الطيب علي فرح يكتب: *كيف خاضت المليشيا حربها اسفيرياً*    عبد الواحد، سافر إلى نيروبي عشان يصرف شيك من مليشيا حميدتي    المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خارطة طريق .. بين مبادرة أهل السودان وزيارة مبعوث الاتحاد الإفريقي

بقلم: د. خالد حسين محمد مع طرح مبادرة أهل السودان يصل مندوب الاتحاد الإفريقي للسودان لمباشرة أعماله بديلا للمندوب السابق سالم احمد سالم. وهذا يمثل قمة الاهتمام الإقليمي والاهتمام الداخلي، ويمثل ذلك أكثر من 60% من الحل. وسنحاول في هذه القراءة تسليط بعض الإضاءات على جوانب هذه المشكلة علها تكون مساهمة في الحل. مشكلة دارفور بدأت مشكلة بسيطة كما وصفها العقيد معمر القذافي أنها لا تتعدى ( صراع حول جمل) ولكن هذه المشكلة تعقدت بصورة كبيرة ودخلت فيها أطراف متعددة داخليا وخارجيا، أيا من هذه الأطراف له أجندته الخاصة وروآه الخاصة ومطامعه الخاصة، فما لم يجد أيا من هذه الأطراف بعضا مما يسعى إليه لن تحل المشكلة، بمعنى أي طرف لا يجد بعضا مما يدعوا إليه سوف يصبح قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة. لذلك لابد ان يقبل الجميع ببعضهم البعض وان يعترف كل طرف بحقوق الأطراف الأخرى. ومما يساعد في إيجاد الحل ان هنالك قدرا كبيرا من أهل السودان بدأ يدرك خطورة عدم حل قضية دارفور. فالجميع بدأ يدرك الآن ان عدم حل هذه القضية يعني ضياع السودان، أو ( صوملة السودان ) وهذا ما لا يقبله أي عاقل. الأمر الثاني ان جميع الأطراف السياسية في السودان باتت على قناعة تامة انه شبه المستحيل ان يستطيع طرف واحد أو حزب واحد أو توجه واحد حكم السودان منفرداً. ولعل ذلك ظهر بصورة واضحة في إجازة قانون الانتخابات بشبه الإجماع، والذي أدخل فيه لأول مرة نظام التمثيل النسبي. وذلك لان ها النظام يحفظ التمثيل لكل القوى ذات الوزن. وقد أدرك هذا الفهم العقيد جون قرنق منذ فترة مبكرة. وقد ذكر للسيد ناتسيوس ( المبعوث الأمريكي ) ان مشكلته عندما يحكم السودان سيكون في المؤتمر الوطني وذلك لأنهم سيجعلون هذا البلد غير قابل للحكم. وقد أدركت هذا المعنى معظم القوى السياسية ذات الوزن وحتى الحركات المسلحة باتت تدرك ان خلافها مع المؤتمر الوطني لا يمكن حسمه عن طريق السلاح. وحتى المؤتمر الوطني بات يدرك الآن انه من الصعوبة بمكان ان يتسنى له حكم هذه البلاد بصورة مريحة وسلسة مع إقصاء الآخرين. فقد تولدت عند الجميع الآن قناعة القبول بالآخر وان السودان يسع الجميع وفي تقديري ان هذه المسألة تمثل أساسا مهما لحل مشكلة دارفور وبالتالي حل مشاكل السودان. المسألة الأخرى المهمة ان لا تستخدم الرغبة في الحل من الجميع كأحد كروت اللعبة السياسية، بمعنى إذا كان أيا من الأطراف سواءاً كان من المؤتمر الوطني أو أي طرف آخر يستخدم الحل لتسجيل نقاط على طرف آخر أو إبعاد طرف آخر أو هزيمة طرف آخر فلن تحل المشكلة. لان هذه النوايا بسهولة يمكن إدراكها، وان الأجندات تحت الطاولة يمكن معرفتها، فإذا نشأت عدم الثقة عند أي من الأطراف، فان ذلك كفيل بنسف هذا الجو وتفجيره، وذلك لان الجميع مشبع بما يكفي من عدم الثقة في الآخرين. الأمر الآخر والمهم عند تكوين لجان التفاوض ، فلابد ان تكون هذه الوفود مفوضة تفويضا كاملا للبت في أي مسألة، ولعل هذا الأمر هو الذي أدى لإنجاح مفاوضات نيفاشا، عندما كان رئيس وفد مفاوضات الحكومة علي عثمان ورئيس وفد الحركة الشعبية رئيسها جون قرنق. فدرجة التمثيل في الوفود من بداية التفاوض يمكن ان تكشف هذا الأمر. وهو أمر مهم لإنجاح المفاوضات إذا كان بالنسبة للأطراف المتفاوضة وحتى بالنسبة للأطراف الخارجية. لان ذلك يعكس مدى جدية الأطراف في الوصول إلي حل. هذه المقدمة لابد منها لتكون الأمور واضحة ولعها تكون أولى الإضاءات في جوانب هذه المشكلة الشائكة. وسنحاول فيما يلي تناول الأطراف المؤثرة وأطروحاتها وما لابد من أخذه بواسطة الجميع لكي يؤدي إلي نجاعة الحل ، وهذه الأطراف هي: أ. الطرف الخارجي ( العامل الخارجي ) وهذا يشمل: 1. الموقف الدولي. 2. الأمم المتحدة. 3. أمريكا ، بريطانيا، تشاد، ليبيا، ارتريا، إسرائيل . ب. الطرف الداخلي ويشمل: 1. الحركة الشعبية. 2. الحركات غير الموقعة. 3. الحركات الموقعة. 4. منظمات المجتمع المدني ( المجتمع الدار فوري ) ويشمل الأحزاب السياسية وزعماء القبائل والعشائر والإدارة الأهلية. ج. النقاط المختلف عليها وتشمل: 1. وحدة الإقليم. 2. التعويضات. 3. العدالة الجنائية. 4. التمثيل في الحكومة الاتحادية. أولا: العامل الخارجي في تقديري ان العامل الخارجي من العوامل الهمة في خلق مشكلة دارفور. وصحيح ان العامل الخارجي لا يكون مؤثرا إذا لم يجد من يتبني ويقوم بتنفيذ ما يريده. والصحيح كذلك ان الحركات التي تحمل السلاح تجد سندا قويا من العامل الخارجي سواءاً كان بالدعم اللوجستي أو المادي أو العسكري أو الإنساني. كما يمثل عامل ضغط مهم بالنسبة لهذه الحركات على الحكومة. فالتقت مصالح الحركات التي تحمل السلاح مع مصالح العامل الخارجي. ولا يوجد في العالم من يقدم خدمة لوجه الله. فكل من يقدم خدمة لابد ان يقبض الثمن مهما كان شكل ونوع هذا الثمن. والعامل الخارجي ليس طرفا واحدا كما ذكرنا، وليس بالضرورة ان تكون كل مكوناته ينطبق عليها تبادل المنافع. فالموقف الدولي كأحد أطراف العامل الخارجي، هو موقف سياسي عام وربما يكون محايدا فلابد من قراءته بصورة جيدة وذكية، وذلك لان مشكلة دارفور جعلت السودان جزءاً من الموقف السياسي الدولي يتأثر بالأحداث الدولية مهما كانت بعيدة عن حدودنا الجغرافية. الموقف الدولي الآن يشهد تغييرات كبيرة ربما تؤثر في المدى القريب والبعيد في التركيبة الدولية. الصين خرجت من اولمبياد بكين طارحة نفسها كقطب أساسي في المجتمع الدولي. كما ان انتهاء الحدث الاولمبي يمثل إزاحة هم كبير كان على عاتق الصين، حيث كان نجاح أو فشل أو مقاطعة أو حتى سحب الألعاب من بكين يمثل عامل ضغط قوي على الصين. ولا يخفى علينا ارتباط الصين بالسودان من خلال استثماراتها البترولية وغير البترولية. فلا شك ان انتهاء ونجاح الألعاب والاولمبية بهذه الصورة من حيث الحضور الرسمي الكبير ( أكثر من مائة رئيس وأمير وملك ) وعلى رأسهم الرئيس بوش وبوتن وساركوزي وغيرهم يوضح حجم ووزن الصين كعامل وفاعل مهم على المجتمع الدولي. هذا مربوطا بالعلاقات الجيدة مع السودان، يمثل كرتا رابحا ومؤثرا في الحل وان موقف الصين لا يمكن تجاوزه، وسوف يتغير من تلك السيولة والميوعة التي كان يتسم بها الموقف الصيني تحت تأثير الحرص على نجاح الألعاب الاولمبية. الأحداث التي تجري في جورجيا الآن، هي ليست بالتأكيد ( من غير الدخول في التفاصيل) حدث إقليمي يهم منطقة القوقاز، وإنما هو بداية انفجار للمواجهة بين أمريكا وروسيا. حيث أمريكا تعمل على إزاحة روسيا تماما كقطب دولي مؤثر، وتعمل روسيا على استعادة مكانتها المفقودة بعد انتهاء الحرب الباردة. وقد كانت روسيا تعمل في صمت وتخطيط استراتيجي لاستعادة هذا الدور. وقد بدأت بوادر هذا الصراع في أكثر من موقف، سواءاً كان خطاب بوتن في مؤتمر التعاون الأمني الأوروبي، حيث انتقد بصورة واضحة الولايات المتحدة، والقطبية الأحادية، وما جرته من كوارث على العالم. أو كان استخدام الفيتو المزدوج من روسيا والصين ضد المشروعين المقدمين من أمريكا ضد ميانمار (بورما) وزمبابوي. وكانت كل من أمريكا وروسيا تسعى لتحقيق هدفها، ولكن في صمت بعيدا عن المواجهة مع علم كل منهما بنوايا الآخر. ولكن رعونة واستعجال الرئيس الجورجي (ساكشبيلي) ورعونة وغباء بوش، وعدم حسابهم بصورة دقيقة ردة الفعل الروسية، جعلهم يرتكبان حماقاتهما في اوستيا، الامر الذي عجل المواجهة بين روسيا وأمريكا. هذا مقرونا مع الضعف الأمريكي بصورة عامة، حيث تمر أمريكا الآن بأضعف حالاتها في المجتمع الدولي، بالإضافة إلي انشغال أمريكا بصورة كاملة هذه الأيام بالانتخابات الرئاسية. هذا الوضع يوحي بصورة كبيرة بان هنالك نظام دولي جديد بدأ يتشكل وبالتأكيد لن تكون أمريكا هي القطب الوحيد. ولن تنفرد الولايات المتحدة بقطبية العالم مرة أخرى، الا إذا قامت حرب بين روسيا وأمريكا (هذا مستبعد الآن) وتهزم أمريكا روسيا. فقدوم روسيا لاستعادة موقعها كقطب دولي مع الصين مع سياسة الاستقطاب التي سوف تنشأ. فبالتأكيد فان السودان سوف يكون احد تلك المحاور التي سوف يسعى أيا من الطرفين لاستقطابها. كما ان روسيا والصين سيكون لها رأي مخالف في كثير من المواقف الأمريكية . هذا الموقف لابد من قراءته جيدا والتعامل معه بذكاء شديد بعيدا عن المرارات السودانية من أمريكا . بصورة أخرى لابد من إجادة اللعب واستخدام نقاط الضعف والقوة وتوظيفها لصالح السودان . والسؤال الذي لابد من الإجابة عليه هل في مثل هذا الظرف نسعى لحل مشكلة دارفور أم نؤجلها إلي أن يستبين الموقف الدولي ؟ والإجابة على هذا السؤال لا تكون بنعم أو لا انما يتطلب إعمال الفكر والذهن لنصل إلي إجابة تخدم قضية السودان . العنصر الثاني في الموقف الدولي هو الأمم المتحدة . ومعلوم ان الولايات المتحدة اختطفت قضية دارفور من الاتحاد الإفريقي وإحالتها إلي الأمم المتحدة . واستمرت الأمم المتحدة تتعامل مع قضية دارفور وفق المنظور الأمريكي منذ العام 2003م حتى العام 2007م . ولكن حدثت تغيرات كثيرة ضعضعت مكانة الولايات المتحدة وتأثيرها على المنظمة الدولية وأهمها هزيمة أمريكا في العراق ، حيث كان من نتاجها ضعف قبضة الولايات المتحدة على المنظمة الدولية . وقدوم الدبلوماسي الحذق الكوري الشمالي بان كي مون . وكان من نتاج هذه المتغيرات الاتفاق الذي تم بين الأمين العام بان كي مون والحكومة السودانية على حزم الدعم الثلاث في أديس أبابا في نوفمبر 2006م ، وكان الخروج على وجهة النظر الأمريكية بصدور القرار 1769 والذي كان ضد الرغبة الأمريكية البريطانية الفرنسية متمثلة في المشروع المقدم بواسطتهم . القرار 1769 يمثل تحولا كبيرا في قضية دارفور ووجهة النظر الأمريكية . إذ نسخ هذا القرار ، القرار 1706 الذي كان ينص على استخدام قوات دولية نظيفة . إذ تم استبدالها بالقوات الهجين حسب الاتفاق السوداني مع الأمين العام للأمم المتحدة . كما ان القرار 1769 أول قرار يصدر من مجلس الأمن ينص على اختيار الحل السياسي لحل الأزمة . وتحمست الأمم المتحدة ونسقت مع الاتحاد الإفريقي فكانت محادثات اروشا لتوحيد الحركات المتمردة ثم كانت محادثات سرت خطوة في طريق الحل السياسي . ولكن تعثر الحل السياسي بعد ذلك ، لعدة أسباب أهمها تطور الأحداث في تشاد، ودخول فرنسا كلاعب مهم يبحث عن موقع جديد في الخارطة الدولية منذ قدوم ساركوزي. يبقى التنسيق مهم بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي خاصة بعد قدوم مبعوث الاتحاد الإفريقي الجديد . ويكون دور ممثل الاتحاد الإفريقي مهم في هذه المرحلة، وذلك للقبول الذي وجده من الحركات المسلحة والحكومة السودانية الأمر الذي كان قد افتقده سلفه سالم احمد سالم. العنصر الثالث في الموقف الدولي هو الدول المرتبطة بصورة مباشرة مع هذه المشكلة وهي أمريكا وفرنسا وبريطانيا وتشاد وليبيا وارتريا وإسرائيل . وعلى الرغم من ان لكل واحدة من هذه الدول أجندتها الخاصة ، الا انه يمكن اختزال موقف هذه الدول في العامل الأمريكي بمعنى إذا تم تسوية الأمر مع أمريكا فان بقية الدول تابعة لأمريكا ، ومما لأمريكا من نفوذ على هذه الدول يمكن ان تمارس الضغط على هذه الدول وتجعلها تقبل بما تقبل به أمريكا . ينشأ هنا السؤال هل الوقت مناسب الآن للتعامل مع أمريكا لكي تساهم في حل المشكلة وما هي نوايا أمريكا ؟ هل فعلا وصلت إلي قناعة لحل مشكلة دارفور ؟ تعيش أمريكا هذه الأيام حمى الانتخابات الرئاسية ، ومعلوم ان الإدارية الأمريكية هذه الأيام لا تستطيع ان تأخذ قرارات مؤثرة لأنه لم يبق من عمرها الا أربعة أشهر، بالإضافة إلي انشغال الكل في أمريكا بموضوع الانتخابات . ولكن تستطيع الإدارة في هذه الظروف ان تتخذ قرارات إذا كانت تعطي نتيجة ايجابية في الانتخابات أو تؤثر في الناخب الأمريكي. والناخب الأمريكي أصبحت تهمه مسألة دارفور . ولذلك ربما تتخذ الإدارة أو ترغب في الحل السياسي لقضية دارفور وبذلك يمكن ان تنشط الإدارة الأمريكية في هذا الظرف تجاه الحل السياسي . ولكن هل الوقت كافي لحل مشكلة دارفور ( أي الأربعة أشهر ) لا أظن ذلك . ولذلك الاستجابة الآن والتفاعل مع الإدارة الجمهورية الآن في أمريكا يعطيها كرتا رابحا إذا تم التعامل معها. كما أنها يمكن
ان تضغط على الحركات المسلحة والدول الأخرى للعمل في دائرة الحل السياسي لمشكلة دارفور . ومعلوم أن جزء مقدر من الإدارة الأمريكية الآن (الجمهوريين) باتوا على قناعة بأنه لابد أن يكون حل مشكلة دارفور حلاً سودانياً . جاء هذا في آخر تقرير قدمه المبعوث الأمريكي السابق ناتسيوس في شهر أغسطس 2008م . ولكن هل إذا قدمت هذا الورقة الرابحة لأمريكا الآن ، فهل هناك ضمان لفوز الجمهوريين مرة أخرى ؟ والإجابة على هذا السؤال مهمة لأنك إذا قدمت أي دعم للجمهوريين فبالتأكيد لن يقبله الديمقراطيين. كما أن مشكلة دارفور ليست هي الورقة الوحيدة التي تؤثر في الانتخابات الأمريكية ، فهناك كروت أخرى كثيرة ، أهمها في العلاقات الخارجية ، الحرب في العراق . كل الدلائل واستطلاعات الرأي تشير إلى احتمال كبير بفوز الديمقراطيين . هذا فضلاً عن التعاطي الأمريكي مع مشكلة دارفور لم يكن أصلاً من أجل الانتخابات . فهناك تياران في الإدارة الأمريكية الحالية . رأي يستخدم مشكلة دارفور ككرت من كروت الضغط والقوة لذهاب نظام الإنقاذ ، وذلك عن طريق القوة وليس عن طريق التفاهم . ورأي آخر يرى ذهاب الإنقاذ ولكن عن طريق تفكيك النظام من الداخل . ويرى هذا الرأي أن يتم حل مشكلة دارفور عن طريق الحل السياسي في إطار تجميع (المهمشين) وخوض الانتخابات القادمة ككتلة واحدة ثم إسقاط النظام عن طريق الانتخابات . ولا يختلف الديمقراطيين عن الجمهوريين كثيراً ، ولكن الراجح أن الديمقراطيين سوف يتبنون شعار ذهاب الإنقاذ عن طريق تجميع المهمشين ، وذلك استنتاجاً من الشعارات التي يرفعها المرشح الديمقراطي باراك أوباما ، والذي يتبنى الطرق السليمة في العلاقات الدولية وعدم إرسال جنود أمريكان خارج الولايات المتحدة . هذا التحليل يوضح جوانب الضعف والقوة في الدور الأمريكي وتقاطع المصالح الداخلية وهي بلا شك تؤثر على السودان ولذلك لابد من التفكير الذكي للتعاطي مع الدور الأمريكي والإجابة على الأسئلة المهمة . هل نسير في حل القضية الآن أم يتم الانتظار لما بعد الانتخابات ؟ الإجابة مهمة ولكن لابد أن تكون بعد تفكير وتحليل عميق. تبقى الإشارة إلى تشاد كعنصر من عناصر الدور الخارجي . والمهم في مشكلة تشاد أنه لابد من أخذ حل مشكلة دارفور مع حل مشكلة تشاد الداخلية . فإذا حل أياً من المشكلتين بعيداً عن الأخرى فلن يكون الحل نهائياً وسيبقى قابلاً للانفجار في أي لحظة . ومن هنا تأتي أهمية الدور الفرنسي والتي تحتضن عبد الواحد كأحد الكروت المهمة في حل مشكلة دارفور . لذلك لابد أن يكون حل مشكلة تشاد مربوطاً مع مشكلة دارفور مع أخذ العامل الفرنسي في الاعتبار . ثانياً : الطرف الداخلي ويشمل الحركة الشعبية والحركات غير الموقعة ومنظمات المجمع المدني . تمثل الحركة الشعبية من أهم عناصر المحور الداخلي. وذلك أن الحركة الشعبية . ساهمت بصورة فعالة في دعم الحركات المسلحة وما زالت ، وإن كانت أهدافها تختلف من مرحلة إلى أخرى . ففي مرحلة التمرد كانت الهدف تشتيت جهود الحكومة وإضعافها وخلق جبهات قتال في مختلف أنحاء السودان لتخفيف الضغط العسكري الذي كانت تمارسه الحكومة عليها. أما بعد توقيع نيفاشا فإن الهدف من دعم الحركات المسلحة ينسجم مع دور الحركة الشعبية . فالحركة الشعبية تُستخدم بواسطة الولايات المتحدة لتفتيت النظام من الداخل . كما أن أحد أهداف وسائل الإدارة الأمريكية لتفتيت النظام من الداخل تجميع (المهمشين) في تجمع واحد وخوض الانتخابات ضد المؤتمر الوطني وبالتالي إسقاطه . وقد أوكل أمر التجميع للحركة الشعبية . ولذلك كان سعي الحركة الشعبية لدعوة الفصائل التي تحمل السلاح إلى جوبا ، وحتى الشيخ موسى هلال . وذلك ليس للمساهمة في حل أزمة دارفور فقط وإنما للتنسيق الكامل مع هذه الحركات مستقبلاً . وعلى الرغم من عدم نجاح الحركة في مسعاها هذا ، إلا أنها حققت بعض النجاح . ومهما كانت أهداف الحركة غير المعلنة فلابد من تشجيعها في القيام بدور التجميع . وذلك لأن تحقيق الأهداف غير المعلنة ستحكمه صناديق الاقتراع . كما أن الحركة إذا فكرت بعقل ستجد أن أفضل حليف لها في الانتخابات هو المؤتمر الوطني. وهذا ما سوف نتحدث عنه في تحليل قادم عن أفضل الخيارات للسودان في التحالفات في الانتخابات القادمة . هناك أمر مهم يتعلق بالحركة الشعبية . وهو أن نموذج نيفاشا هو ما تطالب به الحركات مثل قسمة الثروة والسلطة والتمثيل في الحكومة الاتحادية . فعلى الحركة الشعبية أن تعلم أنها شريك في الحكم وتتعاطى مع قضية دارفور من هذا المنظور . كما أن اتخاذ نموذج نيفاشا نموذجاً يتطلب فتح ملف نيفاشا . لذلك على الحركة أن تكون على استعداد لقبول هذا الأمر إذا كانت فعلاً جادة في حل مشكلة دارفور . كما أن التذرع بأن نيفاشا أصبحت جزءاً من الدستور غير مقنع . كما أن الدستور نص على آلية التعديل فليست هناك مشكلة . بالإضافة إلى ذلك إذا كان تعديل الدستور يمثل أحد الحلول فلا أعتقد أنه يكون ثمناً غالياً لحل مشكلة السودان . ولتعلم الحركة كذلك أن أحد تعقيدات قضية دارفور أن نيفاشا أصبحت جزءاً من الدستور . وعلى الرغم من هذه التضحيات وتقديم مصلحة الوطن المطلوب من الحركة الشعبية ، إلا أن تصريحات باقان أموم الأخيرة والتي صرح بأنه يمكن فتح نيفاشا . وفي تقديري أن هذا الأمر يتسق مع الدور الموكول للحركة الشعبية في تجميع الحركات والدخول بها تحت تحالف واحد في الانتخابات القادمة . كما أن رفض الحركة الشعبية لفتح نيفاشا سيجعلها في موقف حرج ويضعف مصداقيتها أمام الحركات التي تحمل السلاح . تمثل الحركات غير الموقعة أحد الأضلاع المهمة في الطرف الداخلي، لأنها هي التي تحمل السلاح وهي التي تمثل العنصر الأساسي في عدم الاستقرار الأمني إضافة إلى أنها تمثل الأداة التي يستخدمها الطرف الخارجي لتحقيق أهدافه الخاصة. إن مشكلة الحركات غير المسلحة تكمن في انقسامها وتشطيرها على حركات فاقت الثلاثين حركة. وتتراوح مطالب هذه الحركات بين رفع المظالم عن دارفور والمطالبة بحكم ذاتي وبين من يستخدم قضية دارفور لحل مشكلة كل السودان. هناك خياران للتعامل مع هذه الحركات . فالخيار الأول يمكن التعامل مع الحركات الرئيسية والمؤثرة وتترك بقية الحركات وبفعل الزمن تتلاشى الحركات غير المؤثرة . هذا النموذج كان قد استخدم في حل إشكالات حركات أخرى في إفريقيا وكان ناجعاً . الخيار الثاني هو تجميع هذه الحركات تحت جسم واحد ومطالب واحدة. وهو أفضل الخيارين . وكان من أسباب نجاح نيفاشا أن الحركة الشعبية كانت جسم واحد وتحت قيادة واحدة على الرغم مما نعلمه من خلافات داخل الحركة الشعبية . وينشأ هنا السؤال التالي : هل يمكن تجميع الحركات التي تحمل السلاح في جسم واحد ؟ كل من ناقشته أو ما اضطلعت عليه تتراوح إجابتهم بين الصعب والمستحيل . وقد تمت مجموعة من المحاولات لتوحيد الحركات في أروشا بواسطة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ، وفي جوبا بواسطة الحركة الشعبية وفي تشاد بواسطة إدريس دبي . ولكن كل هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح. وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر ، لكنني أعتقد أنه من المسائل التي يستحق أن يبذل فيها جهداً داخلياً وخارجياً وحتى مادياً ، لأن ذلك إذا تم سيكون أحد العوامل التي تؤدي لنجاح المفاوضات وتؤدي للحل النهائي للمشكلة . يأتي بعد ذلك أمر مهم يتعلق بهذه الحركات وهو تقاطع مصالحها مع أطراف أخرى. بمعنى أن الحركات التي يتم معها التفاوض وهي التي تستأثر بالمال والسلطة وذلك على حساب منظمات المجتمع المدني من قبائل وأحزاب وغيرها. لذلك لابد أن تفكر هذه الحركات في دارفور والسودان وليست في مصالحها الخاصة أو مكاسب أعضائها. لذلك لابد أن تكون على استعداد لإشراك الآخرين لأنها إذا لم تفعل ذلك فسوف يتم تبادل المواقع فتذهب هي للسلطة وستحمل بقية المنظمات (قبائل وأحزاب) السلاح. ونكون كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا. تمثل الحركات الموقعة أحد الركائز المهمة للحل . وهي بلا شك قد قبلت الحوار ووقعت على اتفاقيات أبوجا . وعلى الرغم من التململ من هذه الحركات وشكواها في عدم الإسراع بتنفيذ الاتفاق . إلا أن أبوجا تبقى إطاراً للحل . واعتقد أن هذه الحركات أصبحت أقرب للقبول بهذا الأمر . على الرغم من وجود بعض المتشددين داخلها الذين لا يقبلون بإدخال (شولة) في أبوجا كما كان يردد يان برونك ثم تنكر لذلك. سوف تكون بالتأكيد بعض الخسائر بالنسبة لهذه الحركات إذا تم فتح أبوجا ولكن على كل الأطراف أن تراعي ذلك . فلأن الحركات الموقعة تتمتع بإدارة السلطة الانتقالية والتمثيل بالنسبة لدارفور. فعلى الرغم من طلبنا للتضحيات في سبيل دارفور والسودان ولكن كذلك لابد من الأخذ في الاعتبار تقليل الخسائر بالنسبة لهذه الحركات. الضلع الأخير والمهم في الطرف الداخلي منظمات المجتمع المدني وأهمها زعماء القبائل والعشائر والإدارات الأهلية والأحزاب السياسية. هذه المجموعات تعمل الحركات المسلحة للإحلال مكانها . فمع الحركات المسلحة يتم التفاوض والحركات المسلحة هي التي تكافأ بالسلطة والثروة. وفي تقديري أن الأمر بهذه الصورة لا يستقيم . لذلك عند النظر في حل المشكلة لابد من الأخذ في الاعتبار أدوار الجميع . فإذا كان أحد يفكر في أخذ مكان الآخر فسوف يتم تبادل الأدوار . وفي هذه الحالة لن تحل مشكلة دارفور . هناك فصيل مهم في منظمات المجتمع المدني وهو القبائل العربية . فالخارج صور المشكلة بأنها نزاع بين العرب والزرقة. وأوكامبو الأخرق أدعى بأن القبائل العربية والحكومة تمارس الإبادة الجماعية ضد الفور والمساليت والزغاوة. كما أن هناك الكثيرين يعتقدون أن الحكومة تنوب عن القبائل العربية. الأمر الذي جعل بعض منسوبي هذه القبائل يلجأ لإنشاء حركات مسلحة أو يلتحق بإحدى الحركات حرصاً منهم لإدراك بعض الكيكة. لذلك ما لم يقبل الجميع ببعضهم البعض وأن لا يكون الحل متجاهلاً أحداً أو على حساب أحد . بمعنى لابد أن يكون التفاوض مع جميع الحركات المسلحة والحركات الموقعة والقبائل جميعها بدون استثناء والأحزاب السياسية. بمعنى أن الحل لابد أن يسع الجميع. وإذا تم تجاهل أياً من هذه المكونات فستكون قنبلة موقوتة تنفجر في أي لحظة. وأجمل وأروع ما يعبر عن ذلك ما يعرف بالحوار الدارفوري الدارفوري. فلابد في هذا الحوار من دعوة الجميع وأن يستوعب الحل الجميع وأن تكون قسمة السلطة والثروة للجميع. ثالثاً: تبقى النقاط محل الخلاف أهم الأضلاع التي يفترض إعمال الفكر والذهن فيها وقد تحتاج إلى حلول عبقرية إذا لم تكن موضوعية. أهم هذه النقاط وحدة الإقليم . فهناك من يرى بأن الحل في الإقليم الواحد وهناك من يرى بعدة أقاليم أو ولايات. بل هناك من يذهب للدعوة بزيادة عدد الولايات . ولكلٍ وجهة نظر ما يدعمها من المنطق والتاريخ . وهناك مخاوف ، أهم هذه المخاوف من وحدة الإقليم النموذج غير السار الذي قدمته الحركة الشعبية في إدارتها للجنوب على الرغم من النصوص الواضحة في اتفاقية نيفاشا. فالحركة الشعبية قدمت نموذجاً سيئاً في إدارتها للجنوب بأن جعلته أشبه بالدولة المنفصلة. هذا النموذج السيئ جعل الكثيرين يتخوفون على وحدة السودان . هذا مقروناً مع كثير من الخطط السرية التي تخطط في الخارج لتقسيم السودان إلى عدة دول. مما جعل كثير من الحادبين على وحدة السودان يتخوفون من هذا المطلب . ولكن إذا تم الاتفاق على بعض الثوابت كالحكم الفيدرالي واعتبار رأي الأقليات كعبقرية التمثيل النسبي وأن تجد كل أقلية نفسها ، سيبدد كثير من المخاوف . ولا أعتقد أن ترك الأمر للاستفتاء سيكون هو الحل . مهما كانت عدالة الديمقراطية فإنها ستعطي الأغلبية. ولكن في تقديري أن ما حدث من تغيرات في السودان يجعل الاحتكام للأغلبية غير مجدي في الحل. وهذا ما جعل قانون الانتخابات يدخل التمثيل النسبي، والذي كان يمكن أن ترفعه الأحزاب الكبيرة إذا كانت تغلب مصالحها الشخصية، ولكنها أدركت تعقد الأمر في السودان لذلك كان شبه الإجماع على قبول قانون الانتخابات. في هذا الأمر نحتاج إلى تراضي لحسم مشكلة الإقليم . أما الأمر الآخر الذي عليه خلاف مسألة التعويضات . الجميع يتفق على التعويضات لكن الاختلاف في هل تكون التعويضات فردية أم تكون في شكل خدمات جماعية. ولكل من الرأيين منطقه وما يدعمه. فأهم دفوعات
من يرفضون التعويضات الفردية يخشون من أن تكون سابقة وسنة وتشجع على حمل السلاح . فكل من يريد مالاً من الحكومة يمكن أن يحمل سلاحاً ويهدد الأمن ويخرب الأقاليم ثم يأتي ويطالب بالتعويضات. وعلى الرغم من وجاهة هذه الحجة . إلا أن هناك تعويضات لابد أن تدفع بصورة فردية أهمها الديات. فهذه بالإضافة إلى أنها جبر للضرر الشخصي فهي أحد موروثات دارفور والتي يمكن أن تساهم في حل المشكلة . وأما الذين يدعون للتعويض الفردي فلهم حجة قوية ومنطقية وهي أن كثير من الناس فقدوا كل ما يملكون وأصبحوا نازحين داخل المعسكرات ، فإذا أردت لهم الاستقرار فلابد من ان تدفع لهم ما يمكنهم وما يعينهم على تجهيز المأوى وإعداد وسيلة لكسب العيش لكي ينتفي النزوح واللجوء إلى المعسكرات ويدعو للاستقرار . فهذه حجة منطقية ووجيهة . وحلها يكمن في تجهيز قرى نموذجية وإعداد مشاريع جماعية استثمارية سواءاً كانت زراعية أو رعوية ويتم الصرف على مدخلاتها لعام أو عامين كما حدث في تعويضات سد مروي . وبذلك نكون قد تجنبنا تسليم النقود في الأيادي والتي قد تصرف في غير محلها فبعد نفادها تطل المشكلة من جديد لا سكن ولا وسيلة كسب عيش. فبإقامة القرى النموذجية وإقامة المشاريع والجماعية والصرف عليها لمدة عام أو عامين نكون قد حققنا التعويض الفردي بصورة غير مباشرة. أما التعويضات في شكل خدمات وبنى تحتية فهذه لا خلاف عليها . كما أن الكل يتفق إذا كان المال يحل مشكلة دارفور فالنشتري القضية . وذلك لأن ما يصرف على الحرب أكبر بكثير من ما يصرف على التنمية الخاصة والعامة . فالأولى تحرق وتنتهي وتحتاج إلى تجهيز أموال أخرى، والثانية أو الصرف على التنمية يبقى وينمو. والمسألة قبل الأخيرة والتي عليها خلاف فهي مسألة العدالة الجنائية . الكل يتفق على العدالة الجنائية وتحقيقها ولكن الخلاف في التطبيق . في هذه المسألة هناك مسلمات لابد أن يقبل بها الجميع . منها أن تحقق العدالة على الجميع ووفق القانون سواءاً كان رئيساً أو خفيراً ، ولكن كل ذلك وفق القانون . ووفق القانون هذه مهمة بكل ما تشمله كلمة القانوني من معاني. ومنها لابد من التسليم بمبدأ دفع الديات، وذلك وفق القانون، أو بمعني كل من قُتل خطأ أن تدفع ديته وذلك لأن دم المسلم لا يضيع هدراً والدولة ضامن ذلك . هذا بالإضافة إلى مبدأ دفع الديات هي من موروثات هذا الإقليم ولعلها من الخصال الحميدة عند أهل هذا الإقليم ، فلو كانت خصلة الثأر هي السائدة لدخلنا في إشكال حقيقي ولتعقدت مشكلة دارفور أكثر مما هي معقدة الآن. تبقى بعد ذلك المظالم ما دون القتل فهذه لابد أن تشملها روح التراضي ولنا في النموذج الجنوب إفريقي خير مثال. تبقى المسألة الأخيرة هي مسألة المشاركة في السلطة على المستوى الاتحادي. وهذه بصورة عامة ليس فيها خلاف على أسس موضوعية ، كالتمثيل بنسبة السكان وغيرها . ولكن ينشأ الإشكال في المطالبة بمنصب نائب الرئيس . وهذه سوف تواجه بمشكلة نيفاشا التي حددت نائبين فقط للرئيس فإذا أردنا زيادة نواب الرئيس وذلك لان هناك أقاليم أخرى في السودان، فلابد ان تكون النظرة للحل في إطار السودان الشامل ، فلابد من فتح نيفاشا وذلك لان نيفاشا أصبحت جزء من الدستور . فهذا يتطلب موافقة الحركة الشعبية وتوفير مطلوبات الدستور للتعديل . ومن المهم ان يكون هناك نائب للرئيس يختاره الرئيس بنفسه . فلا يعقل ان يكون كل نواب الرئيس مفروضين عليه . ففي كل الدنيا يختار الرئيس نائبه الذي يساعده والذي يثق فيه ويعتمد عليه. كما ان العبقرية التي جاءت بكبير مستشاري الرئيس لتجنب إشكالات نيفاشا لن تعجز بان تأتي بغيرها. لكن المهم عدم التمسك بالاصطلاحات كنائب الرئيس. من كل ما سبق آمل في ان يكون أعلاه سياحة ذهنية بحثية تحليلية تصلح لان تكون خارطة طريق لمبادرة أهل السودان وللمبعوث الإفريقي الذي بدأ مباشرة أعماله ، ولكل أهل الشأن والمهتمين بالأمر وان تكون ورقة بداية لنقاش جاد يعمل فيه أهل الفكر والدراية والتجربة عقولهم . وذلك لان مشكلة دارفور تعقدت لدرجة كبيرة وتحتاج لحلول عبقرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.