أعلنت الحكومة إستراتيجيتها بعد الانتخابات الأخيرة والتي انصبت في الاهتمام بتغليب خيار الوحدة الجاذبة والمضي باتفاقية السلام نحو نهاياتها، ولما كانت القضايا الوطنية هماً مشتركاً لكافة أبناء الوطن جاءت الدعوة للقوي السياسية خاصة التي لم تحظ بتمثيل من واقع نتائجها في الانتخابات، أن تكون جزءاً من المناقشات الجارية حول قضايا المرحلة التي يقف على رأسها الاستفتاء وقضية دارفور، وقد تباينت مواقف القوى المعارضة من الالتقاء مع الحكومة ما بين متحفظ ومشترط ومتردد، لتعلن الحركة الشعبية عن دعوتها لاجتماع مماثل دعت له القوى السياسية وهو ما جعل المراقبون يتساءلون عن جدواه في ظل الدعوة المقدمة من الحكومة.. ولمعرفة ما يشكله الجماع الوطني من أهمية وإسقاطات التردد من القوى السياسية على الواقع السياسي في البلاد جلس المركز السوداني للخدمات الصحفية إلي رجال السياسة والقانون والأكاديميون لمعرفة وجهة نظرهم في الأمر.. برنامج وطني الدكتور بركات موسى الحواتي أكد في استهلال حديثه أن ما يمر به السودان يحتاج إلى تضافر الجهود والتسامي فوق الخلافات، فكثير من القضايا المطروحة تعد الأهم والأكبر في البلاد. والمطلوب من القوى السياسية أن تكون وحدة جامعة لشكل سياج أمام تحديات الوطن، لا سيما وأن الاستفتاء مرهون بتداعيات قد تكون متمثلة في الوحدة أو الانفصال. كما أن التشاور في هذه المرحلة ضرورة وكذلك المشاركة في القضايا التشريعية بالفعالية المرجوة، وغالبية الوظائف بمختلف مسمياتها ظلت حكراً على المؤتمر الوطني الشيء الذي حرم المعارضة فعلياً من المشاركة، وأخيراً اتضح جلياً أن الحركة الشعبية تمهد عالمياً وإقليمياً ومحلياً للانفصال وجدوى مشاركة المعارضة غير مقبولة من وجهة نظرها. وفي سنين الإنقاذ الأولى كتبت مقالاً في صحيفة الإنقاذ الوطني التابعة للحكومة كانت الدعوة فيما كتبت لملمة الأحزاب والطوائف المتنافرة لتجنب البلاد ويلات الانقسام، وقد أسميت تلك الدعوة الوحدوية (برنامج الحد الأدنى والخاص بالمسائل الدينية التي تجمع المؤتمر الوطني بالحزبين الكبيرين) غير أنه لابد من تجاوز الماضي والعمل وفق برنامج وطني شامل سيكون فيه مصلحة الوطن العليا. السمو فوق الخلاف وفي نفس السياق أوضح الدكتور محمد الأمين أستاذ العلوم السياسية أن دعوة الرئيس لعقد اجتماع تشاوري في هذا التوقيت مهم في ظل الظروف التي تمر بها البلاد، فالمرحلة تقتضي لم الشمل والعمل يداً واحدة في هذه المرحلة، ولكن هناك أسباب في تردد الجهات المعارضة في الاستجابة لدعوة الرئيس، فالمعلوم أنه منذ بداية مفاوضات السلام بين الشريكين أبعدت المعارضة ولم يكن المؤتمر الوطني هما المسئولان وحدهما عن هذا القرار فقد وافقت الحركة الشعبية ضمنياً على ذلك الإبعاد، وكذلك خلال مفاوضات نيفاشا رغم ما اعتراها من مشاكل عديدة كادت أن تقصي بها، ورغم ذلك فإن أي من الطرفين لم يلجأ أخذ رأي المعارضة. وبعد توقيع الاتفاقية كان نصيب المعارضة 14% من مقاعد الجهاز التشريعي، وهذا لا يوازي حجمها. ويرى د. محمد الأمين أن الإجماع الوطني والسمو فوق أجندة الخلاف والمواقف المتعددة واحدة الحلول التي يجب أن يعمل بها في تلك الظروف الراهنة، ودعوة الرئيس للقوى السياسية تمثل جزءاً من المشاركة السياسية، أما الابتعاد والنأي عن الإجماع واحد من الإشكالات التي تساهم في زيادة المصاعب التي تواجه البلاد، ويبقى المطلوب من القوى السياسية أن توحد الرؤى في سبيل مصالح البلاد العليا، لأن ذلك يساعد على تناسي الخلافات ويدعم مزيداً من الاستقرار. مطالب مشروعة وتحدث إلينا د. عبد الرحيم عبد الله القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي قائلاً إن مبادرة الرئيس لدعوة القوى السياسية بمناقشة قضية الاستفتاء خطوة طيبة، لكن هذه الأحزاب لديها رؤيتها وتجاربها وسبق لهذه الأحزاب أن انعزلت عن مناقشة القضايا الوطنية لفترة طويلة، لذلك كان من المفترض على المؤتمر الوطني أن يقبل باشتراطات هذه القوى إن لم يكن جميعها فعليه أن يوافق على مطالبها المشروعة من المناقشة حول قضية الاستفتاء وقضية دارفور فربما توصلوا فيها إلى رأى. وأضاف هذه الأحزاب لم تعطى فرصة من قبل حتى تبذل مجهوداتها حيال قضية الاستفتاء، إذ إن الاتفاقية تم توقيعها بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، لذلك أرى أن خيار الاستفتاء في يد المواطن الجنوبي أمر غير صحيح، وقد تأخر الوقت على الأحزاب السياسية بأن تقوم بأي خطوات تجاه الاستفتاء، وكلنا أمل في شريكي نيفاشا بأن يعبروا بالسودان مرافئ الأمان. وعن اجتماع القوى السياسية بالحركة الشعبية ذكر د. عبد الرحيم قائلاً: أنا شخصياً لا ثقة لي في الحركة الشعبية، فقد سبق أن اجتمعت بهذه الأحزاب لمواجهة قضية الانتخابات وكانت متحمسة جداً وعملت معها في المطالبة بتغير بعض القوانين، لكن سرعان ما أطاحت بهذه الأحزاب بعد أن اجتمعت مع المؤتمر الوطني واتفقت معه، فالحركة تخلت عن هذه الأحزاب وضربت بها عرض الحائط ونقض عهدها مع الأحزاب بالرغم من أنها تدعى أن الشمال ينقض العهود، وأختتم حديثه مؤكداً أن شروط هذه القوى السياسية خاصة المتعلقة بمناقشة على الأقل الاستفتاء ودارفور فأنها مطالب مشروعة كان ينبغي على المؤتمر الوطني أن يوافق عليها لأن ذلك في نهاية الأمر يُعد رأى الأغلبية. الاستفتاء ليس أولوية؟ أما المحلل السياسي د.إبراهيم ميرغني فقد كان رأيه إن قضية الاستفتاء قضية مجملة ضمن كثير من القضايا، لذلك إذا فتح المؤتمر الوطني الباب إلى مناقشة الاستفتاء فعليه أن يفتح الباب أيضاً إلى مناقشة قضايا التحول الديمقراطي، والحركة الشعبية لابد أن تناقش هذه القضية لذلك فإن موقفها من اجتماعها مع القوى المعارضة في الإجماع الوطني أمر تكتيكي، فهي تسعى إلى الاستفتاء وهو الذي يهمها أكثر من القضايا الأخرى، وأضاف إن هذه القوى السياسية المعارضة ليس لها أي دور من وجهة نظري في قضية الاستفتاء لذلك فهي تريد أن يفتح لها الباب لمناقشة القضايا الأخرى أو لا يوجد ما يحملها لمناقشة قضية الاستفتاء، وقال ميرغني لا يوجد عامل مشترك بين القوى السياسية والحركة الشعبية بل يوجد اختلاف كبير بينهما في كثير من القضايا الأساسية، فقد سبق للحركة الشعبية عبر تحالف جوبا إن التزمت بقضايا أهمها التحول الديمقراطي، ومن ثم جاءت ووافقت بقوانين الحريات وهذا خروج بالنسبة لها عن هذا التحالف، لذلك لا يوجد بعد استراتيجي يربط بين الحركة الشعبية والأحزاب المعارضة لكن رفضها لاجتماع الرئاسة وموافقتها على اجتماع الإجماع الوطني موقف تكتيكي يهمها فيه الاستفتاء. غياب المؤسسية ومن ثم تحدث إلينا الخبير القانوني د.إسماعيل حاج موسى قائلاً: سبق للسيد الصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني أن رحبوا بدعوة الرئيس دون اشتراطات لكنهم ليس لديهم مؤسسات حزبية في الرجوع إليها للخروج بقرار موحد، فما لم يكن لديهم هدف موحد وغرض موحد لن يكون هنالك حلول للقضايا، لذلك ليس المهم أن يجتمعوا بل المهم أن يحققوا أهدافهم التي اجتمعوا من أجلها. وقال الحاج موسى: لا أرى أدنى خطوات لهذه الأحزاب تجاه قضية الاستفتاء، فالاستفتاء قضية وطنية تهم جميع القوى السياسية لأنه إذا حدث انفصال سلبي أو إيجابي أو حدثت وحدة فإن هذا يؤثر على هذه القوى السياسية ويحسب عليها، لأن السودان ليس ملك للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية، فقط فهذه الأحزاب يمكنها أن تعمل جادة من أجل وحدة السودان وتسهم في قضية وغير أنه ذكر أن هذه الأحزاب عبر اجتماع الإجماع الوطني يمكن أن تخرج بقرارات لكن لن يتسنى لها تنفيذها إلا بالرجوع إلى المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، والحكومة من المعلوم هي التي تملك آليات التنفيذ. وأضاف: إن هذا الاجتماع الذي دعت إليه هذه القوى السياسية يعتبر شاذ وغير مقبول لأن هذه الأحزاب سبق أن اتفقت مع الحركة الشعبية في مؤتمر جوبا، وفي كل مرة تقوم الحركة الشعبية بغدرهم فهي لها مواقف متذبذبة ولا يمكن أن تكون الحركة حكومة ومعارضة، وهذا لم نسمع به إلا في السودان، إذ أن الحركة الشعبية لها مطامع في الحكومة وأخرى في المعارضة.