لاشك أن قضية الأمن الغذائي العربي أصبحت اليوم من القضايا الملحة التى تشغل القادة العرب وصانعى القرار والمختصين اذ تؤثر تأثيراً مباشراً على القرارات السياسية والاقتصادية التي تتخذها الدول العربية، فعلى الرغم من الاهتمام الذي توليه هذه الدول لتنمية قطاعاتها الزراعية لتحقيق معدلات مرتفعة للنمو وزيادة الإنتاج الزراعي، إلا أن السياسات الاستثمارية في هذا المجال لم تكن مناسبة لتحقيق تلك الأهداف اذ أن الاستثمار في قطاع الزراعة وإنتاج الغذاء ليس أولوية قصوى بالنسبة لمعظم الدول العربية. ويرى المختصون والخبراء الزراعيون ان الاستثمارات المطلوبة لقطاع الزراعة فى الوطن العربى لا تقل عن 30 مليار دولار لتنفيذ مشاريع التوسع الرأسي و الأفقي لإنتاج الغذاء، وأن مبالغ العون الإنمائي وما توفره المصادر المحلية لا يفي بجزء مما هو مطلوب مما يقتضي العمل الحثيث لتشجيع الاستثمارات العربية المشتركة لدفع مسارات التنمية الزراعية والتي تعتبر المدخل الأساسي للتكامل الزراعي في إطار منظومة العمل العربي المشترك والتي تضم مؤسسة لضمان الاستثمارات المشتركة واتفاقية للاستثمار العربي المشترك. د.احمد على قنيف الخبير الزراعى قال في المؤتمر المصرفي العربي لعام 2010 م ان الوطن العربي غني بموارده الطبيعية القابلة للاستثمار سواء أكانت موارد أرضية، أو رعوية و غابية أو موارد مائية، مؤكدا ان المشكلة تكمن في توزيع هذه الموارد على أرجاء الوطن العربي، وتناسب هذا التوزيع مع عدد السكان من جهة، ومع الموارد المالية اللازمة لاستثمار هذه الموارد من جهة أخرى. واشار الى ان الأراضي العربية القابلة للزراعة تقدر بنحو 471 مليون فدان أي 198 مليون هكتار ، تتركز في أربعة أقطارهي السودان بنسبة 46% والجزائر بنسبة 20% والمغرب بنسبة 18% والعراق بنسبة 10% وتتوزع النسبة الباقية (10%) علي عدد من الأقطار من بينها الصومال وموريتانيا والدول الأخرى مشيرا الى ان المستغل منها في الوقت الحاضر يقدر بنسبة 40% أي نحو 188 مليون فدان بإنتاجيه ضعيفة جداً ، مما يوضح اتساع الإمكانيات للتوسع الزراعي أفقيا وراسياً في الأقطار مجتمعة. وقال د.قنيف ان الفجوة التجارية فى الوطن العربى بلغت حوالي 29.86 مليار دولار عام 2008م ثم تراجعت قليلاً إلى نحو 27.54 مليار دولار عام 2009م موضحا ان مجموعة الحبوب والدقيق وحدها تقدر بحوالي 59.4% من قيمة الفجوة الكلية لمجموعات سلع الغذاء الرئيسة ذات العجز التجاري في عام 2009م تليها الألبان ومنتجاتها التي تقدر بنحو 16.6% من القيمة الكلية للفجوة التجارية للسلع الغذائية ، ثم السكر المكرر والزيوت النباتية، حيث تقدر بنحو 10.6% و9.3% على التوالي. ووفقا لما ذكره فان قيمة الفجوة التجارية من اللحوم الحمراء تبلغ 6.6%، و لحوم الدواجن بنحو 5.4% وتتراجع هذه النسبة لأقل من 2% لمجموعات الفاكهة والبقوليات والبطاطس حيث تقدر بنحو 1.5%، 1.5%، 0.6%، على الترتيب مضيفا ان الأسماك والخضر قد حققت فائضاً تجارياً تصديرياً بلغ نحو 3.278 مليار دولار في عام 2009م ساهمت فيه الأسماك بنحو 56.86% والخضر بنحو 43.14 %. ودعا د.احمد على قنيف الدول العربية للسعي الجاد لتحقيق أمنها الغذائي وقال ان ذلك يستوجب أن تضطلع كل دولة خاصة تلك التي تمتلك الموارد الزراعية بدورها الكامل في استنهاض مواردها الزراعية لتتشكل بذلك القاعدة القطرية المتطورة والمواتية لإحداث التكامل العربي مبينا ان اتجاه كل قطر نحو الزراعة بنهج استراتجيي ينتج عنه رفع كفاءة الإنتاج ، كما يمكنه من تذليل المشاكل والمعوقات التي تواجه الاستثمار الزراعي ويمهد بذلك لجذب رؤوس الأموال نحو الزراعة و تطويرها ورفع المقدرة التنافسية للإنتاج الزراعي فى الدول العربية. واكد د.قنيف على اهمية ابتكار منهجية تكاملية في إطار برامج تواجه الفجوات الغذائية الكبرى في العالم العربي بشكل مباشر وذلك بتطوير برنامج للاكتفاء الذاتي من القمح (مثلا) مشتملاً علي عناصر مختلفة مثل توحيد السياسات وتوجيهها نحو هذا المشروع، وتشجيع الاستثمار في هذا المحصول حسب الميزات النسبية للدول العربية في هذا المجال، وحشد التمويل من صناديق التنمية والمصارف العربية وتشكيل آلية للإشراف والمتابعة من مؤسسات العمل العربية المشتركة المختصة للتنسيق ومتابعة تنفيذ البرنامج مبينا ان هذا النهج يمكن أن يطور ليشمل المحاصيل والسلع الغذائية الأخرى وتوسيع الفرص المباشرة والعملية للمصارف العربية لتلعب دورها في تمويل النشاط الزراعي من اجل تحقيق الأمن الغذائي العربي. وقال لابد من تطوير عمل وبرامج مؤسسات العمل العربي المشترك بما يمكن من مواكبتها للمرحلة الراهنة وتطوير نشاطها لتعزيز مشاريع الأمن الغذائي العربي مشيرا الى الدور الذى يمكن ان تلعبه المنظمة العربية للتنمية الزراعية فى تنسيق السياسات الاقتصادية والزراعية بين الدول العربية داعياً إلي حشد إمكانات القطاع الخاص العربي لصالح مشاريع الأمن الغذائي. نقلاً عن (سونا)