لا ادرى لماذا ينكر بعض قيادات الاحزاب حقيقة وجود مذكرات احتجاج داخلية؟ فى اعتقادى ان هذا عمل طبيعى جدا فى الممارسة الحزبية. فقواعد الاحزاب، او الاعضاء، سواء كمجموعات، وكتل، او حتى على المستوى الفردى، يمكنهم ان يرفعوا مذكرات الاحتجاج لقيادة الحزب، ويمكن لكل عضو ان يكتب مذكرة بنفسه ثم يشرع فى استقطاب تاييد زملائه فى الحزب، ويمكنه ان يعلن ذلك فى الصحف اليومية، ويمكن لاعضاء الحزب فى البرلمان ان يقوم اى واحد منهم بكتابة مذكرة احتججاج وتوزيعها على اعضاء حزبه فى البرلمان ليستقطب دعم عدد منهم ومن ثم رفعها الى قيادات الحزب لتتبناها ومن ثم تشرع فى محاولة تمريرها وذلك باقتراح مشروع قانون للقيام بعمل فى مصلحة البلاد، او لايقاف عمل يضر بمصلحة الوطن. كل هذا عمل طبيعى، ومشروع، ومرغوب، وفى الحقيقة يمكن القول ان المذكرات هى الوسيلة الوحيدة للعمل الديمقراطى، وهى البديل الحضارى للخطابة والخطب الرنانة التى تستهدف اثارة العواطف وتستمطر التصفيق والهتاف. العمل الحزبى الصحيح لا يفترض ان رئيس الحزب هو الكل فى الكل، أو أنه أعلم الناس، وأفهمهم، وأعرفهم. فالصحيح هو التسليم بان الحزب يقوم على افكار واهداف متفق عليها، وأن اعضاء الحزب قد يختلفون فى مسائل كثيرة فى تفاصيل الاهداف، وايضا قد يختلفون حول افضل الوسائل وانسب السبل لتحقيق اهداف الحزب، وان الطريقة الوحيدة لحسم الخلافات انما هى باستطلاع اراء الاعضاء(التصويت). وها نحن نرى كيف ان الحزب الجمهورى الامريكى يبدأ بالتجهيز لانتخابات الرئاسة بفتح باب المنافسة بين اعضائه لينال احدهم شرف تمثيل الحزب. فالعالم الان يتابع المنافسة بين السيد (رومنى) والسيد (قنقرتش) والسيد (سانتورام)، وكلهم اعضاء فى الحزب الجمهورى، وكلهم يطمح فى ان يؤيده اعضاء حزبه، الجمهوريين، وينال ثقتهم ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئيس الولاياتالمتحدة القادم، ومن ثم يكون المنافس للرئيس اوباما فى الانتخابات التى سوف تجرى فى نهاية هذا العام. اثناء هذه الانتخابات التمهيدية، التى تجرى بين اعضاء الحزب الواحد، يقوم كل واحد من هؤلاء بالدعاية لنفسه ليثبت لقواعد الحزب الجمهورى بانه افضل من يعبر عن اهداف الحزب، و يقوم كل واحد منهم بانتقاد الاخر وتاريخه وسياساته المتوقعة، حتى يتمكن احدهم من اقناع اغلب اعضاء حزبه بانه افضل المرشحين وانه سوف يستطيع ان يهزم الرئيس اوباما (والذى هو مرشح الحزب الآخر) فى الانتخابات القادمة. هذه هى الطريقة الوحيدة للعمل الحزبى فى الديمقراطية، فليس هناك مرشح الحزب للرئاسة يختاره عدد محدود من القيادات ليتم فرضه على القواعد، وليس هناك مرشح للحزب يجئ من فراغ، او من اشارة من زعيم طائفة، او حتى من مجموعة محدودة تدعى انها (اهل الحل والعقد) . فالثابت ان كل فرد فى الحزب له الحق فى ان يرى انه احق بتمثيل الحزب، وله الحق فى ان يختار رئيس الحزب او ممثل الحزب فى انتخابات الرئاسة. كما ليس هناك سياسة يفترعها عضو واحد، اوقانون يشرعه عضو واحد، او قانون يبطله عضو واحد. وبالرجوع الى مذكرة اعضاء حزب المؤتمر الوطنى كمثال، نقول: ان هؤلاء الذين كتبوا المذكرة لديهم اراء محددة حول اداء حزبهم الذى يحكم البلد حاليا، ولديهم انتقادات لبعض السياسات، او لبعض اعضاء الحزب القياديين، فكتبوا مذكرة، واداروا حولها حوار، ويحاولون استقطاب دعم اعضاء آخرين فى الحزب، ويقولون ان عددهم وصل الف عضو، ولا ادرى اين المشكلة فى كل ذلك، ولا ادرى لماذا يقول الرئيس البشير بان هؤلاء تجب محاسبتهم!!! فى الحقيقة كان ينبغى على الرئيس البشير ان يقول باننا استقبلنا المذكرة من بعض اعضاء حزبنا، ونحن نهتم بها، وقد شرعنا فى دراستها، واذا وجدنا ان المطالب الواردة فى المذكرة تتوافق مع اهداف، ووسائل، الحزب، كما تراها القيادة الحالية، قبلناها، واذا رات القيادة خلاف ذلك فان الفرصة متاحة للذين رفعوا المذكرة لمحاولة تغيير القيادات الحالية وفق العمل الديمقراطى. ثم انه من الطبيعى جدا ان يتجه كل سياسى لينشر اقواله فى الصحف، فليس هناك سر فى محاولة اصلاح سياسة الدولة، كما ليس هناك سر فى كشف فساد فى اجهزة الدولة. اعتقد ان العمل الحزبى يعطى الحق لكل عضو فى المؤتمر الوطنى ان يكتب مذكرة، ليطالب بخطوات يرى انها فى مصلحة الحزب والوطن، ثم يحاول ان يجمع توقيعات اعضاء الحزب الاخرين، واعتقد ان اى عضو يمكنه ان يكتب مذكرة يقول فيها بانه لا يريد ان يكون الرئيس البشير هو مرشح الحزب، مثلا، وانه يرى بان فلان الفلانى هو الانسب ليكون مرشح الحزب فى الانتخابات القادمة، بل اعتقد بانه من الطبيعى جدا، ان يشرع فلان الفلانى هذا فى الدعاية لنفسه من خلال انتقاد الرئيس البشير، وتوضيح ان سياساته او طريقة حكمه ليست فى مصلحة الحزب والوطن. هذه الممارسة تتوافق مع قيم الدين، ومع قيم الاخلاق، فليس هناك فرد فوق القانون. هذا ما ينادى به الاسلام، والمسلمون اجدر بان ينتهجوا نهج الحق والعدل. لا شك ان الرئيس البشير سوف يغضب ويثور اذا تجرا احد من اعضاء حزبه ليقول له مثل هذا القول، ولا شك انه سوف يهرع للجنة افتاء، او رابطة علماء، او (اخونا عبد الحى) لاصدار فتاوى لتكفير من يقول بمثل هذا القول، وسوف نسمع من هؤلاء الكثير من الجعجعة التى يبذلونها علينا صباح مساء لجعل كرسى الرئيس البشير وثيرا من تحته. ولكن كل ذلك لا يغير من الحق شيئا مهما طال الزمن، فالحكم الديمقراطى آت (كان على ربك حتما مقضيا). نقول ذلك ونتمنى ان نسمع عن المذكرات، والتوقيعات، وليس الهتافات والخطب الرنانة، من كل الاحزاب الاخرى. ابوبكر بشير الخليفة 13/2/2012