادهم بأن الانتخابات التي جرت الأيام الماضية غير نزيهة وبالتالي فإنهم لن يشاركوا في حكومة جاءت بشرعية منقوصة كما يقول الدكتور الترابي ، كما أن حزب المؤتمر الشعبي استبعد إمكانية مشاركته في هذه الحكومة. وعموماً فإن معظم القوى السياسية التي شاركت في الماراثون الانتخابي قبلت بمبدأ المشاركة في هذه الحكومة المرتقبة خاصة أن الانتخابات الحالية ستعين في تحديد الأوزان السياسية للقوى الحزبية التي شاركت في الانتخابات وهذا ما تتوقعه الأوساط الإقليمية والدولية باعتبار أن هذه الخطوة من المؤتمر الوطني من شأنها تصحيح العديد من الأخطاء السياسية وتجنيب البلاد أزمة الصراع على السلطة ويبقى الامر في الكيفية التي يمكن عبرها إشراك كل خصوم الإنقاذ في حكومة واحدة متناغمة تعي دورها ومسؤلياتها الوطنية تجاه البلاد. ولأن المؤتمر الوطني تنازل عن الكثير من حقوقه السياسية في الحكم فمن الأوجب على الآخرين التنازل أيضاً عن بعض الاشتراطات التي أعلنتها بعض القوى الحزبية (كالأمة مثلاً) للدخول في الحكومة المرتقبة.