دارت أحداث دامية في دولة جنوب السودان الوليدة مؤخرا بين القوات الموالية لرئيس البلاد سلفاكير ميارديت وقوات نائبه السابق رياك مشار الذي أقيل من منصبه في يوليو المنصرم, ما خلق أزمة إنسانية خطيرة خلفت آلاف المصابين وشردت آلافا آخرين وتسببت في نزوح 20 ألف مدني عن ديارهم ومغادرة الأجانب للبلاد . إجلاء الرعايا الصينيين وفي ظل هذه التطورات، ذكرت يو روي لين, المسؤولة الإعلامية بالسفارة الصينية لدى جنوب السودان, مؤخرا أن ما يزيد على ألفي مواطن صيني كانوا يقيمون في جنوب السودان, تم إجلاء نصف على نحو منظم وآمن إلى بلدان أخرى، مضيفة أنه من بين البقية التي لم تغادر بعد، هناك 570 مواطنا صينيا في جوبا والآخرين في منطقة الحقول شمالي البلاد. ونتيجة تصاعد أعمال العنف في جنوب السودان ولاسيما بعدما حوصر 12 عاملا صينيا في حفرة رملية على نهر النيل يوم 17 ديسمبر وتسنى إنقاذهم وتسوية الأمر في نفس اليوم عبر جهود السفارة الصينية في جنوب السودان، أسرعت الشركات والهيئات الصينية تحت توجيهات وزارة الخارجية الصينية إلى إجلاء عمالها الصينيين اعتبارا من يوم 21 ديسمبر إلى بلدان مجاورة مثل كينيا وأثيوبيا وأوغندا. واستقل 68 عاملا بشركة النفط الوطنية الصينية العملاقة (سي أن بي سي) وشركة شاندونغ للسكك الحديدية طائرة من جوبا إلى العاصمة الكينية نيروبي، في تحرك جاء بعد إجلاء 32 عاملا صينيا بشركة (سي أن بي سي) إلى جوبا من إحدى الحقول النفطية التي تعرضت لهجوم يوم 19 ديسمبر. وخلال الفترة ما بين 20 و23 ديسمبر, غادر جنوب السودان 103 عمال صينيين تابعين لمكتب شركة الاتصالات الصينية (ZTE) لدى جوبا وشركات صينية أخرى متجهين إلى العاصمة الأثيوبية أديس أبابا. ووفقا لبيان صدر عن السفارة الصينية لدى أوغندا الأسبوع الماضي, فقد وصل أكثر من 400 صيني إلى أوغندا قادمين من جنوب السودان وسط توقعات بوصول المزيد من الرعايا الصينيين. وفي يوم 25 ديسمبر، وصل 97 من عمال النفط الصينيين التابعين لشركة (سي أن بي سي) والعاملين في حقل فلوج النفطي بولاية أعالي النيل، وصلوا إلى العاصمة السودانية الخرطوم بعد إجلائهم من جنوب السودان. ومن المقرر أن تصل دفعتان جديدتان من العمال الصينيين إلى مطار الخرطوم في وقت لاحق، وستضم الدفعة الثانية 97 عاملا والدفعة الثالثة 110 عمال. وفي اليوم نفسه، اختتمت البعثة الثامنة من قوات حفظ السلام الصينية لدى جنوب السودان مهامها وبدأت البعثة الصينية التاسعة مباشرة عملها حيث قال لي لوه، قائد قوات حفظ السلام الصينية لدى جنوب السودان، "إن القوات تواجه تحديات أكبر فيما يتعلق بالتنقل والدفاع والحماية مع تزايد صعوبة المهمة وتفاقم المخاطر الأمنية ". الخارجية الصينية وحماية الرعايا الصينيين وفي أعقاب اندلاع الاضطرابات في جنوب السودان, طلبت وزارة الخارجية الصينية من السلطات المعنية في جنوب السودان تكثيف الحماية الأمنية للرعايا الصينيين والمنظمات الصينية, وأعربت عن عزمها العمل مع جميع الأطراف المعنية لمساعدة جنوب السودان على استعادة الاستقرار في أقرب وقت ممكن. وأوضحت المتحدثة باسم الخارجية هوا تشون يينغ في مؤتمر صحفي دوري يوم 24 ديسمبر أن السفارات والقنصليات الصينية في الدول والمدن المجاورة لجنوب السودان ستقدم المساعدة فيما يتعلق بالخدمات الاستشارية والإجراءات الجمركية والتنسيق وإعادة التوطين لحماية الرعايا الصينيين لدى جنوب السودان، لافتة إلى أن الخارجية الصينية أصدرت تحذيرا للمواطنين الصينيين من السفر إلى جنوب السودان في المستقبل القريب وطالبت العمالة غير الضرورية بمغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن. وأضافت "إلى الآن، لم ترد تقارير عن وقوع حالات وفاة أو إصابة بين الرعايا الصينيين". ومن جهة أخرى, أعربت الصين عن بالغ قلقها إزاء تطورات الوضع في جنوب السودان وتعهدت بالعمل على دفع المفاوضات بين قبيلتي الدينكا )التي ينتمي لها سلفاكير) والنوير (التي ينحدر منها رياك مشار) قدما. وأشارت المتحدثة إلى أن الصين تحافظ على اتصالات وثيقة مع جنوب السودان والدول المجاورة وكذلك المنظمات الإقليمية وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي. وأكدت "سنعمل مع جميع الأطراف المعنية لمساعدة الفصائل المتحاربة في جنوب السودان على حل نزاعاتها من خلال الحوار والمفاوضات من أجل استعادة الاستقرار في أقرب وقت ممكن". -- خبراء صينيون: أحداث جنوب السودان تجعل الصين في وضع محرج ولفت تشيو لين، الخبير في الشؤون الدولية، إلى أن ثمة خطرا كبيرا تواجهه الشركات الصينية العاملة في مجال التنقيب عن النفط في جنوب السودان في ظل الوضع الراهن. فالحرب الأهلية في جنوب السودان تنعكس على السلام الهش في هذه المنطقة، ومع تصاعد حدة المعارك في هذا البلد الوليد، تجد الصين نفسها في وضع محرج وتستشعر بأنها قد تشهد تكرارا للسيناريو الذي حدث في ليبيا في فبراير 2011 عندما اضطرت شركات نفط صينية إلى الانسحاب من هناك جراء الاضطرابات وتردى الأوضاع الأمنية ". وحسبما ذكر دونغ مان يوان نائب مدير معهد الصين للدراسات الدولية، فإن مسألة ما إذا كان يمكن استئناف المشروعات النفطية التابعة لمؤسسة البترول الوطنية الصينية ((بتروتشاينا)) في جنوب السودان تتوقف على ما إذا كانت الفصائل قادرة على التوصل إلى حل وسط وتحقيق الاستقرار الداخلي، ومن ثم يتعين على الصين أن تسهم بقوة إيجابية في تعزيز المصالحة بين طرفي الصراع في جنوب السودان ودفع الجهود الرامية إلى التوصل لاتفاق حول إعادة تخصيص الموارد الوطنية بغية حل هذه النزاعات. وأكد لي قوه فو، مدير، مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لمعهد الصين للدراسات الدولية، أن المصالح النفطية الصينية في جنوب السودان تأثرت تأثرا شديدا، ولكنها في حد ذاتها ليست كبيرة إذا ما قورنت بإجمالي الواردات النفطية الصينية من أنحاء العالم، ويرجع ذلك إلى أن طاقة إنتاج النفط في جنوب السودان ليست قوية، قائلا إن "قدرة إنتاج النفط الخام الحالية في جنوب السودان تبلغ 500 ألف برميل يوميا، وقد تراجعت بواقع أكثر من نصف الإنتاج بعد تمدد المواجهات العسكرية إلى حقول النفط".