إبراهيم ميرغني: . خالد الجدع: أتيم قرنق: . مدخل: تبقت أيام قليلة على أكبر حدث في تاريخ السودان ألا وهو الاستفتاء لتقرير مصير جنوب السودان والذي أقرته اتفاقية السلام الشامل والتي ابرمت بنيفاشا في التاسع من يناير عام 2005م، وقد دعا رئيس الجمهورية المشير عمر البشير كافة القوى السياسية لملتقى جامع لمواجهة هذه القضية . لكن الأحزاب السياسية وكعادتها لم تثبت على موقف محدد، إذ رحبت في البدء بالدعوة ومن ثم عادت واشترطت شروطا اعتبرها المراقبون شروطا تعجيزية. وقد اتضح الأن ومن خلال قراءة الساحة السياسية، أن الحركة الشعبية هي التي تمسك بزمام أمور هذه الأحزاب وتملي عليها إرادتها لتحقيق مصالحها .. وللوقوف على حقيقة هذا المنحى أجرى المركز السوداني للخدمات الصحفية استطلاعاً مع عدد من قادة الرأي والمحللين والساسة... وخرجنا بالحصيلة الآتية: الأحزاب لا تستطيع الضغط على الحكومة. في البدء تحدث إلينا د. محمد عثمان أبو ساق المحلل السياسي قائلاً: لابد من الشراكة بين شريكي الحكم والأحزاب السودانية ،وذلك لأن اتفاقية السلام الشامل منذ أن بدأت بُنيت على الشراكة لذلك لا مفر منها لكن الأحزاب السودانية الآن هشة وضعيفة من الناحية التعبوية للمواطنين وتبين ذلك منذ فترة الانتخابات ، وعلى هذا الأساس قاطعت الانتخابات والآن لا يوجد لدى هذه الأحزاب كرت للضغط على الحكومة ، والحركة الشعبية مدركة لهذا الأمر منذ وقت طويل ، لذلك فهي تعمل جاهدة وتتعاون معهم حتى تحقق مصالحها والاستفادة من هذه الأحزاب. الحركة تدرك تماما أن الأحزاب لا تستطيع أن تحدد موقفا تجاه القضايا وأن الناخب الجنوبي هو الذي يحدد ما يريده وليس لدى هذه الأحزاب وزن تضغط به ولهذا السبب فإنه من المفترض عليها أن تحاول تجديد نفسها وأن تحدث تغيراً داخلها وتغيراً في مواقفها لأنها أصبحت الآن لا تحدث تأثيرا على القضايا الوطنية. وفي رأيي إن دعوة الرئيس لإشراكهم في قضية الاستفتاء فرصة للأحزاب لتحاول من خلالها أن تجدد نفسها وتغير من وضعيتها وتعمل على المشاركة في القضايا لأن مستقبل السودان كله يعتمد على الشراكة. وأشير هنا إلى انه يوجد فصيل داخل الحركة الشعبية يحاول أن يشق المؤتمر الوطني ويشق الأحزاب حتى يحقق مصالحه، لكن هنالك شق آخر داخل الحركة الشعبية يتفهم الشراكة ويتفهم أن مصير السودان الموحد يكمن في مشاركة كافة القوى السياسية، فالآن هذه الأحزاب تفتقر للإجماع الشعبي والحركة الشعبية تلجأ لها في بعض القضايا حتى تستفيد منها والحركة واضحة جداً في هذا الشأن ولا تخفي أنها تلجأ للأحزاب لتحقيق مصالحها. لا يوجد عامل مشترك بين الأحزاب والحركة. المحلل السياسي إبراهيم ميرغني لم يذهب بعيداً في الرأي عن د. أبو ساق حيث ذكر أنه في الوقت الراهن لا يوجد عامل مشترك بين الحركة الشعبية والأحزاب السياسية ، إذ أن الحركة شريك أساسي في الحكم والأحزاب السياسية معارضة ونجدها تقف مع هذه الأحزاب في كثير من الأحيان بغرض تدعيم موقفها ضد الشريك الآخر لها المؤتمر الوطني، لكنها لا يمكن أن تعارض المؤتمر الوطني مباشرة بالشكل الذي يغوض العلاقة بينهما لأنها تدرك تماماً أنها حاكمة وأن الأحزاب في نهايتها تمثل معارضة، لكن الحركة الشعبية كما نراها الآن تعمل جاهدة على قضايا الجنوب وليس قضايا الوطن التي يهتم لأمرها الجميع (حكومة ومعارضة). النخب تتحدث بأسم الأحزاب. وأضاف ميرغني أن الأحزاب السودانية الآن كلمة مجرد مجاز ولا توجد أحزاب سياسية بالمعنى المتعارف عليه ، بل توجد نخب تتحدث باسم أحزاب وليس لديها قواعد ثابتة، وسبق أن دعت هذه الأحزاب إلى مسيرة وتسليم مذكرة إلى المجلس الوطني ولم تجد هذه الأحزاب من يساندها من الجماهير ويخرج معها إلى الشارع وذلك يرجع إلى أنها أحزاب غير منظمة وليس لديها دعم جماهيري، وحول دعوة الرئيس لهذه الأحزاب للمشاركة في قضية الاستفتاء ذكر ميرغني أن هذه الأحزاب ضعيفة وغير صامدة ولا تشكل معارضة لذلك نجد أن الحكومة غير مهتمة لأمرها سواء شاركت أو لم تشارك والحركة الشعبية من جانبها تريد أن تتخذ من هذه الأحزاب دعماً لموقفها ضد الشريك. الاستفتاء تعوقه عقبات كثيرة. أما د. خالد محمد بشير الجدع أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين فقد كان من رأيه إن كافة الأحزاب السياسية الموجودة الآن في الساحة لا يوجد من بينها من يريد فصل جنوب السودان، وبالتالي فإن الاستفتاء في حد ذاته تعوقه عقبات كثيرة ولكن يمكن تجاوزها إذا كانت هنالك تفاهمات، والآن أصبح أمر الاستفتاء هو قضية الساعة والأحزاب السياسية ليس لديها ما تملكه حيال هذه القضية فهي في كثير من الأحيان نجد أن الأحزاب السياسية لديها نظرة شك تجاه الحكومة فقد سبق أن رحبت بدعوة الرئيس تجاه الاستفتاء ومن ثم عادت وتقدمت بشروط تعجيزية وهذا في رأيي أساسه نظرة الشك تجاه الحكومة بجانب أن هذه الأحزاب ليس لديها برامج واضحة ورؤية تجاه القضايا الوطنية لذلك تجدها تارة مع القضية وتارة ضدها وأيضاً في تقديري يرجع السبب في اهتزاز هذه الأحزاب إلى أنها تعتمد في تمويلها على الخارج وهذا بدوره يؤثر على رؤيتها وعلى مواقفها السياسية تجاه ملفات الحكومة بصفة خاصة وتجاه الوطن بصفة عامة، والسبب الأساسي في تقديري عدم ثبات هذه الأحزاب على مواقفها في وجود الحركة الشعبية إذ أن علاقة الحركة الشعبية بالأحزاب علاقات تكتيكية وليست إستراتيجية جمعتها قضايا آنية وهي علاقة غير واضحة وقائمة على المصالح التي تريدها الحركة الشعبية، وأضاف أحزاب جوبا إذا كانت مبنية على علاقة متينة ومبنية على الثقة والقضايا الوطنية وهموم الوطن كان يمكن أن ينجح لكن لا يوجد إحساس منهم بحقيقة الدعوة تجاه القضايا الوطنية وهذا إما للشك أو للتعامل الذي يتعامل به شريكي الحكم. لابد من إقناع الناخب الجنوبي. ولم تنف الحركة الشعبية علاقتها مع الأحزاب السياسية بأنها مجرد تكتيك سياسي لمواجهة قضايا معينة تحاول أن تستغل الحركة الشعبية هذه الأحزاب لتمرير أجندتها ويتضح ذلك من حديث أتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني حيث ذكر بان الالتقاء السياسي بين الأحزاب ليس معاهدة وإنما هي عبارة عن تكتيكات سياسية مؤقتة لمواجهة قضايا بعينها مثل قضية الانتخابات سابقاً فعندما تنتهي هذه القضايا فإننا نحتاج إلى تحالف جديد فأمامنا الآن قضية الاستفتاء وهذا بدوره يحتاج إلى تحالف جديد لأننا نحتاج إلى إقناع الناخب الجنوبي بما نريده نحن السودانيين وفي هذه الحالة فإننا نخاطب فئة معينة وعليه فإن أي تحالف في الماضي يمكن أن يجدد قضايا جديدة.