(إن الشيء الوحيد الذي يحتاجه إنفاذ اتفاقية أبوجا هو حسن النية) هذه العبارة قالها البروفيسور صلاح الدين عبد الرحمن الدومة أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية وهو يتحدث في المؤتمر المشترك الذي نظمته جامعة السودان بالتعاون مع السلطة الانتقالية حول رسوم طلاب دارفور بالجامعات والمعاهد العليا عام 2007م. قد أكدت الأيام والأحداث صدق مقولة البروفيسور الدومة ففي بدايات عام 2007م كان الخلاف الشهير بين د. الريح محمود جمعة ورئيسه مناوي إثر توزيع مناصب السلطة الانتقالية وكان وقتذاك أن غضب د. الريح إثر تعيينه بالبرلمان بينما تبوأ آخرون المقاعد الوزارية وهو ذات السبب الذي جعل محجوب حسين الذي كان مسئولاً عن العلاقات الخارجية يحزم حقائبه ويخرج عن الحركة إلى غير رجعة. استمرت أزمة الثقة هذه دون انقطاع ففي عام 2008م وعقب هجوم العدل والمساواة على ام درمان اعتكف مناوي مغاضباً وسط قواته في أبو تمرة لأشهر متتالية انتهت بلقائه نائب رئيس الجمهورية في مدينة الفاشر وتوقيع اتفاقية تسريع إجراءات تنفيذ اتفاقية ابوجا والتي سميت بمصفوفة الفاشر سنة 2008م. أزمة انعدام الثقة هذه لازمت مناوي حتى بعد توقيع وثيقة دمج مقاتلي الحركة ضمن القوات النظامية في أكتوبر الماضي حيث كان خطابه عدائياً تجاه الحكومة التي هو جزء منها لأن الانتخابات وإن أبعدت الرجل عن منصب كبير مساعدي رئيس الجمهورية فلم تبعد عنه مسئولياته كرئيس للسلطة الانتقالية بمفوضياتها الخمس بالإضافة لصندوق إعمار دارفور. كعادته كان مناوي هادئاً وهو يتحدث إلى الصحافيين عبر الهاتف من جوبا وقد حرص على الإجابة على جميع الأسئلة الموجهة إليه، غير أن إجاباته كانت عاصفة بعكس هدوء صوته فقد حّمل الرجل مسئولية انهيار اتفاقية سلام دارفور للمؤتمر الوطني وقال: (المؤتمر الوطني قسم الاتفاقية لثلاثة أجزاء جزء نفذه معنا وجزء يناور به التجاني سيسي في الدوحة والجزء الثالث حبيس الأدراج بانتظار خليل وعبد الواحد) ومضى مناوي يعيد حديثاً مكرراً عن السبعمائة مليون دولار المخصصة للتمييز الإيجابي لدارفور و(كلفتت) إنفاذ الترتيبات الأمنية. ولم يفته أن يصف مفاوضات الدوحة بالمناورة التي يريد المؤتمر الوطني أن (يغش) بها المجتمع الدولي. لقد نسى مناوي في غمرة غضبه واستيائه أن وفد الحكومة المفاوض في الدوحة يضم من حركته أربعة مفاوضين برئاسة المهندس آدم عبد الرحمن رئيس مفوضية أراضي دارفور ، كما نسى أيضاً من ضمن ما نسى الكلمات التي نصحه بها الشيخ الوقور المهندس محمود بشير جماع في مناسبة الإفطار الجماعي الذي أقامته حركة تحرير السودان في رمضان الماضي في حديقة المهندس إسحاق بشير جماع فقد قال له محمود بشير جماع يومذاك (لا تشتكي من سوء التنفيذ أو بطئه فأنت الآن جزء من الحكومة وبيدك القلم ولو أعطوك واحد بالمائة فعليك أن تلح في طلب التسعة والتسعون الباقية وحذار أن تمسك العصا من النص فيضربوك بنصفها إذا انكسرت). كلمات المهندس الذي عركته السنون قالها عن خبرة تزيد على النصف قرن أمضاها في العمل العام بدأت من جامعة الخرطوم قبل الاستقلال ولم تنته بإعفائه من منصب وزير الري والموارد المائية عقب ثورة الإنقاذ ولكن مناوي سمع ولم يعي شيئاً مما سمع على ما يبدو إذ رهن إرادته لدى الحركة الشعبية لتحرير السودان بجوبا. نسى مناوي أن الحركة الشعبية قد حاولت استخدام حركة تحرير السودان كذراع ضغط حينما أمدت التمرد بالسلاح عام 2002م عبر أحمد عبد الشافع قبل أن تشهد حركة تحرير السودان طريقها مستقلة عن الحركة الشعبية ونسى مناوي أيضاً أن قوات الحركة الشعبية ذبحت رفيق دربه صديق عبد الكريم المعروف بصديق مساليت ونسى مناوي أيضاً أن الحركة الشعبية هي من سربت مقاتلي جيش الرب حتى حدود بحر الغزال مع دارفور وإفريقيا الوسطى حتى تنقل عملياتها العسكرية إلى حدود دارفور كما نسى مناوي أو تناسى غدر الحركة الشعبية بالحركات الدارفورية عندما غدرت بالتجمع الوطني وهرعت للتوقيع على اتفاقية مشاكوس مديرة ظهرها للجميع. رغم كل هذا التنافس يتساءل الجميع بمن فيهم قادة المؤتمر الوطني الذين حاول مناوي كيل الاتهامات لهم متى يعود الرجل وهل سيسمح للحركة الشعبية ومن يقفون ورائها استخدامه كقفاز لضرب المؤتمر الوطني وهو ما حاول قطبي المهدي إيضاحه وهو يتوجه بنداء رقيق مستخدماً كلمة الأخ مناوي عندما قال (ندعو الأخ مناوي أن يعود لمباشرة مسئولياته وأن لا يسمح للقوى الأجنبية باستغلاله كما استغلوا الحركة الشعبية لتحرير السودان).