شاهد بالفيديو.. حسناوات سودانيات بقيادة الفنانة "مونيكا" يقدمن فواصل من الرقص المثير خلال حفل بالقاهرة والجمهور يتغزل: (العسل اتكشح في الصالة)    شاهد.. صور الفنانة ندى القلعة تزين شوارع أم درمان.. شباب سودانيون يعلقون لافتات عليها صور المطربة الشهيرة (يا بت بلدي أصلك سوداني) والأخيرة ترد: (عاجزة عن الشكر والتقدير)    شاهد بالصورة والفيديو.. طفل سوداني غاضب يوجه رسالة للمغترين ويثير ضحكات المتابعين: (تعالوا بلدكم عشان تنجضوا)    شاهد بالصورة والفيديو.. عريس سوداني يحتفل بزواجه وسط أصدقائه داخل صالة الفرح بالإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    مخاطر جديدة لإدمان تيك توك    محمد وداعة يكتب: شيخ موسى .. و شيخ الامين    خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    إيران : ليس هناك أي خطط للرد على هجوم أصفهان    قطر.. الداخلية توضح 5 شروط لاستقدام عائلات المقيمين للزيارة    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    هل رضيت؟    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إجابات من د. عبدالله النعيم (المجموعة الثانية)


6 نوفمبر 2011
الاخوة والاخوات الكرام
تحية طيبة
كما وعدت من قبل فإني أقدم هنا إجاباتي على جميع الأسئلة التي أرسلت لي مباشرة أو عن طريق أخي د. ياسر الشريف أو ابني مُيسّر. وكما ذكرت من قبل أيضا، فإني لن أتناول أي تساؤل أثير في الصالون أو سودانيزأونلاين أو مكان آخر، لأني لا استطيع متابعة كل ما يجرى من نقاش، ولا أحب أن آخذ بما اطلعت عليه بالصدفة العشوائية وتفوت عليّ أسئلة أخرى.. وبما أني قد كررت هذا الطلب مع التوضيح أكثر من مرة، فأرجو التفهم لأسبابي في ذلك.
وحتى لا أضطر الى رفض طلب من أخ أو أخت فى المستقبل فاننى أقول للجميع:
لن أناقش الأستاذ خالد الحاج فليقل ما شاء ويتحمل مسئوليته فى ذلك، ولن أجيب بعد الآن على اى تساؤلات من أى جهة أو شخص حول أقوال الأستاذ خالد وما يلحق بها من أقوال.
وأرجو من القراء مراجعة المصادر المتوفرة على الانترنت، مثل مواقع "لجنة الحقوقيين الدولية" و"اخوات فى الاسلام" المذكورين فى اجاباتى التالية، لتقييم البينات التى يوردها الاستاذ خالد الحاج كاساس لاتهاماته لي، وذلك حتى يصل القراء الى خلاصاتهم المستقلة.
وأطلب من الجميع العفو لله والرسول.
وقبل الشروع في تقديم الإجابات التي تيسّرت لي أحب أن أشير لأمرين أجدهما في غاية الغرابة فيما يدور من لغط وجدل حول آرائي العلمية ومواقفي الشخصية:
أولا ألاحظ أن كل هذا النقاش قد أغفل تماما أي دور إيجابي وجديد تقدمه مساهماتي في مجالات حقوق الإنسان والحكم الدستوري، أو قضايا الإسلام والحداثة. فأنا لا أتوقع بالطبع الموافقة على كل ما أقول، بل وأفضّل المعارضة الذكية على الموافقة السطحية.
والغريب في أمر النقاش الحالي - والذي امتد لسنوات - أني لم أجد فيه أي اعتبار لمحتوى ودلالة ما أقول، سلبا أو إيجابا. كل ما رأيت وما سمعت حتى الآن هو ما يبدأ بأسوأ قراءة وسوء ظن وتخريج، وتركيز على البحث عن أي وسيلة لإدانتي بالخيانة والعمالة للغرب، والفسق والفجور، مما يضطر القارئ الذكي لأن ينشغل بالدفاع عن حقوقي الأساسية في حرية الفكر والتعبير، أو نفي التهم الهوجاء التي تُطلق ضدي بلا دليل معتبر عقلا، ولا يجد فرصة للنظر فى محتوى ودلالات ما أقول.
وأنا أقول لا ضير من كل ذلك، وأن مساهماتي تجد الاعتبار الذكي والأمين في مواقع كثيرة.. ولكن أحب أن أسجل هذه الملاحظة هنا للحق والتاريخ.
والملاحظة الثانية تتعلق بالدورة الراهنة في النقاش التي أجد فيها التركيز المفرط على موضوع المثلية الجنسية وكأنه موضوع الساعة الأول والأخير، في أحوال وطننا الأم السودان أو وطننا الكوكبي الذي نشارك فيه مختلف الشعوب والديانات والثقافات. فلا قضية الحرب الأهلية ثم انفصال جنوب السودان، ولا جرائم الحرب في دارفور ولا تعريض بلادنا للهجوم العسكري وعجزنا عن الدفاع عنها، ولا عشرات القضايا الأخرى على المستوى الافريقي والعربي والعالمي تشغلنا، فقط موضوع المثلية الجنسية ودور عبدالله النعيم في الترويج لها على مستوى العالم.
هذا في الوقت الذي لا يجد فيه الباحث أي نقاش لهذا الموضوع في كتاباتي ومحاضراتي، إلا شذرات عابرة للتمثيل بالإشارة للقضايا الجدلية عند القارئ الغربى أثناء حديثى عن المواضيع ألأخرى التى تشغلني حقيقة.
لم يحدث أن سُئلت عن المثلية الجنسية وموقفي منها خلال قرابة الثلاثين عاما من الأسفار والأعمال في مختلف أنحاء العالم.. وفجأة أجد هذا الموضوع وكأنما هو قضية الساعة الوحيدة في كل ما أقول وأكتب، وهي قضية لا تشغلنى و لم أتحدث أو أكتب حتى الآن عن موقفى فيها.
ولعدم معرفتى للموضوع وعدم متابعتى له، فانى أعتذر عن اجابة السؤال التالى الذى وصلنى:
إلى ماذا تُعزى ظاهرة تفشي المثلية في الغرب..هل يمكن أن يطلق عليها مصطلح ظاهرة؟..هل هي في ارتفاع أم في انحسار؟.. ماهي نسبتها احصائياً إلى مجموع السكان في أمريكا خصوصاً وفي أوربا عموماً إذا توفرت الاحصائيات..
فليس عندى ما أقوله فى الاجابة على هذه التساؤلات.
والآن إلى الإجابة على ما بلغني من أسئلة بنهاية الفترة التي وعدت بها، وهي الخامس من نوفمبر 2012.
(1)
أنت تقول:
(فمع عدم قبولي الشخصي كمسلم لأي ممارسة جنسية خارج إطار الزواج الشرعي، فإني أيضاً كمسلم ألتزم باحترام وحماية الحريات الأساسية لكل فرد بشري مهما كانت اعتراضاتي على معتقداته أو سلوكه.. فليس الأمر هو إقرار للحق الدستورى في المثلية، وإنما هو الحق الدستوري للإنسان من حيث أنه إنسان، بلا اعتبار للحكم الأخلاقي عليه بأنه كافر أو فاسق، أم مسلم وورع.)
السؤال هو:
هل تعتبر (المثلية) من الحريات الأساسية التي حسب قوله أنه كمسلم ملتزم بحمايتها؟ وإذا كانت إجابته نعم فهل يمكن تجزئة هذه الحرية الاساسية بحيث يعلن عن عدم قبوله الشخصي بها تارة وفي نفس الوقت يعلن استعداده للدفاع عنها؟؟ أم أن الحريات الاساسية شئ يلزم الجميع بقبولها والدفاع عنها طالما أنها أساسية؟
أليس هذا خطاب مزدوج موجه لأكثر من جهة، فهو يقول للمسلمين أنا معكم، ويقول للمثليين أنا معكم......لا يمكن يا دكتور أن تكون مع الشئ وضده في آن واحد
أما أن تكون المثلية من الحريات الأساسية و بالتالي لا مجال لإعلان عدم القبول الشخصي بها فالحريات لا تتجزأ حسب المزاج
أو أنها حرية غير اساسية ويمكن بالتالي عدم القبول بها والدفاع عنها في ظل كونها حرية غير اساسية
فاختر لنفسك هل هي اساسية أم غير اساسية؟؟؟
الإجابة:
أول ما لفت نظري في هذا السؤال أن صاحبه بدأ باحتمالين: أن المثلية من الحريات الأساسية أو أنها ليست كذلك، ثم ذهب لاعتماد أني أقول إن المثلية من الحريات الأساسية بدون تقديم أى دليل من أقوالى وكتاباتى، وإعتمد إفتراضه هو كأنه الحقيقة لكى يصل للنتائج التي يريدها هو، دون اى إعتبار للاحتمال الثاني.
والحقيقة هى أن موقفى هو على الإفتراض ألذى أهمله ألسائل. المثلية ليست من الحريات الأساسية عندى ولاهى معتمدة كحق أساسى تحت أي دستور في العالم اليوم. ولو قرأ الأخ السائل إجابتي التي اقتبس منها لوجد قولي: "فليس الأمر هو إقرار للحق الدستوري في المثلية، وإنما هو الحق الدستوري للإنسان من حيث هو إنسان، بلا اعتبار للحكم الأخلاقي عليه بأنه كافر أو فاسق، أو مسلم ورع." [انظر آخر جملة في إجاباتي بتاريخ 15 أكتوبر 2012[
وما كنت أتصور أنه بين المشاركين فى هذا الهجوم الشخصى علي من يحتاج أن يتعلم معنى مفهوم "الحقوق الأساسيه"، فالحقوق ألأساسية هى التى ينص عليها الدستور ليحميها من تغول السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية عليها، مثل حق الحياة وحريه الفكر والتعبير، وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. وهى لا تمنع الإدانه الإخلاقية أو الاجتماعية لأى نمط من أنماط السلوك، وانما تقيد سلطه الدوله فى معاقبة أو منع ممارسة الحق الأساسى.
فموقفي المبدئي هو أني أرفض المثلية دينا وخُلُقا ولكني وبنفس القدر أدافع عن الحقوق الأساسية لكل إنسان من حيث هو إنسان، حتى لو أقر علنا بأنه مثلي.
وأسوتي في ذلك سيدي الأستاذ محمود محمد طه الذي عارض حل الحزب الشيوعي عام 1965 ودافع عن حقوق الشيوعيين السودانيين في حرية الفكر والتعبير والعمل السياسي، رغم معارضته المبدئية كذلك للشيوعية. فالأستاذ محمود لم يقل بحق دستوري في الشيوعية، وإنما هو الحق الأساسي للإنسان الذي يختار ان يلتزم بذلك الفكر. وأنا كذلك لا أقول بحق دستوري في المثلية وإنما هو الحق الأساسي للإنسان الذي يفكر ويقول ويعمل ويتحمل مسؤولية كل ذلك وفق القانون الدستوري.
(2)
تقول ( فمع عدم قبولي الشخصي كمسلم لأي ممارسة جنسية خارج إطار الزواج الشرعي، فإني أيضاً كمسلم ألتزم باحترام وحماية الحريات الأساسية لكل فرد بشري مهما كانت اعتراضاتي على معتقداته أو سلوكه ).
هل سبق أن قلت النص الوارد أعلاه و بنفس الكلمات - بأي لغة كانت - في اي من كتاباتك السابقة أو محاضراتك العامة السابقة؟
إذا كانت الاجابة نعم أرجو توضيح ذلك و إذا كانت الاجابة لا فنرجو توضيح السبب.
الإجابة:
لا أذكر أني سؤلت من قبل عن رأيي في المثلية أو موقفي منها، ولو حدث أن سؤلت فإن إجابتي كانت ستكون هي التي ورد بها النص في هذا السؤال. فهذا هو موقفي الوحيد والذي لم أقدم سواه عن نفسي من قبل. وأرجو ملاحظة الفرق بين قولي عن موقفي أنا وبين الحديث عن هذا أو ذاك الأمر من باب مضرب المثل للتوضيح في مسار النقاش لأمر آخر.
(3)
هناك سؤال مهم جدا قد يكون له ارتباط بجميع الأسئلة والجوبة الواردة أعلاه نتمنى ان نجد عليه الإجابة من الأخ الدكتور النعيم، وهو:
هل يؤمن د. النعيم بأنه من الحصافة أن تتم مخاطبة كل فئة من الناس وفق فهمها وبناء على معاييرها الخاصة في القيم والسلوك لأسباب تكتيكية؟ بمعنى مثلا مخاطبة المثليين عند الحديث إليهم بما يرضيهم ومخاطبة المعارضين لهم بالنقيض عن ذلك إرضاء لهم؟ في كتاباتكم ما يوحي بهذا الفهم ولذلك يجب مخاطبة هذه النقطة لأنها خطيرة جدا وتسمم كل محاولة منكم لتوضيح موقفكم من هذا الشئ او ذاك!!
الإجابة:
لا أعتقد أن في أقوالي ما يبرر هذا الفهم، فأنا لا أغير مواقفي في القيم والسلوك لأسباب تكتيكية، وإنما أقدم نفس الموقف دائما من خلال الحجج التي ربما تكون أقرب لإقناع المخاطبين.. وهذا يعني أنى لا أخاطب المسلمين بخطاب ماركسى أو أخاطب الماركسيين بخطاب إسلامي. وهذا الموقف مؤسس عندي في كتاباتي في حقوق الإنسان لأكثر من ثلاثين عاما فيما أسميه "المشروعية الثقافية لحقوق الإنسان." وبذلك أعني ضرورة أن تكون مبادئ حقوق الإنسان مقبولة لكل مجتمع من خلال ثقافته الخاصة به، إلا أنها نفس الحقوق.. تجد هذا الموقف في كتب ومقالات نشرتها منذ الثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم.
(4)
يقول الأستاذ محمود في الرسالة الثانية عن رسولها:
"هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام"
داير أفهم كيف تمّ هذا الإذن؟ ما هي وسيلة التواصل بين الله والأستاذ؟
الإجابة:
حسب علمي لم يقل الأستاذ محمود محمد طه بأنه هو رسول الرسالة الثانية، وكان دائما يقول بأنه يبشر بذلك العهد. فقد تتلمذت على يد الأستاذ لحوالي سبعة عشر عاما ولم أسمعه ينسب ذلك المقام لنفسه شفاهة أو يقول بذلك كتابة.
(5)
يُنسب إليك أنك قلت: "من الاهمية بمكان تقدير واحترام منظور وتجارب الأبناء المولودين والمنشئين في هذه البيئة الاجتماعية والثقافية الجديدة. إن تجربة أن يولد الشخص لأبوين مسلمين وينشأ في منزل مسلمين مهاجرين يجب أن تفهم في إطار شروطها الخاصة بدلا من الافتراض بأنها تكرار بسيط لتجربة الأبوين المهاجرين".
ويرى أن البعض أن هذه العبارة غامضة، فما مدى صحة نسبة العبارة إليك؟؟ أو قل بعبارة أخرى ما مدى صحة الترجمة؟؟ وماذا تقصد بهذه العبارة على وجه التحديد؟؟ وما هي ملامح البيئة الاجتماعية والثقافية الجديدة التي تعنيها؟؟ وما هي الشروط الخاصة التي في إطارها تكون تجربة المواليد في تلك البيئة؟؟
ويضيف أحد الاخوة لهذا السؤال القول: "وهل هذه الشروط تقوم على الواقع الأمريكي، الذي يمثل فيه وجود "بوي فرند" عملا طبيعيا حسب التقاليد والثقافة السائدة؟"
الإجابة:
أولا أرى ان التوجه العام لهذا التسائل يختلف عن موضوع تصديرى لكتاب الاستاذة ميلودى الذي كان عن عدم فرض تجارب الوالدين على أطفالهم، وليس عن النشأة الدينية للاطفال. وما كان يخطر ببالى وقتها أن ينصرف الفهم الى موضوع هذا التساؤل.
وأعتقد أن خللا فى الترجمة قد أدى الى هذا الانحراف. ففى الجملة التى جاءت ترجمتها فى السؤال أقول بضرورة فهم تجربة الاطفال فى حد ذاتها (on its own terms) وليس "فى اطار شروطها الخاصة" كما جاءت الترجمة. فقولى يتعلق بتجربة الطفل المسلم نفسه، وليس "البيئة الاجتماعية والثقافية الجديدة" التى يذكرها السؤال فقط وبالضرورة.
ومع أن موضوع السؤال غير مقصود فى تصديرى للكتاب، فسوف أرد على السؤال كما ورد. وهنا أبدأ بالقول أنى أرى أن اختزال الواقع الأمريكي بهذه الصورة فيه تبسيط وتعميم مخل بالواقع.. ففي المجتمع الأمريكي على عمومه جماعات محافظة للغاية، ولا تتبع هذا التصور السينمائي للعلاقات الجنسيه في حياتها اليومية.
وعلى كل حال، فإن القول بأن تُفهم تجربة الشخص في حد ذاتها وفي إطارها الواقعي لا تعني اتباع كل ممارسات المجتمع فى ذلك الواقع. فإذا كان مفهوم "البوى فرند" أمرا شائعا فعلي انا كوالد تبصير أطفالى بأننا لا نقبل هذا السلوك لأننا مسلمين نرفض أى علاقة جنسية خارج اطار الزواج الشرعي. وكذلك الحال بالنسبة للمخدرات وعصابات الشباب في المدن الكبرى. فنحن إنما نربي أطفالنا للحياة في هذا المجتمع وليس في مجتمعنا التقليدي الذي هاجرنا منه.
(6)
ينسب إليك أنك قد قلت: (أنا متفائل براغماتي)، فماذا كنت تعني على وجه التحديد، وهل هناك علاقة بين (البراغماتية) التي وصفت بها نفسك، وبين (فلسفة تسمى البراغماتية ينظِّر لها وليم جميس)؟؟
الإجابة:
عندما أقول بأني (pragmatic optimist) والتي يمكن ترجمتها بأني متفائل براغماتي، أعني بذلك أني متفائل بإمكانيات التغير الإيجابي وتحقيق المجتمع الصالح الذي يرعى الحريات الأساسية ويحتكم للدستور، وفي كل هذا أنا لست بساذج أو غافل عن حقائق الحياة الواقعية. فأنا متفائل لكني واقعي فى توقعاتى لسرعه ومدى التغير الممكن كل حين، وفى اتخاذ الوسائل المناسبة لكل مرحلة.
وبكل أمانة وصراحة أقول باني لم أسمع عن "فلسفة تسمى البراغماتية ينظِّر لها وليم جميس" كما يقول السؤال. فأنا لم أسمع بهذا ولم أذكر شيئا يقارب الزعم بإنتسابى لهذه الفلسفة في أى من محاضراتي أوكتاباتي.
(7)
لقد تحدثت أنت عن (النسبوية الثقافية) فماذا تقصد بها على وجه التحديد؟؟ وما علاقتها بمذاهب فكرية أو سياسية يقال أنها قائمة أو كانت قائمة في الغرب مثل (البنيوية) و(النسبوية) و(ما بعد الحداثة) و(البراغماتية الحديثة)؟؟ وهل أنت تتبنى نظريات منسوبة إلى تلك المدارس مثل (موت المؤلف) و(ذات القاريء) و(تفكيك النص)، وما إلى ذلك؟؟
فى محاضراتى وكتاباتى منذ الثمانينات من القرن الماضى أنا أتحدث عما أسميه باللغة العربية "الخصوصية الثقافية" وهي ميل كل جماعة من البشر للالتزام بنظامها الثقافي الخاص بها، وكثيرا ما كتبت عن مفهوم "المشروعية الثقافية" (cultural legitimacy) لدعوة المدافعين عن حقوق الإنسان للعمل في إطار ثقافة مجتمعاتهم لتنمية الإجماع بين الثقافات (overlapping consensus) حول مبادئ حقوق ألانسان، رغم الاختلاف حول أسس الالتزام بها بين ثقافه وأخرى.
فالمصطلح الذي ورد في كتاباتي في مجال حقوق الإنسان هو (cultural relativism) والتي أري فيه بعض المزايا وأعترض على بعض جوانبه كذلك كما حاولت البيان في إجاباتي السابقة التى سأنصصها بعد قليل. وكلمة (relativism) يمكن ترجمتها حرفيا بكلمة "نسبوية" ولكن مفهوم الخصوصية الثقافية هو الترجمة الأكثر سلاسة، والتي سبق أن استخدمتها منذ عشرين عاما في كتاب صدر باللغة العربية عن مركز ابن خلدون بالقاهرة عام 1993 بعنوان: الأبعاد الثقافية لحقوق الإنسان في الوطن العربى" (أنظر تقديمى للكتاب "نحو عالمية حقوق اللإنسان من خلال ألخصوصية الثقافية"، صفحات 15- 58 .
وقد سبق أن حاولت بيان هذا فى إجاباتى التى نشرت فى 15 أكتوبر 2012 فى ردى على ألسؤال الخامس (5) فى تلك المجموعة كألاتى (بداية التنصيص للسؤال والاجابة السابقين):
ماهو الفرق بين: Universalism وCultural Relativism خصائصهم وعلاقتهم بموضوع حقوق الأنسان؟
الفرق بين هذين المفهومين، ويمكن ترجمهما بالعالمية والخصوصية الثقافية (التأكيد منى الآن)، أن الأول يشير إلى الزعم بأن حقوق الإنسان مقررة مسبقاً من ألدول ألغربية، وما على باقى شعوب العالم إلا الإلتزام بها وتطبيقها، بينما تشير الثانية إلى ضرورة الإلتزام بالخصوصية الثقافية حتى على حساب عالمية حقوق الإنسان. والخصوصية الثقافية هنا تعنى الاعتماد على مرجعية الثقافة المحلية، كالقول مثلا إن المساواة بين الرجال والنساء لاتنطبق علينا لأن الثقافة الإسلامية فى السودان تعطى الرجل حق الوصاية على المرأة.
وأنا أعارض التطرف في أي من هذين الاتجاهين (التأكيد منى ألآن) ومنذ أوائل كتاباتي مثل المقال الذي نشر عام 1987 والمتوفر خلال موقعي الإلكتروني. والمعالجة التي أقترحها لهذه المعضلة هي استمرار الحوار بين الثقافات والخطاب الداخلي في كل ثقافة -internal cultural discourse and external cross-cultural dialogue
لتحقيق التقارب القائم على قناعات حقيقية وصادقة بين العالمية والخصوصية الثقافية. ففي حالة السودان مثلا المطلوب هو الخطاب الداخلي بين المسلمين ومنهجي في ذلك هو الفكرة الجمهورية ثم الحوار بين الثقافات السودانية والأخرى خارج إطار القطر (إنتهى التنصيص من إجابتى ألسابقة).
وترجمة المصطلح بال"النسبوية الثقافية" مكنت من تحريف موقفى حتى أتهم بال"النسبوية ألأخلاقية"، وهو مالم أذكره فى أى مكان كموقف لي أنا شخصيا.
وبكل أمانة وصراحة أقول بانه لاعلم لي بمذاهب فكرية أو سياسية مثل "البنوية" و"ما بعد الحداثة" وليس لي معرفة بنظريات مثل "موت المؤلف" و"ذات القارئ" و"تفكيك النص". ولن تجد في مؤلفاتي ومحاضراتي العامة أو المقابلات الخاصة أي إشارة لإنتسابى لأي من تلك الفلسفات.
وأقول بصراحة أيضا أني لست مشغولا بالكتابات الفلسفية عموما وليست لي معرفة واضحة بها أو بمدارسها.. فأنا قانوني واقعي وعملي، لا أحب التنظير وإن كان البعض ينسب لي شيئا من ذلك، فحتى العمل النظري في القانون هو تهيئة للتطبيق.. ثقافتي ومراجعي قانونية، بجانب التزامي الفكري والأخلاقي بالفكرة الجمهورية كما أفهمها أنا. والكتابات التي أقرأها وأتابعها تدخل في المضمار القانوني، وحين أكتب وأتحدث في تحليل التاريخ والوقائع المعاصرة فإني أبنيه على ثقافتي القانونية.
(8)
ينسب إليك أنك قلت:"النقطة الأولى التي أود أن أدلي بها هي أن هذه كانت بمثابة رحلة تحول شخصي بالنسبة لي"، فماهي هذه التي كانت بمثابة رحلة تحول شخصي لك؟؟ وما هو التحول؟؟ ومتى كان تاريخه؟؟ وهل هو تحول في موقفك من الإسلام أو من الدين؟؟
الإجابة:
أنا غير متأكد من أين أتى السائل بهذه العبارات، ولا أعرف لماذا تشير "هذه" أو التحول الشخصي المقصود. فإذا كان الموضوع هنا هو تحول موقفي تجاه علمانية الدولة بين تاريخ صدور كتابي نحو تطوير التشريع الإسلامي (1990) وتاريخ صدور كتابى الإسلام وعلمانية الدولة (2010) فهذا صحيح. فقد كنت أعتقد أن العلمانية هي بالضرورة دائما معادية للدين، مثل المفهوم السائد الآن في فرنسا وكان سائدا أيضا في تركيا على عهد الفكر الأتاتوركي. ولكن من خلال دراستي للأنظمة الدستورية المختلفة التي تعتمد هيكل علمانية الدولة، مثل الهند وألمانيا وبريطانيا، أرى تنوعا في علاقة الدين بالدولة في مودة وتواصل عميقين.
فإذا كان هذا هو التحول الذي يقصده السؤال، فهو تحول في فهم ما أسميه علمانية الدولة وإمكانية علاقتها الإيجابية بالدين. وليس في هذا أي تحول في موقفي من الإسلام أو الدين.
كما أقول فى هذا السياق أني أعني علمانية الدولة وليس العلمانية كفلسفة عامه للحياة ترفض الدين.
(9)
ينسب إليك أنك قلت عن المنطق المدني:"يسعى إلى إقناع عامة المخاطبين من غير الاعتماد على المرجعية الدينية العقائدية، بين المسلمين أو غيرهم من اصحاب الأديان أو المذاهب أو الفلسفات"
فماذا تعني بذلك؟؟
الإجابة:
أعني بهذا القول أن السياسات العامة والقوانين لأي دولة يجب أن تجد القبول لدى عموم المواطنين، وهذا يعني بالضرورة أنها لا يمكن أن تعتمد على العقيدة الدينية للبعض دون الآخرين. وهذا الأمر عندي بديهي للغاية في أي مجتمع. فلو تصور كل منا أن سياسة وقوانين البلاد التي يعيش فيها تعتمد على عقيدة غير عقيدته هو فسيرفض ذلك تماما. فلهذا نرفض نظام الاخوان المسلمين أو الوهابية في السودان لأنه يقوم على العقيدة الضيقة المتعنتة وليس على أساس المواطنة التي يشترك فيها الجميع على قدم المساواة.
كمثال مختصر على المنطق المدني أذكر كثيرا موضوع الربا.. أنا كمسلم أعارض التعامل الربوي، لكني حين أريد طرح سياسات وقوانين متسقة مع عقيدتي هذه، هناك أمامي خياران: الأول هو أن أقول للناس يجب إيقاف التعامل الربوي لأنه حرام، وهكذا فإني بهذا الخطاب أقدم عقيدتي لكي تصبح قانون دولة، فمن يتفق معي ومن يختلف معي من المواطنين ينمازون على أساس العقيدة، وهذا أمر خطير ومدمر للديمقراطية والحكم الدستوري. والخيار الثاني هو أن أقدم أسبابا اجتماعية واقتصادية توضح الحكمة فى منع الربى قانونا، وكيف أن التعامل الربوي يسبب الاستغلال للفئات الكادحة في المجتمع ويؤدي لإضعاف القطاع الانتاجي لصالح القطاع المصرفي غير المنتج، وغير ذلك من الآثار الاقتصادية والاجتماعية السيئة طويلة المدى. إذا قدمت حججا مقنعة لأغلبية المواطنين بهذا الخيار الثاني أكون متسقا مع عقيدتي وإيماني وفي نفس الوقت لا أفرض عقيدتي على الآخرين.
إذن فالمنطق المدني لا يعني أن لا تكون لي عقيدتي التى أحاول أن أعيش وفقها في حياتي الخاصة والعامة، وإنما يعني أن أعبّر عن مواقفي تجاه السياسات العامة والتشريع بخطاب موضوعي ليناقشه جميع المواطنين، وليس بالاعتماد على الحجج العقائدية التى لا تقبل النقاش.
(10)
تنسب إليك العبارة التالية: " فطبيعة عمليات تحديد الهويات وتفاعلها مع بعضها البعض يقبل احتمالات مختلفة:على سبيل المثال، قد أجد نفسي في موقف أتوقع من الآخرين العداء لهويتي الإسلامية، مما يدفعني إلى إخفاء، أو عدم تأكيد، هذا الجانب عن نفسي. لكني إن أدركت أن هويتي كمسلم لا تهم الآخرين، أو ربما قد تعمل لصالحي، فإني قد أحرص على الإفصاح عنها."
فما مدى صحة نسبتها إليك، أو قل ما مدى صحة الترجمة؟؟ وماذا تقصد بها؟؟
الإجابة:
هذه الترجمة ركيكة ومتعنتة، وتتجه للتجريم وإلقاء ظلال الانتهازية والجبن، وحقيقة ما أقصده بمثل هذه العبارة التي كثيرا ما ترد في كتاباتي أن لكل منّا هويات متعددة ومتداخلة، وأننا نمارس ما أسميه بالمحاورة أو التفاوض (mediation and negotiation)، فعندما يدخل أحد إلى مكان ما أو يلتقي بشخص آخر، فإنه يقدّر الهوية المشتركة بينه وبين الحضور أو ذلك الشخص، فيقدّم ذلك الجانب عنده أكثر من غيره. هذا هو واقع الحال عند جميع البشراليوم في جميع المجتمعات وعلى مختلف المستويات، سواء أقررنا بذلك أم لم نفعل.
والغرض من كل هذا القول عندي هو إمكانية التعايش مع مختلف أنواع البشر في سلام ومودة في الوطن الواحد أو العالم الواحد.
(11)
نسبت إليك العبارات التالية: " أصر وأؤكد أنه لا أحد - مسلم أو غير مسلم - يمكنه أن يعرّف بصورة محددة، وشاملة، الإسلام).. ويقول: (بعبارة أخرى كل من يحاول تقديم (فرضية التوافق) إنما هو يدّعي أنه يعْرف، بصورة محددة وشاملة، ماهية الاسلام
ولكن الأمر فيما يخصني هو أن هذا هو موقفي! وهذه بالطبع هي عقيدتي في كيفية حدوث الأشياء في الكون. فأنا لا أعتقد أن الله يفعل الأشياء في هذا الكون بطريقة متجاوزة للوجود المادي أو خارقة للطبيعة. إن الله يفعل في الوجود عبر الواسطة البشرية.. فالبشر هم الذي يتصرفون ويتخذون المواقف.. إننا نحن البشر من نفعل أو نفشل في الفعل..
النقطة التي أود أن أعلق عليها هي المنظور التاريخي الذي أؤمن به. فالآن الحديث عن حقوق المثليين والمثليات يبدو أمراً مؤسسا جداً ومقبولا جداً، ولكن هذا الأمر ظهر مؤخراً جداً، جداً، في هذا البلد، في هذه الثقافة. كما تعلمون، إذا رجعتم عشرين سنة في الماضي، سوف لن تجدوا نفس القدر من التسامح والتفهم لحقوق المثليين وحقوق المثليات، على النحو الذي تجدونه اليوم. وهنا أيضا تأتي عملية التطور والتفاعل، وهو تطور وتفاعل نحتاج أن ننظر إليه من منظور تاريخي
كان لدي أيضا إحساس بالصراع والتناقض الداخلي، بين انتمائي كمسلم، وبين رغبتي في تحقيق أشياء أخرى في حياتي، كأن أكون ناشطا وداعية حقوق إنسان. وقد قادتني محاولة التوفيق في هذا الصراع إلى دراسة حقوق الإنسان، حيث كنت في البداية أفكر في كيفية تحقيق التوفيق بين الإسلام وحقوق الإنسان. وفي مطلع الثمانينات من القرن الماضي انحزت إلى جانب حقوق الإنسان كمبدأ أولي، وثابت، ومسلم به. (كما ترون فإني أغيّر رأيي فعلا، وأعتقد أن هذا شيء صحي جدا لأن يفعله المرء".
فيما يخص هذا الموضوع، وهذا هو الموقف الذي أتبناه وأقدمه في هذا الكتاب، وهو أني أريد أن أقول إن أي سياسة عامة أو تشريع عام لا يمكن تبنيه بالرجوع إلى المرجعية الدينية. ومعنى ذلك أنك إذا أردت أن تمنع العلاقات الجنسية المثلية، بين الأفراد من الجنس الواحد، لا يمكنك أن تفعل ذلك بسبب أنها حرام، وتقول للناس لا يمكنكم أن تفعلوا ذلك لأنها خطيئة من وجهة نظر الدين
واهتداء بالنموذج التأسيسى لرسالة النبى محمد فى غرب الجزيرة العربية فى مطلع القرن السابع، يسعى المسلمون دائما للتكيف مع الظروف الاجتماعية والثقافية التى يجدونها سائدة فى المجتمعات التى يقدمون إليها، دون ان يفرضوا آراءهم الدينية أو السياسية وأساليب حياتهم على المجتمعات إلا فى أدنى مستوى .. وبالتالى فان صفة مسلم أو إسلامى قد تطورت دائما فى الزمن"
فما مدى صحة الترجمة في كل هذه الأقوال وماذا تقصد بكل قول منها؟؟
الإجابة:
لا أكاد أتعرف على أقوالي فى هذه الترجمة، لكن المفهوم العام واضح وصحيح عندي بالمعنى التالى: فكثيرا ما أقول إن الحديث عن التعارض بين الإسلام وحقوق الإنسان غير منطقي مفهوميا لأنه يزعم المعرفة الكاملة والشاملة لكل من الجانبين (اى الاسلام وحقوق الانسان). وقولي عن عدم إمكانية معرفة الإحاطة بالإسلام أو حقوق الإنسان لا يعني المساواة بينهما، وإنما إشتراكهما في التنوع في الفهم والممارسة.
فالإسلام كما هو معروف ومُعاش في غرب افريقيا يختلف عما هو في أواسط آسيا، أوفي جنوب شرق آسيا أو الشرق الأوسط. فمثلا الشهاده عند الشيعه تزيد عما هي عند السنيين من المسلمين بإضافه عبارة: "علي ولي الله." ولهذا الاختلاف تبعاته فى مختلف جوانب العقيده والعلاقات السياسيه والاجتماعيه.
وكذلك حقوق الإنسان تعتمد عندي على قبول كل شخص بها من منظور ثقافته ودينه وأعرافه السائدة في مجتمعه، وبالتالي هي قابله للتطوربتنوع المجتمعات البشرية. فأنا أرفض الزعم بأن حقوق الإنسان غربية وأقول لو كانت غربية لما أمكن أن تكون عالمية (universal).
تأتي الإشارة لموضوع المثلية الجنسية مرتين في هذه الأقوال المنسوبة اليّ فى النص أعلاه. أولا القول بأن حركة المثلين السياسية والاجتماعية حديثة عهد فيما نسميه بالمجتمعات الغربية.. فقد كانت هذه العلاقة جريمة يعاقب عليها القانون في ولاية جورجيا التي أعيش فيها في الولايات المتحدة حتى منتصف التسعينات من القرن العشرين (أي حوالي خمسة عشر عاما من التاريخ الراهن)، والمقصود بهذا المثل هو أن التحول الاجتماعي مسألة لازمة ومستمرة في كل المجتمعات.
وليس في ذكري للمثلية فى سياق الحديث فى موضوع آخر تعبير عن موفقي الشخصي من ذلك السلوك وإنما هو تقرير حقيقة اجتماعية ظاهرة للقارئ الأمريكي الذي أخاطبه، ولو كنت أخاطب جمهورا في غرب افريقيا أو الشرق الأوسط لاستخدمت نماذج أقرب إلى تجارب تلك المجتمعات.
والإشارة الثانية هي إلى ما أسميه المنطق المدني الذي شرحته بإيجاز في ردي على السؤال التاسع، أعلاه، وهوالقول بوجوب اقامه السياسات العامة والقوانين على أساس المواطنة المشتركة وليس العقيدة الدينية. وتكفي هنا الإشارة بأن عقوبة الردة تقوم على المعتقد الديني لدى الغالبية العظمى من أهل السودان لكنها مرفوضة عندى لعدم دستوريتها.
(12)
وعن المجتمع السوداني ينسب إليك القول: "ولكن القيم والعلاقات الاجتماعية لذلك المجتمع لم تكن، إلا بالكاد، متسقةً مع (الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان الأساسية المتساوية المفطور عليها كافة أعضاء الأسرة البشرية) المنصوص عليها في ديباجة الإقرار العالمي لحقوق الإنسان"
فما مدى صحة الترجمة وماذا تقصد بهذا القول؟؟
لا أذكر أين قلت هذا لكنه عندي صحيح، ليس فقط على المجتمع السوداني الراهن بل وعلى جميع المجتمعات البشرية اليوم.. فمستوى الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان الأساسية غائب في جميع المجتمعات البشرية على درجات متفاوتة.. لذلك جاءت المواثيق الدولية والدساتير القومية لتشحذ الهمم وتبيّن الأهداف المقصودة في الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي في كل مجتمع.
ولدى التحديد فإن المجتمع السوداني الراهن بعيد عن هذا المستوى غاية البعد، وهو الآن مجتمع مهووس دينيا ومتحيز عرقيا ومتسلط سياسيا على الأقليات المهمشة في غرب وشرق وجنوب السودان الحالي (بعد انفصال الجنوب). هذه هي القضايا التي ينبغي أن تشغلنا جميعا فورا، وبصورة كاملة وشاملة.
(13)
أنت تعمل في مجال تخصصك القانوني وفي مجال حقوق الانسان وهما متداخلان وبينهما مآزق كثيرة ..علمت أن بعض الدول الأوروبية استطاعت أن تؤمِّن حقوق الممارسة "الرضائية" خارج اطار الزوجية، وحقوق المثليين في الزواج وتحيطه بسياج قانوني يحد من نقد هذه الظاهرة، وتوِّجت باعتراف وتأييد من الأمم المتحدة، أرسى لهم حقوقاً ومنع عنهم نقداً يتوجه إلى فلسفتهم وتعريفهم للحرية التي يرونها (ومنع القس الكندي من الحديث عن أي مستوى ناقد لممارساتهم وبنائهم الفوقي ماثلة)، ما هي العقبات القانونية (إن وجدت) والتي من الممكن أن تعرقل نشاط ناقدي الظاهرة؟، وربما تعرقل المعالجة المطلوبة كظاهرة شاذة ومنافية للطبيعة البشرية؟، وما هي حدود الحماية المتوفرة لهذه الظاهرة؟، وما هو المدى الذي يمكن أن يسير فيه ناقدو الظاهرة؟!، ما هي الامكانية المتاحة للرأي المخالف للتعبير عن رأيه في هذا الأمر؟.
الإجابة:
القضية هنا ليست فقط بالنسبة لحقوق المثليين أو الممارسة الجنسيه "الرضائية" خارج إطار الزوجية، وإنما تتعلق بتنظيم الحريات الاساسية من حيث هي في أي موضوع كانت. فمثلا قد يتعلق الأمر بالرقابة على الأعمال الأدبية والفنية من أجل حماية الأطفال أو الأخلاق العامة، أو الأمن والاستقرار، بتقييد تلك الاعمال الأدبية والفنية التي تهدد المصالح العامة في المجتمع. فالانظمة الدستورية الديمقراطية تحاول الموازنة بين حريات وحقوق الأفراد من ناحية ومصالح وحقوق المجتمع أو الأسرة من ناحية أخرى. وإشكالية هذه الموازنة لن تنتهي أبدا في أي مجتمع ديمقراطي، إذ أن خيارات عامة المواطنين والناخبين بصورة خاصة هي التي ينبغي أن تسود في في أي وقت معيّن، وهي دائما في حالة تحول وتغيّر، فما هو مقبول اليوم من الأعمال الفنية قد يصبح مرفوضا غدا باعتبار أنه عمل فاضح أو مخل بالذوق العام أو ضار بمصالح الأطفال، أو يهدد الأمن العام باستهداف الأقليات أو الجماعات المهمشة، وما إلى ذلك من اعتبارات مشروعة.
وهكذا فإن جماعات الضغط المختلفة، والمنظمات والأحزاب، تتنافس في الدفاع عن وجهة نظرها في الموضوع، فقد يجنح الحزب المحافظ فى الدفاع عن حرية التعبير الدينية ثم يعارض حرية التعبير الفنية.. ومن الناحية الأخرى فقد تسعى جماعات وأحزاب يسارية إلى توسيع حرية النقد للدين أو تقييد حقوق الرجال في الأسرة.. ففي كل موضوع أو قضية هناك من يؤيد ومن يعارض هذا الخيار أو ذاك، ويجري التنافس بينهم باستمرار، حيث تكون الغلبة اليوم لهذا الجانب مما يحفز أصحاب الرأي الآخر إلى التنظيم والدعاية الأقوى لوجهة نظرهم عسى أن يكسبوا الجولة التالية.
ويجري الآن نفس الصراع والتنافس على الصعيد الدولي تجاه حدود وقيود حقوق الإنسان لمصلحة حقوق الآخرين أو الصالح العام.. فيمكن النظر لمسألة فِلم "براءة المسلمين" الذي صدر في ولاية كلفورنيا في الولايات المتحدة في اطار حرية التعبيرالتى يزعمها مخرج الفلم ويعارضها المسلمون الذين تظاهروا احتجاجا على ذلك الفِلم لأنه يسيء للنبي عليه الصلاة والسلام. كما يمكن أن نرى حادثة الكاركتيرات الدنماركية في هذا الإطار أيضا. هل كان ذلك التعبير في حدود الاطار المقبول لحرية التعبير الفني والأدبي والسياسي، أم تجاوز تلك الحدود؟ هذا هو ما يجري التحاور حوله من خلال المناشط المختلفه.
فقضية نقد المثلية الجنسية أو حمايتها من النقد في كندا، التي أشارإليها السؤال هي واحدة من عشرات القضايا التي تثار كل يوم في كندا وغيرها من البلاد الديمقراطية. فهذا النوع من المنازعة والتفاوض لن ينتهي على حال، فقد ينجح جانب تقييد حرية النقد اليوم ويخسر غدا عندما ينظم الجانب الآخر حملة أنجح لكسب تأييد الرأي العام لموقفه هو في القضية.
والمشكل هنا أننا نميل إلى تأييد حرية التعبير مثلا عندما تخدم أغراضنا ونعارضها عندما تهدد ما نحرص على حمايته، والعكس صحيح بالنسبة لمن يخالفونا الرأئ وحقيقة ألامر فى تقديرى هو أن كلا الطرفين يتضررعندما نضحي بحرية التعبير نفسها لاننا لا نحب الرأى المقدم من خلالها. بل ان المعيار الحقيقى لالتزامنا بالديقراطية وسيادة حكم القانون الدستورى أن نكون أحرص على حرية التعبيرعندما نختلف بشدة مع الرأى الآخر.
(14)
ما هو تكييفك الشخصي لعضويتك في المفوضية الدولية للقانونيين (International Commission of Jurists) هل هناك أي شبهة قد تطالك من خلال تعاونك معها؟.
وتسائل أخ آخر بما يمكن ترجمته من اللغة الانجليزية الى العربيه كلآتي:"ما هي منظمة ICJ وكيف أصبحت عضوا فيها وأي دور تلعبه في أعمالها؟ ما الذي يؤهلك أو غيرك لعضوية هذه المنظمة؟ الرجاء إعطاء بعض النماذج من أعضاء هذه المنظمة."
الإجابة:
أنا أعتبر دعوتي للخدمة كأحد المفوضين في "لجنة الحقوقيين الدولية" بمثابة التكريم المهني والأكاديمي الرفيع، لأني أعرف عن هذه المنظمة وأعمالها المجيدة منذ أن كنت طالبا بجامعة الخرطوم في أواسط الستينات من القرن الماضي. فأذكر مثلا دراسة قيمة أصدرتها هذه المنظمة عام 1967 عن مفهوم وممارسة سيادة حكم القانون اعتمدت عليها كثيرا فى اعداد رسالة الدكتوراة ببرطانيا فى 1973-1976
و يمكن الاطلاع على بعض اعمال هذه المنظمة فى الوقت الراهن من موقعها الرسمي، وعنوانه هو:
http://www.icj.org/
جدير بالذكر أيضا أن هذه المنظمة لها تواجد كبير وقوي في بلدان كثيرة حول العالم ذات أغلبية مسلمة، مثل مصر والمغرب وباكستان، وفيها أعضاء مفوضين، مثل شخصي، من كافة المجتمعات الإسلامية والعربية والافريقية، يعملون في بلدانهم وبصورة علنية كما هو الحال مع المنظمات المتعاونة مع الأمم المتحدة. وملف عمل المنظمة في كل منطقة من مناطق العالم يحوي برامجها المتعلقة بتلك المنطقة، وأنشطة المنظمة في كل بلد. ويمكن مراجعة كل هذا في الموقع الرسمي للمنظمة، فهي ليست منظمة ذات أهداف مدسوسة أو تعمل بصورة غير قانونية في المجتمعات الإسلامية وخلافها.
كما يمكن الاطلاع على طريقة عمل المنظمة وهيكلها اللامركزي، وأسماء وتخصصات المفوضين (مثلي) عبر تاريخ المنظمة، وهم أشخاص تتم دعوتهم من جانب المنظمة نفسها لفترات معيّنة، وهم غير الطاقم الدائم للمنظمة والذي يحدد سياسات المنظمة ويدير برامجها بصورة مباشرة. ويقتصر دور المفوضين على التعاون مع المنظمة في مجال خبراتهم لفترات زمنية يتفق عليها الطرفان، ويقوم بعضهم بلعب دور أعضاء "مجلس الأمناء" المعروف في هياكل المنظمات غير الحكومية.
ففى حالتى أنا مثلا فقد تم انتخابى كأحد المفوضين عام 2003، وقد حضرت اجتماعا واحدا للمنظمة تم ببرلين فى ألمانيا عام 2004، وتعاونت بالمراسلة الاكترونية مع لجنة تقصي حقائق حول انتهاكات لحقوق الانسان بجمهورية المالديف فى المحيط الهندى، وسكانها من المسلمين.
ولمزيد من الايضاح فى أمر"لجنة الحقوقيين الدولية" أورد هنا تلخيص الأخ قصي همرور لاعمال هذه المنظمة، في الحلقة الرابعة من مقالاته الأخيرة بعنوان "هل من سبيل أفضل":
"هذه منظمة لها تاريخ يمتد لعقود من الزمان، منذ العام 1952، ولها ملفات كثيرة وقضايا كثيرة، قبل موضوع المثليين وأكبر منه، وتجسيدات نشاطاتها تلك معروفة للناس، منها:
أ- إنشاء المحكمة الجنائية الدولية (أي أنها المنظمة التي ابتدرت ورعت ملف إنشاء هذه المحكمة، حتى أقنعت هيئة الأمم المتحدة به، وهي نفس المحكمة التي يعرفها الناس اليوم في قضية أوكامبو والبشير)
ب- إعلان الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختطافات السياسية - إثر أجواء ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة.
ج- قضايا رفع الحصانة الدبلوماسية عموما عن مجرمي الحرب.
د- عموم قضايا حقوق الإنسان.
ه - قضايا استقلال القضاء وحكم القانون في الدول النامية.
... إضافة لأن هذه المفوضية منظمة ذات علاقة غير اعتيادية بهيئة الأمم المتحدة، بحيث أنها ليست مجرد "منظمة غير حكومية" بالمعنى الشائع (هي فعلا غير حكومية بمعنى لا تتبع لسلطة دولة، لكنها على علاقة قانونية وتاريخيه وثيقة بهيئة الأمم المتحدة، ولها علاقات بمنظمات التحالفات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي، وهيكلها واسع وعالمي، كما هو واضح من تاريخها وإنجازاتها، بحيث لا يمكن أن نساوي بينها وبين أي منظمة مجتمع مدني عادية.. يمكن مثلا أن نقارنها، نسبيا، بمنظمة الأمن الدولية، وهي أيضا منظمة غير حكومية).. أجندة هذه المنظمة متطابقة مع هيئة الأمم المتحدة، وتعمل كثيرا كجهة استشارية لمنظمات الأمم المتحدة."
(15)
منظمة أخوات في الاسلام (Sisters in Islam) هذه المنظمة تعاملت معها وتعاملت معك، ما هو رأيك في نشاطها، ومدى تعاملك معها؟، وهل هناك أي شبهة يمكن أن تلحق بك من خلال هذا التعامل؟.
الإجابة:
أعرف هذه المنظمة منذ تأسيسها حوالي عام 1991، حيث دعنى الأخوات المؤسسات للمنظمة للمشاركة في مؤتمرهن التأسيسي في كوالالمبور بماليزيا لأن المؤسسات كن يعتمدن منهج الأستاذ محمود محمد طه كأحد المناهج المهمة والمفيدة لهن في الإصلاح الإسلامي من أجل حقوق المرأة. وقد سافرت إلى ماليزيا وشاركت في ذلك المؤتمر وعدد من المناشط اللاحقة، كما كنت دائما بمكان المتعاون والمستشار للمنظمة منذ تأسيسها وحتى اليوم.. وحسب علمي ومتابعتي المنتظمة لأعمال المنظمة بمنهجها وهو البحث عن حجج إسلامية لنصرة حقوق المرأة من داخل الثقافات الاسلامية.. وفي الآونة الأخيرة تتعاون المنظمة مع منظمات أخرى في العالم الإسلامي في تأسيس جمعية إسلامية دولية لحقوق المرأة اسمها "مساواة"..
وتجد هذا وغيره من المعلومات عن منظمة أخوات في الاسلام في موقع المنظمة، وأنصح القراء أيضا بالاطلاع بأنفسهم: http://www.sistersinislam.org.my/
(16)
نُسب لك القول الآتي: "في الواقع فإن الكتاب الأول الذي أصدرته عندما غادرت السودان في الثمانينيات كان بعنوان "نحو تطوير التشريع الإسلامي" (1990) وفي هذا الكتاب رفضت بوضوح فكرة الدولة العلمانية أو العلمانية، كطريق يمكن للمسلمين أن ينتهجوه للتقدم إلى الأمام. ولكن بمرور الوقت تبين لي أن فهمي للعلمانية، من حيث أنها ضد الدين، ومعادية للدين، هو الذي كان سلبياً، وأن الوضع ليس بالضرورة كذلك. وبدأت أعيد النظر في موقفي. وتوصلت الآن إلى أن أعتنق فكرة الدولة العلمانية بالكامل"
- أرجو أولاً أن تؤكد صحة ما نسب لك من حيث النص، هل هو صحيح؟ أم أن هناك عدم دقة في ما نسب لك وماهو قولك تحديداً في هذا الاتجاه؟.
- ماذا يعني (في حالة قبولك النص) قولك "ولكن بمرور الوقت تبين لي أن فهمي للعلمانية، من حيث أنها ضد الدين، ومعادية للدين، هو الذي كان سلبياً، وأن الوضع ليس بالضرورة كذلك. وبدأت أعيد النظر في موقفي. وتوصلت الآن إلى أن أعتنق فكرة الدولة العلمانية بالكامل"؟.
- ماذا تقصد بوصولك لاعتناق فكرة الدولة العلمانية بالكامل؟.
- في حالة رفضك للنص بهذه الصيغة ما هو النص المعتمد لديك؟ وماذا يعني عندك؟.
- ما هو موقفك الآن من كتابك "نحو تطوير التشريع الإسلامي"؟، هل هو متغيِّر أم ثابت؟..
الإجابة:
لا أستطيع أن أجزم بدقة النص في غياب التحديد للموضع الذي أخذ منه، إلا أن المفهوم العام واضح ومقبول عندي على أساس الفهم التالي:
كما أوضحت في كتاب الإسلام وعلمانية الدولة (2010)، فانا أميز بين العلمانية كفلسفة عامة في الحياة تعتمد مركزية الإنسان وإقصاء الدين، وهي مرفوضة عندي تماما، لكن "علمانية الدولة" بمعنى حياد الدولة تجاه جميع الأديان بحيث لا تفضل دين على آخر فهي مطلبي وهدفي فيما يتعلق بتنظيم أعمال الدولة. وأرى أن علمانية الدولة بهذا المعنى ضرورة لإمكانية وصحة التدين عن قناعة واخلاص في المجتمع.
والذي تغيرفى موقفى بين كتابي عام 1990 والآخر 2010 هو وضوح هذا التمييز لي بحيث أدرك الآن أن المرفوض عندي هو العلمانية كفلسفة عامة في الحياة والمطلوب هو علمانية الدولة كما أقدمها في كتابي الإسلام وعلمانية الدولة.
لا أزال على جميع ما قلته في كتابي نحو تطوير التشريع الإسلامي، ولكن على مستوى المجتمع وليس على مستوى الدولة. فموقفي الآن هو أن تطوير التشريع الإسلامي ضرورة لازمة، ولكن لأغراض ممارسة المسلمين للإسلام في المجتمع وليس لأغراض تطبيق التشريع المتطور بواسطة الدولة. وبالتحديد فأنا لا أقبل المرجعية الدينية العقائدية كأساس لسياسات وقوانين الدولة، ولكنى أقبل ذلك كأساس لالتزام المؤمن بالدين على مستوى العقيدة.
يتحدث الأستاذ محمود عن الدين على مستوى يتجاوز العقيدة، وأن الدين بهذا المستوى لم يدخل الوجود بعد. وأنا لا أتحدث عن هذا المستوى من الدين ولا أعرف عنه إلا ما تعلمته من سيدي الاستاذ محمود. وهذا الفهم هو عقيدتي كتلميذ للاستاذ محمود، لكنه ليس من علمي التحقيقي كما عنده هو علمه التحقيقي.
فعندما يدخل ذلك الدين الذى يتجاوز العقيدة الوجود أعتقد أن الاطار نفسه بل وطبيعة العالم تتغير تبعا لذلك. أنا لا أعلم عن ذلك العالم ولا أتحدث عنه. أنا أتحدث عن العالم كما نعرفه الآن والدين كما هو متعارف عليه بين البشر اليوم. في هذا العالم وعلى هذا المستوى والفهم للدين أقول إن علمانية الدولة ضرورة قصوى لإمكانية التدين من حيث هو في المجتمع.
(17)
هل لديك بحث بعنوان: "قانون الأحوال الشخصية في الاسلام: امكانية الاصلاح عبر المبادرات الدولية"؟، فاذا كانت الاجابة بالموافقة ارجو الاجابة على الآتي:
لقد نسبوا لك القول الآتي: في نقطة ثالثة قلت: "نظراً للدرجة العالية من الحساسية السياسية فيما يخص المسائل ذات الصلة بقانون الأحوال الشخصية في المجتمعات الاسلامية، سواء كانت مجتمعات أقلية أو أغلبية مسلمة، فمن الحكمة أن يكون المنسق العام للمشروع مقيماً خارج منطقة البحث. كما أن تطبيق مشروع البحث من قبل جامعة خارج الاقليم، سوف يكون اقل اثارة للشكوك حول الأجندة السياسية الخفية للمشروع، بشرط أن يتم فهم وتنفيذ الجوانب العملية والفنية لمشروع البحث من قبل باحثين مسلمين يعملون من داخل مجتمعاتهم على النحو الموضح في هذا المقترح".
- هل القول المنسوب لك بعاليه صحيح مع التنبيه للتعبير الآتي الوارد ضمن سياق النقل والذي يقول: "كما أن تطبيق مشروع البحث من قبل جامعة خارج الاقليم، سوف يكون اقل اثارة للشكوك حول الأجندة السياسية الخفية للمشروع"؟.
- قيل إنك ستجند لهذا المشروع عددا من الباحثين القانونيين والناشطين في مجال حقوق الانسان، وستكون أنت هو المنسق العام لمشروع البحث، على المستوى العالمي، يساعدك باحثان أو ثلاثة؟.
- قيل إن البحث يتعلق "بالتأثير على حركة الاصلاح السياسي"، بالرغم من قولك المنسوب إليك "مع كل الاعتبار والاحترام للمعايير المهنية والعلمية، فإن الهدف من المشروع هو التأثير على حركة الاصلاح السياسي والقانوني، في الدول والمجتمعات الاسلامية، فيما يتصل بوضع وحقوق النساء والأطفال"؟. (المرجع موقع جامعة ايموري: Ref:http://www.law.emory.edu/ifl/proposal.html)
الإجابة:
أعتقد أن هذا النص مأخوذ من مفهوم مشروع البحث الذى قمت بصياغته وتنفيذه من جامعة إمورى ابتداء من عام 1998، وهو دراسة شاملة لقوانين الاحوال الشخصية فى جميع البلاد الاسلامية، وهى دراسة فريدة لم يحدث مثلها من قبل وحتى الآن.
الترجمة غير دقيقة ومغرضة لأنها توحي بالتآمر لإخفاء الأغراض السرية في الوقت الذي يرد فيه هذا النص في موقع علني قمت أنا باعداده ونشره عام 1998 ولا يزال النص على موقع المشروع الذي أعددته وأشرفت عليه بنفسي منذ قرابة الخمسة عشر عاما وكان ولا يزال علنيا ومفتوحا طوال الوقت (http://www.law.emory.edu/ifl/index2.html ).
عند قراءة النص بدقة نجد أن المعنى المقصود حول الأجندة السياسية الخفية هي عندما تتم إدارة المشروع من جامعة داخل القطر موضوع الدراسة، مما يوضح أن الأجندة السياسية المقصودة هي داخلية وليست خارجية. وكون البحث يتم بواسطة باحثين مسلمين يعملون داخل بلادهم أيضا يؤكد استبعاد الاهداف السياسية الاجنبية التي توحي بها الترجمة والتعليق.
أنا كتلميذ للأستاذ محمود محمد طه أسعى دائما وفي جميع أعمالي الاكاديمية والعامة إلى "التأثير على حركة الإصلاح السياسي"، وهدفي من كل مشروع قمت بتنفيذه هو"التأثير على حركة الإصلاح السياسي والقانوني، في الدول والمجتمعات الإسلامية فيما يتصل بوضع وحقوق النساء والاطفال."
هذا ما قلته أنا عن نفسى في هذا الموقع الذي نشرته علنيا وأبقيت عليه مفتوحا للاطلاع عليه من جميع أنحاء العالم منذ 1998، وهذه هي أهدافي التي أعلنها دائما في جميع أعمالي ولا أخفيها على أحد. وأضيف هنا أن هذا هو واجبي كتلميذ للأستاذ محمود محمد طه. فنحن دعاة للتغير السياسي والاجتماعي الشامل في جميع المجتمعات الاسلامية. كل هذا معروف عني وأعلنته بنفسي دائما، فليس هناك مجال للتآمر السري مع منظمات هي واجهة ل CIA.
وقد سبق أن أوضحت كل هذا في إجاباتي السابقة (نشرت فى الصالون الخاص بالجمهوريين فى النصف الثانى من نوفمبر 2011) على تساؤلات وصلتني بعد اتهام الأستاذ خالد الحاج لى بالعمالة المأجورة للاستعمار الغربي. في تلك الاجابات شرحت بكل تفصيل جميع المنح البحثية التي تلقيتها من منظمة فورد وقلت اني تلقيت أول تلك المنح عام 1980 بعلم وموافقة الأستاذ محمود محمد طه شخصيا، واني غادرت بيت السيد الاستاذ إلى مطار الخرطوم في رحلتي إلى فرنسا على تلك المنحة لدراسة حقوق الإنسان. وقلت كذلك أن الاخ محمد علي مالك لقيني في مطار الخرطوم عند عودتي من تلك الرحلة وصاحبني إلى منزل سيدي الاستاذ محمود. فإذا كانت تلك المنحة من منظمة هي واجهة ل CIA فقد كان ذلك بعلم ومباركة الأستاذ محمود عام 1980، وهى نفس المنظمة التي مولت البحث المشار إليه في هذا النص ابتداء من عام 1998.
خلاصة إجابتي في هذه المسألة أن الترجمة توحي بغرض التآمر لتحقيق أهداف استعمارية غربية بينما النص نفسه يشير إلى الاجندة السياسية الداخلية (في نفس البلد موضوع البحث) وليس الخارجية. وذلك لأن الأنظمة القائمة في البلاد العربية والاسلامية لا تسمح بالبحث العلمي إلا بما يخدم أغراض الأنظمة نفسها (في معظم الأحوال)، فإدارة الجامعة الأجنبية للمشروع أقرب للحياد العلمي من إدارة الجامعة الوطنية. ونضمن التزام المشروع بأهداف مجتمع ذلك البلد نفسه لأن الباحثين هم مسلمون من نفس البلد.
وكل ما أقول واعمل علني ومفتوح على مستوى العالم مما مكن الذي قام بهذه الترجمة المغرضة والمخلة بالاطلاع من غير رقيب ولا حسيب إلا ضميره هو. أين التآمر الخفي مع القوى الاستعمارية في هذا العمل؟
(18)
أرجو أن أبدي أسفي الكامل مسبقاً لإيرادي هذا السؤال غير اللائق في اعتباري، ولمعرفتي العتيدة بك، ولكن ماذا أفعل وقد نسب لك البعض محاولتك إحياء "مذهب اللذة" الأبيقوري، والذي يقوم على طلب اللذة، بكل سبيل، على اعتبار أن اللذة هي الشيء الوحيد المطلوب لذاته.. وأن اللذة وتفادي الألم هما الدافع الحقيقي للسلوك.. وأن يتم التوصل الى اللذة، عن طريق التراضي، دون عنف أو اجبار.
- هل لك أي علاقة من قريب أو من بعيد بهذا المذهب الابيقوري؟.
- هل لك أي علاقة بالفلسفة البراغماتية؟، هل قلت أنك متفائل براغماتي؟، فاذا قلت: ماذا تعني البراغماتية عندك؟.
- هل لديك أي علاقة أو اتصال أو معرفة (للدرجة التي تجعلك تعتنق هذه المذاهب وتحدد خط سيرك واتجاهك) بمذاهب الحداثة، وما بعد الحداثة والتفكيك، والبنيوية وما بعد البنيوية؟، أم أن ما هو منسوب إليك هو مجرد اسقاط يبحث عن ما يمكن أن يستند إليه لديك؟.
الإجابة:
لا علاقة لي بالمذهب الأبيقوري ولم أسمع به من قبل الا من هذا السؤال، ولا أعلم من أين أتت دعوى انتسابي لهذا المذهب. هل ذكرته في أي من أعمالي وأقوالي، وأين كان ذلك؟
انا لا ادعو إلى طلب اللذة بكل سبيل، إلى آخر هذه الدعاوي الباطلة الكاذبة. أين قلت بهذا عن نفسى ومتى دعوت له؟
لا علاقة لي بالفلسفة البراغماتية ولم أسمع بها إلا من هذا السؤال وسؤال سابق في هذه المجموعة، وأنا عموما لا ادرس الفلسفة ولا احاول اتباع أي مذهب فيها.
قولي بأني متفائل براغماتي هو ببساطة القول بأني متفائل بوعي وعين مفتوحة، أي بلا سذاجة ولا عبط.... عمري ست وستون عاما، عشت اغلبها فى السودان وقضيت الخمس وعشرين الاخيرة في مختلف أنحاء العالم. ومع هذه الواقعية والمنحى العملي فأنا متفائل وأرفض أن أتنازل عن تفاؤلي بسبب أغراض وأهواء البشر.
لا علاقة ولا معرفة لي بمذاهب "مابعد الحداثة" و"التفكيك" و"البنيوية". لم يحدث أن تحدثت أو كتبت عن أي من هذه المذاهب كموقفي أنا في أي مكان أو زمان، لا باللغة العربية ولا باللغة الانجليزية.
السؤال فى مواجهة كل هذه الدعاوي الباطلة هو: ما هو اساس الاتهام؟ متى واين اعلنت انتسابى لاى من هذه الفلسفات؟
(19)
سبق أن طلبت منك، في جلسة جمعت عدد من الأخوات والأخوان بمنزل الأخ بركات، تسمية دولة قامت على المنطق المدني .. أذكر أنك قلت أنها لم تقم بعد، ولكنك تعتبر النموذج الأمريكي هو الأقرب لدولة المنطق المدني التي تدعو لقيامها .. سؤالي هو: في كتابك «الأسلام وعلمانية الدولة» ورد قولك: «دون الدولة المدنية التي تسمح بحرية الاعتقاد والتعبير لن تكون هناك إمكانية للتنمية (بمعنى آخر: الحياة) ضمن أي مذهب ديني» .. ما هو دليلك على ذلك؟
الإجابة:
دليلي على ذلك التجربة التاريخية والمعاصرة للمجتمعات البشرية بمختلف دياناتها.. هذا دليل كاف عندي وعند كثيرين غيري، فهل يقبل السائل أن يعيش في دولة لا تسمح بحرية الاعتقاد والتعبير؟ أنا لا أقبل ذلك وهذا دليل كاف عندي، أما السائل فهو وقناعته.
(20)
في كتابك «الأسلام وعلمانية الدولة» ورد تقريرك: «أن كل ما يعلمه ويفهمه ويعمله الإنسان ربما يكون خطأ، وإن أصاب فإن صحته محدودة بمكانها وزمانها وظروفها الأخرى. فإن صح علم وعمل الإنسان نسبيا اليوم فإنه لن يصح غدا، وإن أفاد في مكان فلن يفيد في مكان آخر» ..
إذا فرضنا جدلا أن القيمة الأخلاقية لعلم وفهم وعمل الأنسان تتفاوت جذريا حسب الزمان والمكان، فإن ملاحظتك هذه عديمة الأهمية .. ذلك أن اختلاف الثقافات حول وجهات النظر الأخلاقية، في حد ذاته، لا يعني أن الخلق الحق وهم، أو أنه إن أفاد في مكان فلن يفيد في مكان آخر .. في الحقيقة، تفاوت الناس في علومهم وأعمالهم لا ينفي وجود العلم والعمل الحق الذي لا يفعل الزمن ولا المكان فيه شيئا ..
وإذا سلمنا بعدم وجود العلم والعمل الحق الذي لا يفعل الزمن ولا المكان فيه شيئا، فلن تكون هناك قاعدة تقتضي الحياد كمبدأ أخلاقي يلتزم به الجميع .. بل، في الحقيقة، مجرد القول بعدم وجود العلم والعمل الحق، يعطيني الحق في ألا أكون محايدا .. وبالتالي، ما الذي يمنعني من فرض وجهة نظري الأخلاقية على الآخرين طالما أن مصلحتي وأخلاقي الشخصية تقتضي ذلك؟!
سؤالي هو: هل نفهم من تقريرك هذا أنه ليس هناك إنسان على حق؟ إذا كانت الأجابة نعم، الأ ترى أنك، بتقريرك هذا، تخلط بين المعرفة بالعلم والعمل الحق وبين وجود العلم والعمل الحق؟ أرجو التوضيح ..
الإجابة:
ليس هناك وسيلة موضوعية مستقلة لتقرير ما إذا كان الإنسان على حق أو على باطل. كل إنسان يعتقد أنه على حق، ويعتقد أن الذين يوافقونه الرأي على حق، وليس هناك وسيلة موضوعية لتقرير من هو على حق أو على باطل إلا بحكم إنسان آخر قد يكون هو على حق أو على باطل (موضوعية بمعنى يستطيع الجميع إثبات صحتها أو عدمه بصورة مستقلة عن تقييمنا الفكري، كحقائق الطبيعة الفزيائية الماثلة أمامنا مثلا، أو كمعادلات حسابية واضحة ومباشرة).
المسلم الوهابي يعتقد أنه على حق، والصوفي يعتقد أنه على حق، وكذلك الأخ المسلم وكذلك تلميذ الأستاذ محمود محمد طه. ولا يمكن طبعا أن يكونوا جميعا على حق لأن آراءهم متعارضة جدا.. فكيف نعرف من هو على حق ومن هو على باطل؟ لا سبيل فيما أرى إلا عملية الإقناع، وهذه تحتاج لمناخ حرية اعتقاد وتعبير ومساواة أمام القانون للجميع.
(21)
في كتابك «الأسلام وعلمانية الدولة» وردت أقوالك التالية:
« بالمنطق المدني أعني إذن وجوب ارتكاز التشريع أو السياسة العامة على المنطق المشاع، الذي يمكن لكل مواطن أن يقبله أو يرفضه، أو يقدم البديل من المقترحات، من خلال الحوار العام، دون الاعتماد على دينه أو مزاعم تقواه.»
«زعم بعض المسلمين بحقهم وواجبهم الديني في فرض الشريعة عبر مؤسسات الدولة يجب منعه» ..
« النقطة التي يجب التركيز عليها هنا هي أن أي زعم لابتدار دولة إسلامية، أو أن الدولة هي الشريعة، في الحقيقة زعم باطل.»
«من الضروري، بالتأكيد، السعي إلى تأسيس مشروعية لمبدأ علمانية الدولة نفسه، وهو ما أحاول القيام به»
لاحقا، في ندوة Rethinking the Secular عام 2007 ورد تقريرك:
«موقفي هو أننا جميعا نسبوييون My position is that, we are all relativist »
أود أن أختلف معك في تقريرك الأخير هذا، وأقرر لك أنه ليس هناك من هو نسبوي، ولا حتى أنت «عبد الله النعيم» .. إذا كانت الأخلاق نسبوية فلا يستقيم استخدامك لكلمات تقريرية مثل«وجوب»، و«يجب»، و«في الحقيقة»، و«من الضروري»، و«we are all relativist» .. ألا ترى أن مثل هذه العبارات التقريرية لا معنى لها في ظل النسبوية، وبالتالي تكون دعوتك للحياد تجاه الدين، باطلة، من حيث المبدأ، لعجزك عن التزام الحياد الفكري باستخدامك لمثل هذه العبارات التقريرية؟
الإجابة:
أرجو قراءة هذه الإجابة الموجزة مع إجاباتي السابقة على موضوع "النسبوية" أكثر من مرة أعلاه.
استخدامي لكلمات تقريرية مثل "يجب" هو من و جهة نظري أنا ولك أن تختلف أن تتفق معي.. ولا بأس في ذلك.. فعليك إذن أن تعمل على إقناعي وإقناع الآخرين، كما أحاول أنا ذلك.. وكوني لم أنجح في إقناعك أنت بوجهة نظري لا يعني بالضرورة أن وجهة نظري خاطئة.. فقد حاول الأستاذ محمود محمد طه إقناع المسلمين في السودان بوجهة نظره لأكثر من ثلاثين عاما ولم تقتنع إلا فئة قليلة جدا لا تتعدى المئات. هل يعني هذا أنه كان على باطل؟
(22)
في كتابك «الأسلام وعلمانية الدولة» ورد تقريرك:
«على المسلمين أن يؤكدوا مساواة الآخرين بهم حتى يصبح من حقهم أن يطالبوا مساواتهم بالآخرين» ..
لقائل أن يقول: «على المسلمين أن يؤكدوا تميزهم على الآخرين لتفرد الإسلام عن جميع الفلسفات» ..
قد يبدو، للوهلة الأولى، أن العبارة الثانية، الافتراضية، تتعارض مع مبدأ «الحياد في الدولة المدنية» المتمثل في عبارتك موضوع السؤال .. ولكن، في الحقيقة، عبارتك، نفسها، متعارضة مع مبدأ «الحياد في الدولة المدنية» !! فالعبارتان كلاهما وجهة نظر !!
إذا كانت جميع وجهات النظر متساوية في القيمة، إذن وجهة النظر القائلة بأن الإسلام يتفرد عن الفلسفات الأخرى لا تقل صحة عن وجهة نظرك القائلة بمساواة المسلمين بأتباع الفلسفات الأخرى .. إذا كانت وجهة نظرك هذه تمثل «مبدأ الحياد في الدولة المدنية»، إذن سيمتنع الحياد، لأنه من الواضح أن مفهوم «حياد الدولة تجاه الدين» إنما هو أمر مبهم .. الحياد الحق هو المعاملة المتمثلة في احترام الإنسان، في شخصه .. الحياد الحق يلتمس في تعاملنا مع من نختلف معهم من الناس في أشخاصهم، وليس في تعاملنا مع ما ينطوون عليه هم من إدعاء، ومن زيف فلسفي .. ذلك لأنّ وجهات النظر المختلفة لا تتساوي في القيمة .. فالقول بمساواة الأفكار، إنما هو قول متناقض ويتنافى مع منطق العقل ..
إذا لا زلت مصرًا على ضرورة تأكيد المساواة بين المسلمين وأصحاب الأفكار الأخرى، هلا وضحت لنا كيفية الخروج من مأذق «مبدأ الحياد تجاه الدين»؟
الإجابة:
الحياد تجاه الدين مطلوب (في رأيي أنا) من أجهزة الدولة الرسمية، لكنه غير مطلوب في المجتمع ولا في الحياة العامة.. وهذا يعنى ألا يميز القانون بين عقيدة وأخرى ولا متدين أو غير متدين لأن ذلك مجال التفاوت في الأخلاق وليس في القانون. أنا لا أقول إن وجهات النظر متساوية في القيمة ولكن أقول إنه ليس هناك وسيلة موضوعية تقول لنا أي وجهات النظر أفضل وأيهما أقل فضلا. فإذا كنت أيها السائل تعرف وسيلة مستقلة للفصل في هذا الأمر، ويمكن أن نحتكم لها جميعا ونرضى بها، فقل لنا.
(23)
في حوار Emory Report, 2007 استشهدت بالمعارضة التي يواجهها تقنين زواج المثليين باعتبارها مهددة لمبدأ «الحياد في الدولة المدنية» .. موقفك الأخلاقي هذا، هو في الواقع يتعارض مع مفهوم العدالة والإنصاف الذي تروج له من خلال دعوتك لحياد الدولة تجاه الدين ..
الحياد كأسلوب تفكير هو في الواقع ينتهي إلى بطلان مفهوم العدالة والإنصاف .. فأنت، في استشهادك بالمعارضة التي يواجهها تقنين زواج المثليين، تظهر بمظهر المجادل من أجل العدالة والإنصاف باسم أزواج، هم إلى حد ما، يتعرضون للظلم لأنهم مثليون .. العدل والإنصاف هما من المفاهيم التي تقتضي المعاملة المتساوية لأناس مختلفين .. وذلك على أساس المعيار المشترك لما هو حق !! العدل والإنصاف يمليان على الناس نمط معين من السلوك؛ ويلزمانهم باتباع نمط السلوك المعين؛ ويعينان لهم الكيفية التي ينبغي عليهم اتباعها في السلوك المعين .. وأنا هنا وضعت خطوطا للتأكيد على الإملاء، والإلزام، والتعيين لأن كل هذه هي الكلمات لا تعني شيئا في سياق الحياد تجاه الدين لأن الحياد تجاه الدين يقتضي عدم وجود معايير مطلقة يتقيد بها جميع الناس، لأن في ذلك مخالفة لمبدأ الحياد .. إذ ليس لمن يدعي الحياد الحق في أن يملي أو يعين أو يلزم الناس بشيء .. لكن، ما تعارف عليه الناس هو أن العدالة والإنصاف إنما تأسسا على فكرة أن هناك معايير ملزمة للجميع .. النقطة الأساسية هي، أن أي مناقشة للأخلاق لا بد تقوم استنادا إلى فكرة أن هناك شيء أفضل من الآخر .. ولكن إذا كانت القاعدة الذهبية في هذه المسألة هي أن جميع النظم الأخلاقية متساوية في القيمة، يكون لكل شخص الحق في أن يفعل ما يشاء حسب وجهة نظره الذاتية .. وبذلك لن يكون هناك الأساس لقيام أي نقاش هادف حول الأخلاق ..
قد يفهم، من استشهادك بالمعارضة التي يواجهها تقنين زواج المثليين كمهدد لمبدأ حياد الدولة تجاه الدين، أنك تدعو للفوضى الأخلاقية .. سؤالي لك هو: على أي أساس تريدنا أن ننفي عنك شبهة الدعوة للفوضى الأخلاقية؟
الإجابة:
أرجو أيضا قراءة إجابتي الموجزة هذه مع إجاباتي السابقة أعلاه بخصوص المنطق المدني.
كان ينبغى على السائل ان يورد نصي أنا فى تلك المقابلة لأنه لو فعل ذلك لما أمكنه ان يذهب فى هذه التخريجات البعيدة عما قلته أنا. فقد كان موضوع تلك المقابلة هو توضيح مفهوم ومنهج "المنطق المدني" وخلال النقاش ضربت مثلا بموضوع المثلية باعتبار أنه نموذج معروف وجدلي في المجتمع الأمريكي الراهن. لم يكن الموضوع ولا كانت كلماتي تأييد المثلية ولا احتجاجا على عدم تقنينها. كان ذلك فقط مثال لما أعنيه بالأسباب والطريقة التي يتم بها تقنين القوانين.
حقيقة ما قلته أنا هو أن تحريم المثلية ممكن، ولكن على أساس أسباب يمكن للجميع مناقشتها، وليس على أساس العقيدة الدينة التى لا تقبل النقاش من عامة المواطنين.
************************
وختاما أعيد قولى السابق. حتى لا أضطر الى رفض طلب من أخ أو أخت فى المستقبل فاننى أقول للجميع:
لن أناقش الأستاذ خالد الحاج فليقل ما شاء ويتحمل مسئوليته فى ذلك، ولن أجيب بعد الآن على اى تساؤلات من أى جهة أو شخص حول أقوال الأستاذ خالد وما يلحق بها من أقوال.
وأرجو من القراء مراجعة المصادر المتوفرة على الانترنت، مثل مواقع "لجنة الحقوقيين الدولية" و"اخوات فى الاسلام" المذكورين فى اجاباتى التالية، لتقييم البينات التى يوردها الاستاذ خالد الحاج كاساس لاتهاماته لي، وذلك حتى يصل القراء الى خلاصاتهم المستقلة.
وأطلب من الجميع العفو لله والرسول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.