ذات يوم سأل نيرودا صديقه الشاعر الإسباني الشهير "لوركا" حيال شعوره لترك العرب الأندلسيين مدينته غرناطة، فكان جواب فراشة الأندلس.. "كان يوما حزينا في تاريخ إسبانيا".. ذلك الحوار تستحضره (تمارا ناطروشفيلي) و(نينو فيكريشفيلي) اللتين تعتبران نفسيهما سفيرتان للعرب في بلادهما جورجيا "الخالية" من أي سفارة عربية في بلاد حكمها العرب المسلمين لمدة أربع قرون بحسب ما تقولان "السفيرتان". استطاعت اللغة العربية أن تجمع تمارا (26) عاما وننيو(24) في صداقة نادرة من نوعها، ومن خلال عدة رحلات وجولات تعليمية وسياحية إلى سوريا ومصر والأردن للحصول على المزيد من علوم اللغة العربية وآدابها توطدت بينها أواصر تلك العلاقة الجميلة المبنية على أسس "أبجدية قحطان وعدنان"، وفي هذا الصدد تقول تمارا التي درست الأدب العربي في إحدى جامعات العاصمة الجورجية: "أصبحت اللغة العربية بالنسبة لنا محبوبة وأثيرة على أنفسنا لدرجة الإدمان". وتردف تمارا التي تعمل حاليا محررة في التلفزيون الجورجي، "غالبا ما يبدأ صباحنا بتحية (صباحك سكر) وتنضح كل حفلاتنا بعبق الموسيقى العربية خاصة أغاني فيروز وأم كلثوم، وعندما نخرج مع أصدقاءنا إلى الطبيعة نصطحب معنا دواوين شعر لنزار قبانى ومحمود درويش وسعاد الصباح لتكون قصائدهم الجميلة خير جليس لنا في تلك النزهات والرحلات". ولم يقف الأمر عند هذا الحد - كما تقول نينو التي تعمل مدرسة للغة العربية- بل أنهما اقتنيا هواتف جوالة ذات لوحات مفاتيح عربية أرسلها لهما صديق من الإمارات العربية، وتضيف نينو: "نريد أن نسبح في محيط اللغة العربية ونشعر أنفسنا كزورقين صغيرين في ذلك اليم الجميل الرائع". وتشعر الفتاتان بالأسى والحزن لعدم وجود أي سفارة عربية في بلادهما، ولعدم توافر مراكز ومؤسسات ثقافية عربية تساهم في تعريف الشعب الجورجي بثقافات العالم العربي، "عقدنا بجهودنا البسيطة مؤتمر في العاصمة تحت شعار (العرب ليسوا إرهابيين) لتقديم صورة موضوعية ومشرقة عن الشعوب العربية بعد الحملات التي شنها الكثير من وسائل الإعلام العالمية بعد أحداث 11 سبتمبر". وتقول تمارا ونينو إنهما يفكران في المستقبل القريب أن تقومّا بالمزيد من الأنشطة الثقافية التي تعرف بالعالم العربي، "نفكر في حال توفرت لنا موارد مادية جيدة أن نقيم العديد من ندوات البحث والدراسات ندعو إليها مثقفين عرب وجورجيين لفتح حوار ثقافي عربي - جورجي، كما نفكر أيضا بإقامة معارض صور وأسابيع ثقافية تعرض فيها أفلام وأنشطة ثقافية عربية مختلفة". وتردف تمارا: "لدينا رغبة شديدة- عندما يسمع الإنسان جورجي كلمة (عرب)- بأن نرجع عجلة الزمن ولو قليلا إلى الوراء ليتذكر سحر (ألف ليلة وليلة) وحب مجنون ليلى وحكمة المتنبي وإنسانية أشعار السياب ودرويش ونزار قباني. مازالت لغة الضاد تزين اللغة ولحسن الحظ ما زلنا نجد هذا التزين في اللغة الراهنة. قولوا لنا ! هل يمكن أن يعبر عن الحب الجميل إلا اللغة العربية: (أحبك لا تسل قلبي عن السبب، سألت الزهر: كيف تفوح، لم يجب...!)". ورغم أن نينو وتمارا لم تجدا فرص عمل ملائمة لاستغلال خبراتهم في اللغة العربية، إلا أنهما يبديان إصرارا كبيرا على نهل المزيد من المعرفة والعلم، "لم نجد فرصة العمل بشهادتنا، لا يوجد حتى مؤسسة واحدة التي تحتاج إلى اللغة العربية، صحيح أن نينو تدرس اللغة العربية في المدرسة ولكن مرتبها التي تحصل لتدريس التلاميذ من أبجدية العربية إلى إعرابها لا يزيد عن 15 دولارا أمريكيا شهريا". وعن ذكرياتهما في البلاد العربية، تقول نينو: "استجيب دعاؤنا وسافرنا إلى مصر وسوربا والأردن ولم تكن رحلتنا سياحية فقط لقد سافرنا للدراسة في جامعة القاهرة في معهد اللغة العربية وفي جامعة تشرين في سوريا". وأبدت تمارا إعجابها بتجذر الثقافة العربية والاهتمام باللغة العربية في سوريا، في حين دهشت نينو لروعة الحضارات الفرعونية والإسلامية في مصر، "لن ننسى ذكرياتنا الجميلة في منزل الشاعر السوري نزار خليلي الذي استقبلنا مع عائلته بكل حفاوة وقدم لنا الكثير من العون والمساعدة للتعرف على تاريخ الأدب العربي". وتشير تمارا إلى أن خليلي ترجم عن اللغة الفرنسية قصيدة "الفارس في إهاب النمر" للشاعر الجيورجي شوتا روستافيلي الذي عاش في القرن ال(12)، وتعتبر تلك القصيدة، بحسب تعبير نينو، كنز الأدب الجيورجي ويبدأ مطلعها :"كان في بلاد العرب ملك يدعى روستفان يحيا بفضل الله ذا جلال واقتدار ووفرة في الجند والفرسان". ولذلك - والكلام لتمارا- فإن الجيورجيين عندما يسمعون تلك القصيدة -التي يعرفها حتى الأطفال الصغار- فإنهم يستحضرون في مخيلتهم بلاد العرب "الأسطورية". وعن أهم الأعمال العربية التي تم ترجمتها إلى اللغة الجيورجية، توضح نينو أن هناك الكثير من الروائع العربية التي تم ترجمتها مثل كتاب "كليلة ودمنه" الذي ترجم لأول مرة في القرن ال(16)، وتمت ترجمة أعمال لأدباء معاصرين مثل جبران خليل جبران ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ومحمود تيمور، وتمت ترجمة القرآن الكريم أكثر من مرة. وتشدد تمارا على أن اللغة الجيورجية مليئة بالمفردات العربية حيث تصل نسبتها إلى حوالي 40%، وتضيف مبتسمة: "هذا يعني أن نتعلم العربية كلغة ثانية منذ الصغر". ولا تخفي تمارا ونينو إعجابهما ببرامج ونشرات الأخبار في قناة "العربية" والتي يعتبرانها المفضلة عندهما ضمن مجموعة من الفضائيات العربية التي تحرصان على متابعتها، "أصبحت جورجيا معروفة بعد أحداث نوفمبر/ تشرين الأول عام 2003 أو ما عرف آنذاك باسم (الثورة المخملية) التي لعبت قناة (العربية) دورا هاما في تقديم صورة موضوعية لما كان يحدث في جورجيا، وقد لعب مراسل القناة في نقل الأخبار تلك (الثورة) للعالم العربي". من جانب آخر، تحلم "تمارا" "ونينو" بزيارة دولة الإمارات العربية ولاسيما مدينة دبي، "اخترنا هذه الدولة لأنها برأينا رمز لاختلاط الحضارات، ولأنها تجمع بين الحداثة والتراث، ومما شجعنا على ذلك افتتاح رحلات جوية مباشرة بين تيفليسي ودبى.. اعتقدنا أننا لن نجد أية صعوبة في تحقيق حلمنا ولكن اكتشفنا أن رغبتنا والخط المباشر ليسا كافيين لسفرنا، فقد قالت لنا مكاتب السفر في العاصمة أننا لن نحصل على تأشيرات زيارة لأن عمرنا أقل من 35 سنة". وتنفي الفتاتان أن يكون سبب رغبتهما في الذهاب إلى الإمارات هو الحصول على عمل، وتقول تمارا: "لم نفكر في ذلك لأننا ندرك مدى صعوبة الحصول على العمل، غايتنا بالدرجة الأولى علمية وترفيهية، والتعرف على هذا البلد الجميل الذي قدم نموذجا عربيا في التقدم والازدهار، وباعتبار أننا مشغولين بالعمل، وكنا قررنا قبل بداية العام أن نقضي إجازة رأس السنة في دبي حيث الجو معتدل وجميل.. أصبح لدينا أصدقاء عرب كثر في الأردن وسوريا ومصر والعراق وعمان ونأمل أن يكون لدينا أصدقاء في الإمارات". قناة العربية