على مقرن النيلين حط شباب ثورة «17» فبراير الليبية رحالهم في تراب وطنهم الأول «السودان»، الوطن المعطاء الذي لطالما احتضن العرب وخرجت من بين ثناياه أكبر المناصرات، منها مؤتمر «اللاءات الثلاثة الشهيرة ضد إسرائيل»، واليوم كعادتها استقبلت الخرطوم أحفاد البطل الشهيد عمر المختار، لذين جابهوا المستحيل ومبتغاهم هو الشهادة في سبيل الله أو النصر على نظام الطاغية السابق معمر القذافي، وبعد أن تحقق نصرهم المؤزر ونجحت ثورة «17» المجيدة، بدأت ليبيا في الاتجاه نحو قيام سلطة ونظام ودولة، ولأن شباب ليبيا هم من قادوا الثورة فإن الحراك والمستقبل الذي ينتظر إعمار تلك البلاد على أيديهم تحتاج فيه ليبيا الى أكثر من الأموال، وهي الروح التي ينبغي إعادتها الى الليبيين بكافة أعمارهم بعدما تم تخريب أجيال متفاوتة الأعمار، بدأت بالفتيان الصغار ووصلت إلى كبار السن، وحتى تعود اليهم بلادهم، بدون دعم أو هبة من أحد، فإن قلوب الشعب السوداني ووجدانه سيظل معهم للأبد مناصراً لذلك الشعب الشقيق. وعلى هامش مشاركة شباب «17» فبراير بالمؤتمر العام الثالث للشباب الإفريقي الذي انهى فعالياته بالخرطوم في السابع من الشهر الجاري، التقتهم «الانتباهة» في بهو فندق كورنثيا و دار معهم الحديث الآتي حول مستقبل ليبيا واستمعت لآرائهم وقصصهم المختلفة بليبيا، وأخذت منهم الافادات التالية: التقاهم: المثني عبد القادر الفحل تحديات الشباب الليبي في بدء حديثه عبر رئيس المكتب المركزي للاتحاد الوطني للشباب الليبي الباشمهندس مصطفى سليمان محمود، عن شكره وامتنانه للسودان وحسن الضيافة والاستقبال وحفاوة الشعب السوداني، كما ترحم على شهداء الثورة الأبرار الذين ضحوا بدمائهم لإنجاح الثورة، وحول مستقبل ليبيا ودور الشباب قال مصطفى، إن الشباب هم عماد ووقود الثورة والمعول عليهم كبير لبناء ليبيا بعد معركة التحرير التى خاضوها ودفعوا الثمن أرواحهم لأجلها، وحالياً فإن دورهم هو إلقاء السلاح والامساك بالمعاول لبناء ليبيا الحديثة، ويضيف رئيس الاتحاد أن ليبيا كانت دولة بدون مؤسسات او احزاب او دستور، وكان الطاغية القذافي يختزلها في نفسه، ولكن الحمد لله انتصرت الثورة. وعقب ذلك قام الشباب ببناء منظمات المجتمع المدني التي تدعم المقاتلين في الجبهات والأسر المتضررة من معركة التحرير حتى يتمكنوا من تجديد انفاس المواطنين. وعن دور الشباب تجاه أسر الشهداء، قال مصطفى إن الشهداء هم تاج على رؤوس كل الليبيين، وستكون لأسرهم الاولية، ويظهر ذلك في تخصيص الحكومة الجديدة وزارة كاملة للشهداء والجرحى والمفقودين ويرأسها احد الشباب المقاتلين، وهي مختصة بمعرفة احتياجات تلك الأسر. وبشأن العلاقات الثنائية بين الاتحاد الليبي مع نظيره السوداني، أكد مصطفى ان السودان ليس غريباً عليهم، وانه كان من المبادرين لمناصرة الثورة والشعب الليبي، ومن أوائل الدول التى ساعدت الثورة بلا استثناء على اصعدة مختلفة، وكان دور محورياً، وكشف مصطفى أنه عندما اشتعلت الثورة فإنها كانت سلمية للدفاع عن النفس، والليبيون شعب مسالم ولا يعرفون السلاح آنذاك، وعندما أُنزل المرتزقة في مطار الأبرق تحصل الشباب الليبي على بعض الاسلحة كان من بينها سلاح «14 ونص» المضاد للطائرات، وكانوا لا يعرفون كيفية تشغيله، وعندها ظهر أحد السودانيين المقيمين في ليبيا وقام بتشغيله ودرب المقاتلين عليه في تلك المعركة الشهيرة، وهذا الموقف لم يكن غريباً من الشقيق السوداني، خاصة أنه في ليبيا العديد من الإخوة السودانيين من أطباء وأساتذة جامعات وغيرهم، وعلاقة البلدين متجذرة، وهم إخوتهم ويتعاملون معهم على هذا الأساس. الحمادي: ليبيا محتاجة لصداقات مع دول مثل السودان الأمين المساعد لرئيس الاتحاد للشؤون الخارجية الاستاذ الحمادي معتوق، قال إنه يوم قتل الطاغية كان أسعد يوم لليبيين بعد 41 عاماً من الحرب لأنه قبل «17» فبراير كانت هنالك ثورات، وكان الطاغية يشنق كل الثوار منذ تلك الفترة في رمضان ومع أذان المغرب، وكانت تلك أسوأ المراحل التى مر بها الليبيون وهم يعانون الاستبداد من الطاغية، وتمنى الأستاذ الحمادي أن تفتح الصفحة الجديدة لكي ينسى الشعب فترة «41» عاما التى عاشوها مع نظام الطاغية، وبشأن العلاقات الدولية الجديدة المستقبلية، اوضح الحمادي أن علاقات ليبيا مع الدول الإفريقية ستكون دولة مقابل دولة وليس «دولة مقابل الدولار»، لأن علاقة القذافي مع تلك الدول كانت العلاقة الأخيرة، وان العلاقات ستكون متينة لأن أمن ليبيا هو أمن دول الجوار والعكس، وان تساعد دول الجوار الليبيين في مجال التعاون السياسي والاقتصادي، كما أن ليبيا محتاجة لصداقات مع دول مثل السودان وتونس، لأن ذلك مهم جداً، ويشير الحمادي إلى أن لليبيا مشاريع استثمارية ستعزز علاقتها مع تلك الدول، وان ذلك في مصلحة طرابلس. ويقول الحمادي إن تصحيح العلاقات مع ليبيا مهم وان الدول الموالية للقذافي عليها الاختيار إما القذافي أو الشعب الليبي، أما بالنسبة لعلاقتهم مع الدول الأخرى فقد قال إن سيادة ليبيا خط أحمر. تعريف بالثورة واعتقال بالسجون أمين دائرة الفروع بالاتحاد ومسؤول طلاب فرع السودان د. بشير قال: إن فكرة المشاركة جاءت بتكليف من المجلس الانتقالي الليبي، وتولى المهندس مصطفى رئاسة الاتحاد والمشاركة في اعمال المؤتمر الافريقي الشبابي بالخرطوم، والسودان أول دولة نزورها تزامناً مع اعمال المؤتمر الافريقي، ويضيف د. بشير أنهم واجهوا بعض الصعوبات في المؤتمر من الاخوة الاعضاء الافارقة لانهم مازالوا متأثرين بافكار الطاغية القذافي، لكن المهندس مصطفى، قام بتعريفهم بدور ليبيا الجديد، وان طرابلس ستتواصل مع افريقيا بدون اجندة وايديولوجيات، وهدفنا نماء افريقيا والنهوض بها، ويشير مسؤول الدائرة الطلابية إلى أن المؤتمر كان فرصة جيدة للتعريف بالثورة الليبية، وبشأن الطلاب الليبيين الدارسين بالسودان قال د. بشير إن عددهم يبلغ أكثر من «500» طالب، منهم من يدرس على نفقة الدولة وآخرون على حسابهم الخاص، وبشأن خطط الاتحاد نحو الجامعات السودانية، أشار إلى أنهم أعدوا تقريراً لوزارة التعليم الليبية والمجلس الانتقالي لتشجيع شباب ليبيا على الدارسة بالسودان، وذلك بناءً على الروابط الأزلية، بالإضافة لخطط اخرى للاتحاد الليبي لربط جامعتي طرابلس وبنغازي مع جامعات السودان سواء اكاديمياً او الاستعانة بخبرات الاساتذة السودانيين. وبشأن فترة اعتقاله في سجن ابو سليم، قال د. بشير ل «الإنتباهة»: ان اعتقالي تم في السابع والعشرين من شهر مايو الماضي في تمام الساعة الخامسة مساءً، عندما داهمت الكتائب منزلنا وأخذونا ونحن معصوبو العينين واليدين. وتم التحقيق معنا في ثلاثة اماكن حتى الرابعة صباحاً، ثم نقلونا لسجن أبو سليم، وقاموا بتهديدنا بالقتل لاكثر من «5» مرات، وكانوا يقولون لنا إنا لا نستحق رصاصة، واننا يجب ان نموت بالتعذيب، حتى امتلأت السجون وقاموا بوضعنا داخل الحمامات، وكانت المعاملة بالسجون مأساوية للغاية، ورغم أن الآثار الجسدية ستزول لكن الآثار النفسية ستبقى مع الانسان، حتى جاءني أحدهم وقال إنه سيتم تهريبي اليوم ورغم عدم تصديقي الا انه بالفعل جاء الثوار وقاموا بتهريبي، وذلك في اول يوم من شهر رمضان المبارك، وعقب ذلك التحقنا بالجبهة حتى دخلنا طرابلس ورجعت الى بيتي بعدها، وانا من هنا احييهم، وعزاؤنا هو نجاح الثورة الميمونة، وبناء ليبيا الجديدة. ويختم د. بشير حديثه ويقول انه حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراة من جامعة أم درمان الاسلامية، وان انتماءه للسودان مثل انتمائه لليبيا، وقال إننا نتوقع دوراً كبيراً للسودان عقب النهضة الكبرى الجارية فيه على مستوى افريقيا، وقال إننا بوصفنا ليبيين فخورون به. القانوني محمد يحكي قصة نضاله مع البدلة الحمراء وكشف المستشار القانوني للاتحاد الليبي محمد عن حادثته الشهيرة مع الثورة عندما كان في ميدان الشهداء في مدينة الزاوية، وعندما خرجوا للتظاهر سليماً قامت الكتائب بقمعهم وحصارهم، واستشهد منهم الكثيرون ومنهم من لجأ الى تونس أو غادر المدينة، لكن المناضل محمد يقول انه من الذين بقوا في المدينة في احد المنازل الطرفية، وبعدها قامت الكتائب بمحاولة القبض عليه، وقال: عندما قررت السفر الى تونس نسبة لمطاردة الكتائب لي، وعند وصولي الى الحدود الليبية مع تونس على معبر رأس جدير لأحصل على تأشيرة دخول، إحدى الكتائب اشتبهت فيَّ، وفي تلك اللحظة قالوا لى انه يجب أن اذهب معهم، وقاموا بالتحفظ على جواز سفري، وعندما ذهبت معهم قالوا لى انني مطلوب باعتباري متهماً في احداث ميدان الشهداء، وقاموا بربط عيني ويدي خلفي، وقاموا بنقلي لمقر الامن ثم مقر الامن في الزاوية، ومن هنا بدأ مسلسل التعذيب باسلاك الكهرباء، ويقولون لنا يا «جرذان»، وكانت تهمتي التى اعترفت بها لهم إننى قتلت «5» من المرتزقة في تلك المعركة بالاضافة لجرحى آخرين. ويقول محمد انه وضع سلاحه عند عمه، وانه رفض الإدلاء بأى شيء حتى لا يلقى عمه، ويضيف محمد انه نقل الى سجن ابو سليم، وعند وصولهم لبوابة السجن قاموا بخلع أحذيتهم وساروا على الاقدام حتى وصلوا ادارة السجن واستقبلوهم بالضرب من قبل افراد جهاز الامن الداخلي وهم معصوبو الاعين، وادخلوهم في غرفة في السجن مغلقة تماماً، وكانوا يعطونهم ماءً مالحاً للشرب، وخلال الايام التى قضوها ظلوا في حالة تعذيب يومياً، حتى وصل الأمر لمحاولتهم اغتصاب احد الزملاء معهم لأنه لم يعترف بشيء، ويشير محمد الى انهم عقب ذلك بشهرين قاموا بنقله لغرفة التحقيقات واستجوابه معصوم الاعين، وعقب ذلك تمت محاكمته بسرعة فائقة، وحكم فيها بالاعدام رمياً بالرصاص، وبعدها أرجعوه للغرفة مع زملائه، وبعد ساعة رجع حرس السجن وكانت معهم بدلة حمراء خاصة بالإعدام، وتم نقله لعنبر الاعدام وقضى فيه بقية فترة سجنه، وفي اليوم العشرين من اغسطس الماضي بدأ الرصاص يسمع بصورة ملحوظة خارج السجن، واستمرت الايام بتلك الصورة حتى وصل الثوار الى طرابلس، وهم ينتظرون تلك اللحظة الحاسمة لاطلاق سراحهم بفارغ الصبر، وفي يوم «24» أغسطس تعرض السجن لضربتين من طائرات الناتو، وعقب ذلك اختفى افراد الامن والكتائب منذ ذلك اليوم، وقمنا بكسر اطواق السجن التي في أرجلنا وحررنا بعضنا البعض، وظللنا نعانق بعضنا، وتأكدنا ان الطاغية قد زال، ولم يبق امامنا الا الباب الرئيسي الذي كسرناه وخرجنا، ورأينا الثوار يتجهون الينا وكانت لحظة فرح عارمة. وقال إنه بعد ذلك ذهب على الفور لمنزله حيث دخل البيت وأسرته على مائدة افطار رمضان ينتظرون الأذان، وفي تلك اللحظة دخل عليهم، حيث كانوا يعتقدون انه قد قتل. ووصل اليهم وهو يلبس بدلة الإعدام الحمراء، ويقول محمد انه بعد ذلك بيوم لبس بدلته العسكرية واتجه الى الجبهة في منطقة بني وليد ومنها الى سرت حيث قبضوا على الطاغية، وعندما وصلنا الى جثته كان هو الجرذ وليس نحن وكبرنا في تلك اللحظة، وعقب ذلك انتسب الى احد سرايا الثوار. وقال: لأنني كنت أعمل محامياً فقد دخلت في تحقيقات مع أسرى النظام السابق. وبعد ذلك أسسنا الاتحاد مع زملائي وشغلت منصب المستشار القانوني، واول زيارة لنا كانت للسودان والحمد لله. اسامة: علاقاتنا ستظل دوماً إلى الامام أما مدير الشؤون الإدارية والمالية الأستاذ أسامة الرياني فقد قال إن مستقبل ليبيا سيكون زاهراً بعد الثورة. وسنركز على المرأة لأنها ساعدت أثناء الثورة المجيدة، كما أن الشباب سيكون لهم دور كبير في بناء ليبيا الجديدة، وحول العلاقات السودانية الليبية قال إنها كانت موجودة قبل الطاغية، وسوف تستمر للأمام دوماً.