البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    السودان.."عثمان عطا" يكشف خطوات لقواته تّجاه 3 مواقع    افتتاح المعرض الصيني بالروصيرص    أنا وعادل إمام    القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يهرول غير الموهوبين إلى قطر؟

في المقالة السابقة ذكرنا أن علي عثمان محمد طه ما زال يدافع بحرارة عن سياسة "التجنيب" المالي التي أخترعها لهم صابر محمد حسن منذ توليه منصب محافظ بنك السودان في 8 يوليو 1993م. لقد طردوا في نفس العام كل من عبد الرحيم حمدي وزير المالية السابق ومحافظ بنك السودان الشاب وقتها الألمعي الشيخ سيد أحمد الشيخ (أنظر الصورة). لماذا طردوهما؟ لأنهما رفضا سياسة التجنيب المالي. بتعبير آخر رفضا تهميش دور كل من بنك السودان ووزارة المالية الاتحادية من أداء دورهما الرقابي على المال العام.
"أمير المؤمنين" أو "خليفة المسلمين" لا يكون أميرا أو خليفة إن لم يمتلك يدا حرة مطلقة على المال العام، يوزعه كما يشاء فيما يشاء. ولا يكون وزير المالية سوى خازن لمال الخليفة – كله أو بعضه، أما محافظ البنك المركزي فموظف لديه يؤمر فيطيع – ولا يتعدى كونه المستشار المالي للخليفة. فكيف تكون إذن أسلمة الاقتصاد في دولة الإنقاذ الإسلامية "الراشدة" إن جردت يد الخليفة من سطوتها على المال العام؟ ألا ترى علي عثمان محمد طه ينافح عن التجنيب المالي نفاح المستميت والمؤمنين بالخلافة الراشدة؟ لم يفعل عبد الرحيم حمدي والشيخ سيد أحمد الشيخ عام 1993م سوى ما فعله زيد بن أرقم مع الخليفة الثالث عثمان. تقول الرواية ونأخذ بعضها:
ثم إن رسول الله (ص) كان قد تصدق بموضع سوق في المدينة يُسمَّى (بهزون) على المسلمين فأقطعه ابن عفان إلى الحرث بن الحكَم شقيق مروان - كما يذكر ذلك ابن أبي الحديد – ويضيف:
أقطع مروان خدعاً وكانت لفاطمة الزهراء (ع)، وحمي المراعي حول المدينة كلها، منع عنها مواشي المسلمين، وأباحها لمواشي بني أمية. وأعطى عبد الله بن أبي سرح - وهو أخوه من الرضاعة - جميع ما أفاء الله عليه من فتح أفريقيا. وأعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بمائة ألف، وكان قد زوجه ابنته أم أبان ، فجاءه زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ووضعها بين يدي عثمان وبكى - فقال له: لتبكي أن وصلت رحمي؟ فقال: لا ولكن أبكي لأنني ظننت انك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت تنفقه في حياة رسول الله، والله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً عليه، فقال له: أُلقِ المفاتيح يا بن أرقم فإنا سنجد غيرك.
الرجلان ألقيا بالمفاتيح..ليس إلا، تأسيا بزيد بن أرقم. هل بلغت؟ وهل وصل المعنى؟
ولكن "الطرفة الخبيثة" التي يستمتع بها صابر محمد حسن هي ما يروجها الشعب السوداني بغباء، وتقول الطرفة أن عبد الرحيم حمدي هو سبب الكارثة الاقتصادية – لقد مسكوا عليه الجرم كونه هو من حرر الاقتصاد فأفقر العباد. نعم عبد الرحيم حمدي قام ببدايات تحرير الاقتصاد بوريقة تسمى البرنامج الثلاثي للإنقاذ، ولكن هل هو الذي نفذ البرنامج؟ قطعا لا، لقد ظلموا الرجل. الذي نفذ برنامج التحرير على طريقة "أمير المؤمنين" وحاشيته هو صابر محمد حسن وعبد الله حسن أحمد في الأعوام 1993-1996م، ثم تبادل الرجلان مواقعهما ما بين بنك السودان ووزارة المالية الاتحادية 1996-1998م. وعبد الله حسن أحمد أحد "سحالي" بنك فيصل الإسلامي – وما أدراك بنك فيصل الإسلامي وصاحبه؟!! إن لم تفهم ما نعني بسحلية أتصل بي!! وحين هرب الجميع من وزارة المالية الاتحادية التي تحولت إلى ديكور فارغ، بقى صابر صامدا في منصبه كمحافظ بنك السودان ستة عشرة عاما متواصلة.
ما أن حل العام 1995م حتى فاحت الروائح الكريهة بلهف المال العام، أي بعد سنتين من وضع صابر وعبد الله حسن أحمد أصبعيهما في كل من بنك السودان ووزارة المالية. وفترة منتصف التسعينيات كانت فترة صراع ما بين الإسلاميين على لهف المال العام؛ العديد من أقربائي في هذه الفترة تركوا الإنقاذ بسبب هذه النقطة وأعطوها ظهورهم. ولكن العجيب تفسيرهم الشرعي لسارق المال العام. يقولون: لأن السارق له جزء من المال العام (= مال الشعب مقسوما على عدد السكان) لا تقطع يده بحد السرقة، بل يعزر بالسجن أو الجلد أو العفو من الحاكم بعد استرداد المال المنهوب أو عدمه.
وإنما الصحيح هو التالي: لنفترض نحن خمسة شركاء في تجارة وضعنا مالا متساويا بقدر مائة جنيه لكل يصبح المجموع 500 جنيه، وتخيل أنني الشريك سرقت مبلغا قدره 90 أو 100 جنيها من هذا المبلغ الكلي - في هذه الحالة لا يقام علي شخصي الحد، ولكن لو سرقت 101 جنيه يقام علي شخصي الحد؛ أي يحد المرء على ما زاد على "نصيبه". ببساطة طبق هذا المثال على المال العام تفهم القضية وفحواها أن لصوص المؤتمر الوطني ينهبون أكثر مما هو نصيبهم من المال العام طبقا لتلك القسمة (مال الشعب مقسوما على عدد السكان) ومع ذلك نراهم يحتفظون بأيديهما الاثنين.
يبدو أن الإنقاذيين يأخذون بفقه الوهابية فيما يخص المال العام، فهل سمعتم أن السعودية أقامت الحد على شخص ما بسبب سرقة المال العام؟ قطعا لا، وإلا كان معظم رجال الدولة الكبار والشيوخ والأمراء مقطوعي الأيدي.
ومع الأمارة الإسلامية السودانية الراشدة فرض "أمير المؤمنين" ألوانا عدة من مشتقات الخراج (لعلمك أن لا شيء يسمى في شرع الله الخراج – فهو من اختراع الخليفة الثاني)، ولقد تفنن الإنقاذيون في حلب الأموال بالباطل بعد أن استنبطوا أسماء تحشر تحت العنوان الكبير الخراج – فتعددت المسميات، مثل:
1- رسوم دعم الطلاب، 2- رسوم العبور، 3- رسوم النفايات، 4- رسوم العرض للمحلات، 5- رسوم التأشيرة، 6- رسوم كرت السفر، 7-رسوم الماء، 8- رسوم الكهرباء، 9-الرسوم الجامعية، 10- رسوم التلفزيون القومي، 11- رسوم التصنيع الحربي، 12- القيمة المضافة، 13- رسوم الرخصة التجارية، 14-رسوم رخصة القيادة، 15- رسوم دخول المستشفيات، 16- رسوم دوريات المياه، 17- رسوم إدخال عداد الجمرة الخبيثة الكهرباء، 18- رسوم تجديد استمارة العربية، 19- رسوم تجديد الجواز، 20- رسوم الدفاع المدني، 21- دمغة الجريح، 22- رسوم التقديم للجامعات، 23-رسوم التنقيب عن الذهب، 24-ا لجمارك، 25- رسوم الزكاة، 26- البترول، 27- رسوم الصادر من المواشي، 29- ضرائب المغتربين السنوية، 30-رسوم المواصلات من العربي إلي المحطة المقصودة علي سائق الحافلة، وغيرها من الجبايات غير الشرعية ولم ينزل الله بها من سلطان، كلها مستنبطة من شرعة غير شرعية تسمى الخراج. هل نسينا شيء؟
ولو كانت هنالك شفافية، وكأن يرى المواطن ماله أمام عينه يدخل مباشرة في شيء ينفعه في دينه ودنياه لوجدنا لهم العذر، ولكن هذه الأموال لا يعرف دافعها أين تذهب. ولكي نربط الحاضر بالماضي ولعلنا ننتزع من شفتيك ابتسامة نقارن معا شكل الخراج وفنونه في العصر الأموي:
كتب عمر بن عبد العزيز: (من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الحميد (عامله بالكوفة)، سلام عليك، أما بعد، فإن أهل الكوفة قد أصابهم بلاء وشدة، وجور في أحكام الله، وسنة خبيثة استنها عليهم عمال السوء، وإن قوام الدين العدل والإحسان، فلا يكونن شيء أهم إليك من نفسك، فإنه لا قليل من الإثم، ولا تحمل خرابا على عامر، ولا عامرا على خراب، انظر الخراب فخذ منه ما أطاق وأصلحه حتى يعمر، ولا يؤخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض، ولا تأخذن في الخراج إلا وزن سبعة ليس لها آيين، ولا أجور الضرابين، ولا هدية النيروز والمهرجان، ولا ثمن الصحف، ولا أجور الفيوج، ولا أجور البيوت، ولا دراهم النكاح، ولا خراج على من أسلم من أهل الأرض، فاتبع في ذلك أمري، فإني قد وليتك من ذلك ما ولاني الله، ولا تعجل دوني بقطع ولا صلب حتى تراجعني فيه، وانظر من أراد من الذرية أن يحج فعجل له مائة يحج بها، والسلام).
تعريفات: الفيوج: الرسل أي رسل السلطان،. الآيين: الرسم أو العادة، أو الدأب، أو المتداول أو التشريفات. المعجم الذهبي، فارسي عربي.
لقد ألغى الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز حوالي أثني عشر نوعا من الخراج والجباية أستنها الحكام الأمويون وعمالهم قبل توليه الخلافة رضي الله عنه. أولا منع أن يؤخذ الخراج بضم الأرض المزروعة إلى غير المزروعة، ورفع العبء الضريبي عن من لم يزرع بعد، ومن الزارع إلا ما هو برفق لكي يسكنه أي يستمر في الزراعة، ومنع الآيين الرشوة المعلومة، ولا يؤخذ من ضرابين العملة شيء، ولا من يقوم بعيد النيروز من فرس وكرد أو مهرجانا مثل المسيحيين والصابئة، ولكنه منع أعجب الضرائب وهي 1) ما يؤخذ على المصحف الكريم – إذا كان تملكت مصحفا تؤخذ منك ضريبة، 2) وضريبة عقد الزواج أي النكاح، 3) ولكن أعجبها عجبا وأقبحها ضريبة إذا دخلت الإسلام. كان الحكام الأمويون يفرضون على من دخل الإسلام ضريبة. أما الفيوج وهم المراسيل أي مراسيل السلطة، فهي أشبه باليوم حين تتعامل مع الشرطة بأنواعها في أي موضوع مدني أو جنائي أو مرور عليك أن تدفع للشرطي إكرامية، وأن تتكفل بمواصلاته جيئة وذهابا، وإطعامه تحت سمع وبصر المحاكم والقضاة الخ.
الصحيح شرعا هو أن تدفع فقط ما شرعه الله ورسوله من صدقة طوعية، وصدقة واجبة (الزكاة)، والركاز – ولكن ليس من ضمنها الخراج. هل يتصور أحدكم دولة بدون ضرائب (خراج)؟ نعم، فالولايات المتحدة الأمريكية وحتى عام 1914م لم يكن بها أية ضريبة من الضرائب المعروفة من آية نوع مثل ضريبة القيمة المضافة أو ضريبة الدخل الخ. لقد أدخل هذه الضرائب البريطانيون على الشعب الأمريكي عندما سيطر عملائهم اليهود على مقاليد الاقتصاد الأمريكي وأسسوا جهاز الاحتياطي الفيدرالي (قطاع خاص) في 23 ديسمبر 1913م.
الخراج أخترعه بل بالأحرى شرعه عمر بن الخطاب تشبها بالدولة الرومانية والفارسية فأسس له الدواوين، ونصب له السجلات والأقلام الخ، فهل كائنا من كان يفهم مصلحة المسلمين أفضل من الله ورسوله؟ ويمكنك الاستنتاج أن هذه الضرائب الحديثة modern taxes هي بقايا الاستعمار الإمبراطوري الروماني، أو البريطاني للشعوب المستعبدة، لا غير.
أين وصلنا؟
وبعد أن فرغت خزينة الدولة المالية مع كل هذه الجبايات اللاشرعية وبذهاب بترول الجنوب وبفضل "التجنيب" المالي – أي التهليب المالي، جر عمر البشير رجليه المتثاقلة إلى قطر جرا في زيارة لم توافق عليها قطر إلا أن تكون غير رسمية..ذل فيها البشير نفسه وذل معه الشعب السوداني. لماذا يهرول غير الموهوبين إلى قطر؟
ومع مؤشرات الانهيار الاقتصادي وزيادة معدل التضخم والاقتراب من حد الإفلاس المالي السيادي أصبح وضع المؤتمر الوطني في سدة الحكم السياسي على كف عفريت، لذا هرولوا إلى كافة الدول البترولية الغنية لإقراضها من ضمنها دولة الجزائر وليبيا المتناحرة فكان الجواب الرفض التام – حتى الوليد بن طلال تم إغواءه – فكان جوابه: المؤتمر الوطني؟ لا شكرا. إحدى البقرات الحلوبة هي دولة قطر.
وقد قلنا في إحدى مقالاتنا السابقة أن علاقة دولة المؤتمر الوطني بدولة قطر أصبحت في درجة الصفر – لاكتشاف عمر البشير أن أصابع قطر تلعب في "مؤخرة" السودان في هجليج ودارفور والنقاط الساخنة بطول الحدود مع دولة الجنوب. وقلنا أيضا أن الشيخ حسن الترابي حادث راشد الغنوشي تلفونيا لكي يتوسط لدى حاكم قطر كي يوافق على زيارة عمر البشير المرفوضة من قبل القطريين.
ولم توافق دولة قطر بعد وساطة الغنوشي أن تكون زيارة البشير إلا غير رسمية – هذا هو الشرط القطري للقاء أمير قطر بالبشير. ومع ذلك وافق عمر البشير وهرول نحو قطر، ولم يتم استقباله ووداعه رسميا كرئيس دولة السودان. بل زار الأمير القطري عمر البشير في مقره الذي نزل فيه بالدوحة ولم ينزل عمر البشير في احد قصور مشيخة البترول والغاز. هذه الزيارة الفضيحة تم التغطية عليها من قبل المؤتمر الوطني بإطلاق كذبة ذكية أن عمر البشير سافر للدوحة لعمل عملية جراحية في حباله الصوتية – وبلعت المعارضة السودانية هذه الفرية بطيبة خاطر.
يمكننا الاستنتاج أن عمر البشير الذي يطالب دولة قطر دون استحياء باستحقاقات مالية لم يرجع من زيارته الأخيرة من دولة قطر سوى بخفي حنين. هذه الاستحقاقات المالية هي ثمن وقوف النظام السوداني لصالح دول الخليج ضد نظام القذافي - وقد تفاخر عمر البشير العام الماضي أن سقوط نظام العقيد تم بسلاح سوداني – ربما بالوكالة عبر بيع السلاح السوداني الخفيف لدولة قطر التي حولته "لثوار ليبيا". ثم وقوف نظام عمر البشير و "كرته" ضد الرئيس بشار الأسد ونظامه – وهو الأمر الأهم لدى الدولة القطرية.
ولكن لسوء حظ رئيس الجمهورية عمر البشير أن القضية السورية شارفت على الانتهاء بانتصار بشار الأسد، ولم يعد أمير قطر يعنيه دفع المقدم أو المؤخر للمؤلفة قلوبهم – لقد دفع الأمير القطري بلا طائل الكثير للأتراك وللأردنيين وإلى اللبنانيين والشركات الأمريكية والبريطانية، وللقنوات الإعلامية التي تفبرك له الكليبات، وجميعهم متورطين مباشرة ضد سوريا. وكم يدفع الأمير للمنشقين السوريين من الوزن الثقيل؟ مئات الملايين، كل هذا الدفع يرهق جيب الأمير وربما سمع عمر البشير من الأمير أن جيبه قد فرغ!! وحقا لماذا يدفع الأمير القطري للنظام السوداني أو للذين أثبتوا إن حلوقهم كبيرة وبطونهم عميقة وذممهم من المطاط، وبلادهم تبعد ثلاثة ألف كيلومتر عن الحدود السورية؟
الأمير القطري ليس غبيا إلى هذا الحد الذي يتصوره صيادو المؤتمر الوطني، نعم هو ضخم الجثة مثل الفيل وشنبه كبير -مثل الفيل أبو شنب- ولكنه ليس غبيا إلى الحد الذي لا يفهم شراهة المؤتمرجية الثعالب للدولار. باختصار: فشل زيارة عمر البشير للدوحة لجباية الأموال والقروض هي التي اضطرت البشير لكي يشير لوفد الحكومة المفاوض بأديس أبابا كي يتنازل عن جشعه بصدد سعر مرور برميل الزيت السوداني الجنوبي عبر أنبوب الشمال – كان الثعالب يحلمون ب 32 دولارا للبرميل طبقا لحسبة صابر محمد حسن. وفي تقديرنا ربما وصل التنازل إلى قيمة سبعة دولار أو في الأكثر عشرة دولار للبرميل – مجبرا أخاك لا بطل.
وبارك رؤساء تحرير صحف المؤتمر الوطني إياهم اتفاقية البترول – وتنفس الجميع الصعداء.
ولكن هل تحل هذه الاتفاقية البترولية المشكلة المالية لدولة المؤتمر الوطني؟ أربعة مليار في ثلاثة أعوام كم تغطي منصرفات المؤتمر الوطني بالنسبة المئوية؟ يمكنك أن تحسبها إذا صرفوا ستين مليار دولارا في ستة أعوام فكم يحتاجون لصرف أربعة ملايين دولار في ثلاثة سنوات؟ لا أعتقد أنها تحل ضائقة المؤتمر الوطني، لقد أدمن أصحاب الدولة لعبة نهب النقود. وماذا ولو بعد مرور البترول ساعدت حكومة دولة جنوب السودان المعارضة السياسية؟ أو في الثلاثة السنوات القادمة مدت حكومة دولة جنوب السودان أنبوبا عبر أثيوبيا فجيبوتي؟
وماذا عن عزلة المؤتمر الوطني السياسية؟ كيف يحلها؟
يعيش المؤتمر الوطني والإسلاميون السودانيين الحركيين عزلة إقليمية قاتلة كما لو كنا في منتصف السبعينيات. سيان مؤتمر شعبي أو وطني فهما سرج واحد من صنع يد الشيخ الترابي الذي طرح نفسه بديلا للسلفية الوهابية، لذا هما الآن مرفوضان إقليميا مع ازدياد "تنمر" دول الخليج ونشوء دول الربيع الإسلامي التي تدور في دائرتهم، ويصمت المؤتمر الوطني و"صحافته" السرية عن هذه العزلة السياسية حتى لا تستفيد منها المعارضة السياسية. وحقا الم يفهم بعد المؤتمر الوطني أن المسرحية قد انتهت؟ بل بالأحرى حقا أن نوجه هذا السؤال للشيخ الترابي الذي ما زال يلعب لعبته السياسية المزدوجة بشكل دونكشوتي، ونقول له، إن المملكة السعودية بإظهارها صورة حسن البنا يقبل يد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بعد إخفائها لثمانية عقود من الحَبَل السياسي political pregnancy ليس سوى إذانا لانتقال زمام قيادة الإخوان المسلمين إلى حضن الأم الطبيعي أي دول الخليج الدوحة أو الرياض – سيان.
ولكن هذه العقدية تختلف نوعيا عما سبقها من عقود الثمانينيات والتسعينيات بتحالف دول الخليج صراحة وعلنا مع الكيان الصهيوني ومعهم العصا الأمريكية الغليظة تحت العباءة الخليجية.
فقد تناقلت وكالات الأنباء قبل أيام قليلة منع وزارة الشئون الإسلامية السعودية الدعاء على اليهود والمسيحيين وتبقيه على الشيعة، وحذرت الوزارة أئمة المساجد من الدعاء "بهلاك اليهود والنصارى" أثناء خطب الجمعة أو الصلاة. ووجهت تنبيها بمنشور إلى أئمة المساجد بعدم "الاعتداء في الدعاء" أو الدعاء بأدعية "مخالفة" لم ترد عن النبي محمد (ص) - وهي الذريعة لتمرير القرار. وأبقت الوزارة على الدعاء على الرافضة "الشيعة" حيث يتم الدعاء عليهم بالهلاك والعذاب من على المنابر الدينية السعودية.
ملحوظة: يقطن السعودية ما يزيد على ثلاثة ملايين من المواطنين الشيعة شرق البلاد الغنية بالنفط، ويمنعون من تقلد أي منصب وزاري ولا يسمح لمذهبهم بأي حضور في الإعلام السعودي. ويعمل حوالي مليون ونصف مقيم مسيحي في السعودية، وآلافاً من اليهود لكنهم يمنعون من ممارسة طقوسهم الدينية أو إقامة أماكن للعبادة.
إذن لم يعد مستغربا بعد هذا الخبر الصغير أن يقوم بعض السلفيين السوريين والمصريين التابعين للقاعدة بإيعاز استخباراتي سعودي خفي بالتحاور مع القنوات التلفزيونية الصهيونية الإسرائيلية ويبشرون الصهاينة أنه لا عداوة معهم، إنما عداوتهم هي لبشار الأسد ويحضونهم لضرب النظام السوري عسكريا. وكذلك لا يعد مستغربا أن تودع منظمة حماس سلاحها المقاوم "بمزاجها" وتتحول إلى تنظيم سياسي فقط، أو أن تنتهي القضية الفلسطينية – فالسيناريو السوري ملحق به "الورقة الأردنية" أي إسقاط النظام الأردني واعتبار جغرافيته وطنا للفلسطينيين.
التحالف الخليجي الصهيوني إذن أصبح حقيقة معلنة – ولم يعد مجرد تكهنات صحفية. ويعتبر النظام القطري الوكيل الرسمي للصهيونية في الإقليم العربي والمعبر بالنيابة عن الرأس السعودي منعا للحرج لجلوس الرأس على بسطة بلاد الحرمين – خادم الحرمين يسمى نفسه وليس خادم الحرم الثالث الذي أهدوه لليهود. ألا يعتدي الإسرائيليون اليهود على الحرم الثالث؟ ألا يعتدون على الشعب الفلسطيني المسلم؟ وماذا عن قول المصطفى صلى الله عليه وآله: "لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"؟ قطعا المنصورين ليس مرتزقة آل سعود وآل الثاني الذين يطلبون الباطل أو صلاح عووضة الذي يُخَذِّل نفسه قبل غيره بجهالة.
أما بقية دول الخليج فهي راضية بالدور القطري الصهيوني لكن بصمت. فمثلا أبوظبي سارعت عام 2004م بطبع كتاب "اليهودية في السودان" طبعة غالية وأنيقة لأحد المترجمين السودانيين بصحيفة الاتحاد. وكأن الظبيانيين يودون القول كلنا في الهوا سوا - مع الاعتذار ل راديو "سوا سوا" الصهيوني الأمريكي ولصديقه كمال العبيد، فلماذا نلوم الظبيانيين على صهينتهم؟ حقا رحم الله شوقي الذي قال: كلنا في الهم شرق.
شوقي إبراهيم عثمان
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.