على هامش إستئناف المفاوضات مع دولة الجنوب مصعب المشرف:- تبدأ يوم الثلاثاء 29 مايو جولة مباحثات جديدة بين حكومة المؤتمر الوطني . وحكومة الحركة الشعبية لدولة جنوب السودان .. فهل تشهد هذه المفاوضات هي الأخرى مسارعة وفد الخرطوم مرة أخرى إلى رفع العراريق وحل التكك وتنزيل السراويل كما فعل في اتفاقية الحريات الأربعة ؟ أم يركز الفتية هذه المرة للبطان ولايأبهون لوقع كرابيج لجنة "خبثاء أفريقيا" ، وإبتزاز الولاياتالمتحدة ، وتلمحيات المحكمة الجنائية الدولية؟ اعلن المتحدث الرسمي بإسم وزارة الخارجية يوم الخميس المنصرم أن المحادثات بين الخرطوم ودولة جنوب السودان ستستانف الثلاثاء 29 مايو الجاري . وقال أن كبير مفاوضي السودان تلقى رسالة من وسيط الاتحاد الافريقي ثابومبيكي يقول فيها:- "ان كبار المفاوضين من الطرفين سيجتمعان في اديس ابابا في 29 مايو". ويثور هنا تساول حول ميكانيكية مفاوضات لم يتم الإعلان عن بنود جدول أعمالها ولا أسبقية بند على البند الآخر .... وهو ما يغذي الإنطباع بأننا مقبلون على مفاوضات على وقع ضغوط خارجية ؛ دون الأخذ في الإعتبار إستراتيجية وتكتيك طرفيها فيما يتعلق بالحد من الصراع والوصول إلى حلول مقنعة لخلافات في غاية التعقيد ؛ باتت تحتاج إلى لجان متفرعة متفرغة متخصصة؛ وإلى سنوات ممتدة من المباحثات الجادة . وليس فترة الثلاثة أشهر التي حددها مجلس الأمن بتعليمات وأوامر مباشرة من الولاياتالمتحدة . ومن الواضح أن حكومة الخرطوم لاتمتلك خيارات كافية للمناورة لأسباب نعلمها جميعا ليس أقلها عزلتها وسيف المحكمة الجنائية المسلط على أربابها . وحيث أنه ليس من الأمر بد ؛ فليكن إذن جلوس لوفد حكومة المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية التي كان الرئيس البشير قد أعلن من مدينة الأبيض قبل شهر إستحالة الجلوس معها في مفاوضات .... ولتكن ثمة مفاوضات نرجو أن لاتأتي نتائجها سلبية مدمرة كمثيلاتها من قبل في نيفاشا الكينية . ثم صاحبة الحريات الأربعة السيئة السمعة إياها التي خرجت من رحم أديس أبابا الحبشية. أكثر ما يخيف أن نتائج المفاوضات الخاصة بجنوب السودان قبل الإنفصال ، ثم مع دولة جنوب السودان بعد الإنفصال ؛ جاءت جميعها مريبة غامضة وفي غير مصلحة السودان وضمان إستقراره وعدم التدخل في شئونه الخاصة..... تدخل القوى الكبرى ومجلس الكنائس العالمي ، وخبثاء أفريقيا من المهووسين بالعنصرية الزنجية والمصابين بفوبيا الإسلام والعرب والعروبة ، له دور رئيس في وضع تعزيز ضعف وقلة حيلة حكومة المؤتمر الوطني ، التي تعاني هي الأخرى من عزلة خارجية ونزاعات داخلية مسلحة. ومن جهة أخرى فالمشاهد أن مايعزز من قلة حيلة المفاوض السوداني هو الإشارات السلبية التي تصدر على لسان الحالمين والبلهاء في برامج التلفزيون ، وبما يكتب في الصحافة الورقية الصادرة من الخرطوم من مساخر لا أساس لها في الواقع المعاش بين الشعبين والحكومتين شمالا وجنوبا ؛ وتشكل في مجملها ضغوطا نفسية ترهق هذا المفاوض وتجعله ينشد التوقيع مع الجنوب على عجل دون حذر ، خشية الوصم بالفشل في الداخل . يؤسفنا القول أن حيشان الصحافة السودانية وفضائياتنا التلفزيونية كانت ولا تزال تعج بالجربندية الذين لايمتلكون سوى "مواهب وصولية" و "قدرات تسلق" و "مؤهلات خاصة" بدلا من مؤهلات أكاديمية .. ثم ويعتمدون في الترقي على "علاقات إجتماعية إستثنائية" تفتح لهم الأبواب الموصدة وتضعهم على أكتاف غيرهم من أصحاب المواهب الحقيقية والمخلصين من أبناء البلاد المنشغلين بهموم وطنية جادة ... وتلك وهذه بعض من كل ؛ أدى لى أن يصبح الإعلام عبئا على المجتمع ومقيدا لنموه وتطوره على مختلف الأصعدة. كذلك هناك كتاب رأي بأجندة وطنية في المواقع الألكترونية من داخل السودان وخارجه ؛ نراهم للأسف يكتبون عن المسائل العالقة والمشاكل والحرب بيننا وبين دولة جنوب السودان وكأنّ ماكان يعرف سابقا بجنوب السودان لم ينفصل ولا يزال ضمن الأراضي السودانية ، ولا يزال شعبه إخوة لنا في الوطن الواحد ..... هذه كارثة بكل المقاييس أن ينسى البعض أنفسهم ومواقع أقدامهم الجديدة. عل أمثال هؤلاء أن يستيقظوا من سباتهم ويدركون أن العلاقة مع ما كان يسمى سابقا بجنوب السودان قد أصبحت علاقة بين دولتين عضوتين في الأممالمتحدة معترف بهما وذاتا سيادة . وأن لامجال للعودة خطوة أو نصف خطوة للوراء. وعلى وقع معاني هذه الآيات نشير إلى واقع حال وخبرات وتجارب إعلامية سابقة لا تزال حية في الذاكرة ؛ منها وعلى سبيل المثال وقبل أن ياذن وفد الخرطوم عام 2005م بالرحيل متوجها إلى نيفاشا تم إبتداع عدة برامج تلفزيونية وإذاعية ، كانت تلح وتركز وتراهن بقوة على "حتمية التوقيع" ، والعبقرية الرسولية والقدرة السوبرية للوفد السوداني بقيادة علي عثمان طه على العودة بالحل الناجع والنهائي لمشكلة الجنوب .......... وجرى النجر والفتل والنسج والتكريب على هذا المنوال ؛ مما شكل ضغطا لايستهان به على الوفد ورئاسته آنذاك . وساهم ضمن ما ساهم نهاية المطاف في توقيع إتفاقية نيفاشا على عجل مريب ؛ دون الفراغ من إغلاق كافة الملفات التي ظلت عالقة ، وعلى النحو الذي تكشف فيما بعد ، وبات معروفا لدى الوليد الرضيع في السودان قبل العجوز الخرفان. وإذا كان الأمر يتطلب الإستدعاء والإنعاش للذاكرة لمرحلة قبيل وأثناء فترة مواكبة نيفاشا . فلا يغيب عن الخاطر ذلك البرنامج (في الواجهة) الذي كان يقدمه الصحافي المتفرغ ، والتلفزيوني الحكومي المتعاون "أحمد البلال الطيب" . والذي لم يوفر فيه عاطفة أو كلمة ؛ ولا لمحة وغمزة ؛ أو إلتفاتة وهمزة ولمزة ؛ ولا صغيرة ولا كبيرة إلا وأشاد فيها بعبقرية المفاوض السوداني الإستثنائية ، وذكائه الحاد وألمعيته وهيمنته وإستئساده الفطري ....... ووقع لنا شيك ملياري على ذمة السحب من رصيد مشكوف ، على أمل أن يُغذّى لاحقا من إيداعات نجاح مؤكد متوقع مقدما بنسبة 100% لمفاوضات لم تكن قد بدأت بعد ؛ ناهيك عن أن تكون نجحت ... وعلى هذا المقياس قس على صعيد البرامج التلفزيونية الأخرى المصاحبة ، وتلك الإذاعية إضافة إلى خربشات صدور وبطون وحواشي وأعمدة ومؤخرات الصحف الورقية الخاصة والعامة الصادرة في ذلك الزمان البائس من عام نكبة نيفاشا. على اية حال سيظل التاريخ شاهداً لامحالة . ولايملك بعضنا أو جميعنا حق القول بأنّ ما فات مات ومضى لايعاد ؛ ولكن الذي نرجو اليوم قبل التوجه إلى مفاوضات أديس ابابا المقرر لها 29 مايو الجاري أن تصلح العترة المشية . وأن تعي الصحافة والإعلام السوداني بكافة أبواقه وأجراسه الدرس بذكاء . فيكف المراهنين بلا رصيد على التبشير بنجاح باهر ؛ وإرهاق الوفد ورئيس الوفد بأوصاف العصمة والكفاءة والعبقرية وقدرات السوبرمان ، على طريقة مانشيتات وتعبيرات محرري الصفحات الرياضية خلال فترة الإعداد النفسي قبل نتائج مباريات الفريق القومي المخيبة للآمال ؛ و تلك التي توصف "إعتباطا" وعلى "قدر الحال" بلقاءات "القمة" بين الهلال المريخ .... ولايفوتنا الإشارة أنه وللأسف ؛ فهناك صحفيون وإعلاميون ورؤساء تحرير في كافة الأحوال والأزمان يرغبون في اقتناص الفرص لمصلحتهم الشخصية ، وكسب قصب السبق والظهور بمظهر الأذكياء النجباء ؛ وتغذية الإنطباع (على طريقة محمد حسنين هيكل) لدى القريب والبعيد أنهم من المقربين وأصحاب اليمين ذوي الحظوة ومرتادي الفراديس في غرفات القصر الجمهوري وكراسيه المرفوعة ؛ فيبادرون إلى مد القرعة وحلب الأخبار حلبا . والمسارعة على عجل وبحماقة لنشر توقعات أغلبها من نسج خيالهم الواسع عن أخبار سعيدة من مصادر موثوق بها باتت على سطح اللسان وشفا الشفتين من الإعلان ........ يرغبون من كل ذلك في حقيقة الأمر وللأسف إلى تزكية أنفسهم وزيادة التوزيع وجلب المزيد من الإعلانات التي تساهم في ترجمة أرقام المزايا والعلاوات المرصودة إلى أموال ملموسة ، وتسديد مصاريف الطباعة والرواتب ، وحلحلة الديون وترطيب الجيوب... كل هذا يأتي للأسف على حساب ممصلحة ومستقبل وطن بأكمله ؛ لايهم لديهم. وحسبنا الله ونعم الوكيل. نرجو من المفاوض السوداني الذاهب إلى أديس ابابا للجلوس على مائدة المفاوضات يوم 29 مايو الجاري أن يتحلى بالصبر . وأن لا يخشى عدم التوقيع على ظن منه أن عدم التوقيع معناه الفشل والمعايرة به في الخرطوم والشبكة العنكبوتية لاحقا ... بل على العكس من ذلك ؛ على المفاوض السوداني رئيسا وأعضاء أن يدركوا أن السبيل الوحيد لإنجاح أية مفاوضات لمصلحتهم هو إرجائها لجلسات أخرى وجولاتٍ ثانية وثالثة ورابعة ..... وحبذا لو توقف الوفد عن قراءة الصحف طوال فترة المفاوضات فهي لاخير فيها. إن على الوفد السوداني الإدراك أنهم يوم 29 مايو الجاري داخلون إلى غرفة مفاوضات خلف باب مغلق يتكالب عليهم تحت سقفها غوريلات الحركة الشعبية الذين يتعاطف معهم سواد لجنة "خبثاء أفريقيا" ويدعمهم مجلس الكنائس العالمي .... واللذين لن يدخروا وسعا أجمعين ومنفردين في محاولة تهديدهم بالمحكمة الجنائية الدولية وإقناعهم بأنهم معزولون دوليا ، وبحتمية خلع الجلاليب ورفع العراريق وفك التكك وتنزيل السراويل من أول جلسة. على وفد الخرطوم أن يطمئن أن الشعب ليس على عجلة من أمره .. فليأخذ ما يشاء من الوقت وأكثر مما يشاء .. وليطلب ما يشاء من فترات إستراحة يعود فيها للخرطوم لمزيد من التشاور والراحة والإستجمام والإلتقاء بالأهل والولد .. لاضير فهم بشر على كل حال ... ثم أن العودة للوطن بين كل حين وآخر تعيد للمرء توازنه وتصالحه مع نفسه وتجدد قناعاته بواقعه الذي ينتمي إليه. على رئيس الوفد أن يحرص قبل المغادرة إلى أديس أبابا . أو بعد المغادرة (إن كان قد غادر) الطلب إلى الرئاسة بأن تمد الوفد بثلاثة أطباء نفسيين يسافرون مع الوفد ؛ أو يلتحقون بهم في الهضبة الأثيوبية حتى يقف هؤلاء الأطباء إلى جانب رئيس الوفد وأعضائه . يشدون من أزرهم ويعالجون كل ما ينتابهم من كآبة وضيق وإحباطات ..إلخ في حينها ؛ (مثل ما كان يفعل اليهود خلال مباحثات كامنب ديفيد في مواجهة السادات) .. وحتى لا يستسلم الوفد السوداني لوقع التهديدات وفريسة الضغوط النفسية لإجبارهم للتوقيع على ما يشاؤون ولا يشاؤون. وبوصفها صاحبة القرار النهائي ؛ ف لانرى في حكومة الخرطوم بلاهة ، ولانصمهم بالعته والسفاهة والغفلة التي تستدعي الحجر .. لكننا وبنفس المقدار لنفرض عليهم ما لايطيقون من مدح وثناء لايستحقونه ؛ فلانرى فيهم عباقرة ولا نتوقع منهم سوبرية ؛ وعليهم أن لايظنوا بأنفسهم ذلك .... ومن ثم نرغب أن نشير إليهم بضرورة إسترجاع قوله عز وجل في سورة آل عمران من الآية 140 "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله" . وعلى هذا النسق فمن النوافل أن يقتنع وفد الخرطوم أن الجنوبي في الحركة الشعبية ليس في حال أفضل من حاله .. بل هو في أمس الحاجة لحلحلة المشاكل المتعلقة بتصدير النفط على قلة براميله .. ويعلم الله مدى ما وصلت إليه جوبا من ضيق جراء توقف التصدير .. وأنهم لم يتركوا عاصمة من عواصم آسيا وأفريقيا وأوربا وأمريكا الشمالية وشبه الجزيرة العربية إلا وفزعوا إليها ؛ يدعونها خفية وخشية وتضرعا من أجل التدخل ولي ذراع الخرطوم لإستئناف ضخ النفط عبر أنابيبها. وتطبيق الحلم الجنوبي الأزلي بوضع اتفاق الحريات الأربع موضع التنفيذ على أقل تقدير. وتبعا لذلك فلتكن حكومة الخرطوم ووفدها أكثر ثقة بنفسها ، وعلى علم مسبق بجوانب الضعف والثقوب الأكثر إتساعا في قامة حكومة جوبا المتضعضعة بعد هزيمتها المذلة في هجليج ، وحاجتها الملحة لأموال متدفقة تغطي بها نفقاتها الباهظة التي يتطلبها جهازها الحكومي المترهل ، ورواتب عناصر جيشها الذي وصل تعداده إلى ربع مليون وبات مهنة من لامهنة له. وفي كافة الأحوال ومهما جاءت نتيجة المفاوضات فلن تغضبنا إن فشلت ولن تفرحنا إن نجحت ولن نشرب ونتبادل الأنخاب مع وفد حركة شعبية وصفها الرئيس قبل شهر بأنها "حشرة شعبية" . ولا تزال دماء إخوان لنا ندية لم تجف بعد على أرض هجليج . ولا يزال دمار نصف حقل هجليج ماثلا أمام أعيننا ..... فإذا كانت هناك من بنود ذات أولوية قبل ضخ النفط والحريات الأربع فلتكن تعويضات الإعتداء على هجليج هي البند الأول الذي لايحق أن يترك عالقاً ..... وبين كل هذا وذاك فليعلم الجنوبي شعبا وحكومة ؛ أننا وفي كافة الأحوال قد رمينا طوبته من زمان ، جبّت هجليج ما قبلها وسيكون لها مابعدها . فلم نعد نثق فيه وفي إحتمالات تكراره لعدوانه التخريبي الممزوج بعقدة النقص غير المبرر .... ويئسنا منه كما يئس الكفار من أصحاب القبور .....