أذكر في بداية بروز الازمة المالية العالمية 2009، وتداعياتها المختلفة وخاصة على البورصات، والتي تجلت مظاهرها في الولاياتالمتحدة في بداية الأمر، كان معظم الناس وحتى نحن في السودان في حالة بحث دائب عن معرفة السبب والمسبب والنتائج النهائية لهذه الأزمة، فبحكم مدلول الاصطلاح من حيث المكان (العالمية)، كان هنالك هاجس استشراء الأزمة لتطال جيوب الجميع بما في ذلك نحن السودانيين. وبفضل نعمة الانترنت اتيحت فرصة فهم طبيعة الأزمة بعيداً عن دهاليز المصطلحات والألفاظ الرنانة التي بلا لون أو طعم أو رائحة، فقد فسر خبير غير معلوم الأزمة من خلال روايته لقصة قرية يعتمد فيها الناس في كل أنشطتهم وممارساتهم على الحمير، ذاكراً أنه في أحد الأيام جاءهم تاجراً طالباً شراء حميرهم بسعر مجزٍ 10 دولارات للحمار فباع معظمهم، ورفع التاجر السعر إلى 15 دولار ثم إلى 30 فباع المترددون والذين لم يبيعو حميرهم للتاجر ولم يبقى أي حمار في القرية. عاد التاجر نفسه وطلب شراء المزيد من الحمير مقابل 50 دولار للواحد.. وذهب لقضاء اجازته الاسبوعية تاركاً أهل القرية يبحثون عن حمير آملين في المزيد من الدولارات لكن لم يكن في القرية ولا في الجوار أي حمار.. وبينما هم كذلك جاء أحد أعوان التاجر عارضاً عليهم حميرهم التي كانوا قد باعوها طالباً 40 دولار للحمار الواحد. قرر القرويون شراء حميرهم رغم أنهم يدركون أن هذا السعر يفوق الثمن الذي باعوه بها واستدانو من بنك القرية ليتمكنوا من الشراء أملاً في تحقيق الربح فور بيعهم للحمير للتاجر.. مرت الأيام ولم يعود التاجر وأهل القرية لا يزالوا منتظرين وسيظلوا كذلك.. على القرية ديون وفيها حميراً كثيرة لا قيمة لها، ضاعت القرية وأفلس البنك وانقلب الحال رغم وجود الحمير، وهكذا أصبح مال القرية والبنك بكامله في جيب رجل واحد. ولشرح ارتفاع الأسعار هذه الأيام ما عليك عزيزي القارئ إلا أن تحذف كلمة حمير وتستبدلها بكلمة لحوم أو سكر أو أي سلعة أخرى تتناسب مع شهيتك بشرط أن تكون من السلع المتاحة في أسواقنا. إن الارتفاع الجنوني في أسعار السلع والمواد هذه الأيام أمر يدعو للحيرة ذلك أننا نفهم أن الأسعار وكما هو معروف في الاقتصاد، المتحكم فيها الأساسي مسألة العرض والطلب لكن يبدو أن هذه النظرية لا تصلح لتفسير ظاهرة جنون الأسعار عندنا. فمن حيث العرض فإن الأسواق في ظل السياسة الاقتصادية التي تنتهجها البلاد مفتوحة أمام جميع السلع والمواد بكل حرية وفي ظل فلسفة تحرير التجارة لا يمكن للدولة التدخل المباشر في هذا الأمر من ناحية تحديد الأسعار، وكما هو معلوم أن لهذه الفلسفة انعكاساتها الايجابية على الاقتصاد الوطني سواء على صعيد جذب الاستثمارات الخارجية وتحفيذ الانتاج المحلي للنهوض وبالتالي رفع قدرته التنافسية. وفي المساحة التي من الممكن للدولة التحرك فيها حيال أزمة ارتفاع الأسعار قامت باستثناء (12) سلعة من الجمارك والقيمة المضافة، والتي تعتمد بصورة مباشرة على مدخلات الإنتاج. وعل هذا الصعيد نفى والي الخرطوم د. عبدالرحمن الخضر أن تكون الأزمة بسبب الصادر. وأكد أنهم حددوا أزمة ارتفاع الأسعار ب(8) أسباب، أهمها: ارتفاع سعر الصرف للعملة الصعبة والآثار النفسية للانفصال، وتسعير التجار للسلع المستورة بزيادة تصل 25%. ونعتبر اتجاه الحكومة لتنشيط الجمعيات التعاونية الزراعية، بتمويل قدره 10 ملايين جنيه، بالإضافة إلى تحديد 50 منفذاً بولاية الخرطوم للجمعيات الاستهلاكية، اتجاهاً ايجابياً لرفع المعاناة عن كاهل الناس. وكذلك الأمر بالنسبة لتحرك الدولة لمراجعة سياسات التحصيل والازدواج الضريبي وإلغاء بعض الرسوم ومراجعة الرسوم والضرائب المرتبطة بالإنتاج على المستوى الولائي.