يا لفجيعتنا فيك،،،،، ويُتم الوطن من بعدك. تلك الليلة،،، أمسى ملايين محبيك ينبشون قواميس اللغة. ينقبّون في دواوين الشعر وكتب البلاغة. عن كلمات تصور لوعتهم. وينتقون مفردات تعبّر عن حزنهم. ويبحثون عن لغة تحاكي وجع الوطن،،،، ويُتم الناس بعد رحيلك. عجزت لغة الكلام،،، وحار النثر،،، وانعقد لسان الشعر. من أين للحروف أن تقول معاني تحيط بفارع قامتك! ومن أين للقوافي أن تساوق الشموخ الباذخ في محياك ومماتك! يا لجرح الوطن فيك،،، هذا الهرم "الجالس مهذباً أمامه". يخوض معاركه ببسالة فارس من رماة الحدق. ويهز قضبان سجون الطغاة بأناشيده السماوية. يرحل مشوقاً إليه "من غير زاد" كلما قذفوا به إلى المنافي. فأينما يمم بعيداً عنه نازعته إليه نفسه،،، لأن في بعده "كل الأرض منفى". "يرطن" باسمه كعاشق مستهام مسكون بحبه "حقيقة ومجاز"،،، يردد حلمه في "وطن حدادي مدادي"،،،، "شامخ وعاتي"،،، وطن حر وديمقراطي نشيده قيم التقدم والحرية والعدالة والمساواة. ملئ إهابه الجمال المجدول في عروق عصبه،،، والحب الناشب في أحشائه "ماميل سار كسين كيلك دووكا"،،، يناغيه في يفاعة صباه،،، ويتغنى به في مشيبه: "نلون وركنقون أوق ارقا كاجيقكا". يعرك الحياة لحد الثمانين بإباء الأحرار،،،، وكبرياء النيل حين يجيش شامخاً فيفيض لحد "القيف" على ضفتيه،،، وبالصدق المغروس في فطرته،،، وبالحق الصريح الرقيق كنسمة "المسري"،،، الجارح كنصل السيف،،، وبالفن العبقري االذي يساكن دم الشرايين ونخاع العظم وأنفاس الروح. هذا اليتيم القادم على الدنيا من بلدة صواردة في الريف النوبي. يدفع قدميه النبوغ،،، يحمل على ظهره طنبوره،،، ويضم بين جنبيه ميراث نوباتيا،،، وأشجان السكوت،،، وإلهام النهر القديم. يصعد درج المجد كما الخيل العتاق،،، ويفترش صهوة الخلود ملكاً متوجاً على عرش من نسج السحر في أوتار قيثارته.
يا لفجيعتنا فيك،،، يا وردي ويا لوجع الناس ،،،، ويتم الوطن بعد رحيلك. خذلتنا قواميسنا. سندفن نثرنا وشعرنا،،، ونلوذ بفنك،،، نفتق لآلئ أغانيك،،، ونستنطق جواهر ألحانك،،، ونصكّ من نار أحزاننا "بردة" مرثيتك.
كلما أحرقنا اليُتم تدثرنا بالعزاء المبذول في صحائف أيامك،،، وكلما تكالبت علينا الأحزان تداوينا بالفرح الكامن في روائع شدوك،،، وكلما أوهنت عزائمنا الأيام،،،، استلهمنا الحماسة من العناد العبقري في سيرتك.