[email protected] اليوم فقط عادت الخرطوم إلى ألقها القديم ووجوه أبنائها النيرة تتلألأ وهي تهتف بتحرير هجليج ، ذلكم الحدث الذي أحسبه كان فارقاً بين فترة الغفلة والركون إلى الأرض وبين عودة الوعي وخروج المارد من قمقمه ، اليوم توحد وجدان الشعب السوداني قاطبة بعد أن غشيته ضبابات نيفاشا التي كادت أن تغلفه بغلاف الإستسلام والخنوع.. إن أهم درس خرجنا به من تجربة إحتلال هجليج أن الشعب السوداني لا خيار له سوى توافق الجميع على ثوابت وطنية جامعة ظهرت ملامحها في الخروج العفوي للشوارع بعد سماع نبأ تحرير هجليج ، اليوم فقط أطمأنت نفسي على وحدة الهوية السودانية التي تجلت في الفرحة العارمة لتحرير جزء عزيز من بلادنا أراد الأعداء أن يكون خميرة عكننة لشق الصف الوطني ومن ثم حدوث إختراق للجبهة الداخلية تمكن من إحداث الفوضى الشاملة ليتسنى لهم الهيمنة ... ولكن هيهات فقد قلب الشعب السوداني الطاولة فوقهم ورمى بمخططاتهم الخبيثة على وجوههم ... اليوم إطمأننت على هويتنا السودانية وأنا أشاهد أطفالنا ونساءنا وشيوخنا وقادتنا يهتفون ويرددون الأهازيج في تلاحم ندر أن تجده في دولة أخرى غير السودان ... لقد تحرك أهل السودان اليوم بعفوية خالصة وكأنما هناك مناد نادى فيهم أن حي على الإحتفال وحي على الإبتهاج بإنتصار جنودنا الأبطال في هجليج ... اليوم فقط زالت الغصة عن حلوق السودانيين بعد تحرير أرضهم التي أحتلت بواسطة الحركة الشعبية وعملاءها في إعتداء غادر قصدوا به تركيع الشعب السوداني ليخرج على حكامه مجبراً ، كما بين الساذج عرمان في بيانه الهزيل الذي أراد به تجميل وجه الدولة المعتدية وتبرير عدوانها. إن من أهم الفوائد التي خرجنا بها من تجربة إحتلال هجليج هي ثقة الشعب السوداني في جيشه ذلكم الجيش الذي أثبت مما لا يدع مجالاً للشك ، مهنيته العالية التي حسمت المعركة بإقتدار وتمكن ، فالمعركة لم تكن معركة عادية ولا حرب تقليدية كما كان في السابق إبان معارك الجيش السوداني مع متمردي الجنوب فتلك كانت حرب عصابات داخل غابات وكانت الطبيعة تحارب مع تلكم العصابات ، أما في معركة هجليج فالأمر مختلف والمهمة كانت معقدة بسبب طبيعة المنطقة ، فهي كما تعلمون منطقة بترول بمنشآته الباذخة التكلفة وهي منطقة إستراتيجية تمثل الشريان الذي يمد السودان بالحياة لإقتصاده ، في منطقة كهذه لابد من ضبط معادلة الهجوم بحيث لا تتأثر هذه المنشآت الحيوية وفي نفس الوقت ضرورة إجلاء المعتدين عنها ، خاصة وأنهم إتخذوها دروعاً لهم ضد الهجمات الجوية وضد الضربات المدفعية للجيش السودان .. هنا تجلت العبقرية العسكرية السودانية في إبتكار خطة وتكتيك غير مسبوق لإدارة المعركة مما أدهش الأعداء وجعلهم يتخبطون بين قتيل وأسير ، مع سلامة معدات البترول المعقدة التكوين... بتحرير هجليج على هذه الطريقة أثبت الجيش السوداني أنه مؤسسة راسخة لم تغيره تقلبات السياسة ولا أخطاءها المحبطة بل زادته هذه التجربة خبرة فوق خبرات إكتسبها عبر مشواره الطويل دعمتها عقيدة قتالية لا تعرف الهزيمة... الفائدة الأخرى التي خرج بها الشعب السوداني هي صقل حميته تلك الحمية التي تأبى الضيم ، ظهر ذلك في الغضبة الجماهيرية الهادرة التي عبرت عنها كل مكونات الشعب السوداني بنخبه ومبدعيه وكافة قطاعاته بخروجهم العفوي وعلامات الفرح البادية على ثغورهم وهم يهتفون لجيشنا الأبي ، ظهر ذلك في أغاني الحماسة التي شنف مطربو السودان بها آذاننا ونحن نسهر معهم على قناة النيل الأزرق نعم لقد أثاروا فينا الحمية السودانية ونحن نراهم يغنون وعليهم لامات الحرب ، أين يرى منظراً كهذا في بلد غير السودان حتى الطرب والرقص فيه ينضح فروسية ورجولة... سادتي هؤلاء هم أبناء السودان (أخوان فاطنة) عند الحارة جنوداً كانوا في الميدان أورجالاً ونساءاً وأطفالاً في الشارع أوفنانين ومطربين يغنون حماساً وفخراً بمجد السودان وببطولة رجاله... لقد كتبت مقالاً قبل أيام من تحرير هجليج بعنوان (أوتحسبون قتال أخوان فاطنة اللعب ) ، ذكرت فيه أن المخطط الذي دبره أعداء السودان الغرض منه إستئصالى بإفتعال معارك في الأطراف لخلق فوضى في الوسط ليتمكنوا ساعتها من إحكام قبضتهم على السودان كله ، ولكني راهنت على أخوان فاطنة ولم يخب رهاني لأنني كنت متيقن أنه عندما يتهدد الخطر بيضة السودان لن يتخلف أحد عن المعركة معارضاً لهذه الحكومة أو موالياً ، فأخوان فاطنة يعرفهم أعداءهم قبل أصدقائهم بأنهم صعب المراس ، يستخفون بالموت وكما قال مغنيهم : وكتاً قريب ما بعيد السوداني الموت عندو عيد ... هذي حقيقة شهد بها (تشرشل) وهو يرى السوداني يندفع نحو الموت كما يندفع الحبيب لملاقاة حبيبه ، شهدناها بأنفسنا والسوداني يقابل المعركة ضاحكاً مستبشراً ، شهدناها في مسيرات اليوم وأطفالنا يحملون السيف والسكين في رمزية لجاهزيتهم للقتال رغم حداثة سنهم... هكذا السوداني (الحرابة) والإقدام يرضعها مع لبن أمه ، فهل يا حلف كاودا ويا دولة الجنوب ديل ناساً بتقدروا؟؟؟؟ كسرة: في مرة من المرات على أيام الهالك قرنق إبان الحرب في الجنوب فترة التسعينات ،حاول فيها التمرد دخول مدينة راجا واحتلوا بعض المواقع... كان هنالك عجوز جنوبي يجلس على كرسي أمام أحد حوانيت سوق مدينة واو وعندما مر أمامه بعض الشباب الجنوبي فرحاً لإنتصار الجيش الشعبي ، ضحك وقال لهم: إنتوا مساكين وللا سنو(شنو) ؟ بكرة بهررو(سيحرروها)، قرنق دا بلأب ساكت أي ( يلعب) هو ما بأرف (يعرف) أخوان فاتنة (فاطنة) ؟؟؟؟.