عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إجابات من عبد الله أحمد النعيم


15 أكتوبر 2012

الإخوة والأخوات الكرام

اسمحوا لي أن أبدأ بالتذكير بطلبي إرسال الأسئلة لى مباشرة، أو عن طريق أخى ياسر الشريف لمن أراد أن يحتفظ بخصوصية إسمه أو إسمها، واتفاقى مع ياسر فى هذه الحالة هو أن يبعث لى السؤال من غير الإفصاح عن الإسم.
[في هذا المقال في سودانيز أونلاين
لا لمحكمة الردة، ونعم للحوار الموضوعي]
http://www.sudaneseonline.com/arabic/index.php?news=20419

سبب هذا التذكير هو أنى لا أستطيع متابعة ما يدور في موقع الصالون الخاص بالجمهوريين أو المواقع العامة حول مواقفي وأقوالي، ولذلك لن أعرف عما يوضع لى هناك من تساؤلات حتى أحاول الرد أو النقاش.

وعنوان ياسر الشريف الإلكترونى هو: [email protected]
لمن أراد أن يبعث بأسئلته لى مباشرة، فعنوانى هو: [email protected]
وبما أن نظام الجامعة الإلكترونى الذى أتبع له قد يستبعد بعض الرسائل خوفا من العدوى (فايرص)، أرجو إضافة عنوان إبنى ميسر فى الرسائل الموجهة لى، و هو: [email protected]

-------------------------


الآن إلى تقديم فى غاية الأهمية عندى:

أنا تلميذ الأستاذ محمود محمد طه، ولكني أتحدث هنا ودائما على مسئوليتي الشخصية، وليس باسم سيدي الاستاذ محمود، ومعلوم أن تقصير التلميذ لا يلحق بأستاذه.

ومن المقرر عندي تماما أن كل ما أقول فهو فقط مجرد فهمي للفكرة الجمهورية، وكذلك الحال بالنسبة لجميع تلاميذ الأستاذ، حتى أكبرنا جميعا على التحقيق، وهو الأستاذ سعيد الطيب شايب. فكلنا تلاميذ للأستاذ، ولا يملك أي منا الحق في الحديث باسم أستاذنا، وما نقوله دائما هو مجرد فهم كل منا للفكرة الجمهورية. فلا يحق لأي منا ادعاء المعرفة بالفكرة الجمهورية كما هي عند صاحبها. فلا وصاية لي على أحد ولا لأحد وصاية علي، فكما قال الأستاذ محمود "ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين".

وما يلي هو ما تيسر لي في الإجابة على الأسئلة التي بلغتني خلال أكتوبر الحالي كما وعدت بذلك. كما أني سأحاول الإيجاز مع التحديد في ردودي بما أرجو أن يكون كافيا في إيضاح موقفي وإبراء ذمتي.

وصلني السؤال الأول باللغة الإنجليزية، وسوف أوجز مضمون السؤال باللغة العربية ثم أرد عليه. ولكن حتى لا أخطئ في ترجمته، فهذا هو النص كما وصلني:

“There is no specific sentence that I may highlight regarding your position towards gay culture. But the fact that you wrote this preface for a book that contains personal stories of self-professed gays may provoke such doubts because people usually won't preface books they do not agree with their content. Sentences at the beginning of the preface that reads (I celebrate this book .....etc) read in conjunction with the sentence in the second paragraph (Throughout history Muslims have thrived on diversity ....which often matured into sustained pluralism) may be misread to mean that you tolerate gay practices. The words "celebrate", diversity" and "pluralism" may indicate that the types of diversity and pluralism you celebrate may suggest that the diversity and pluralism presented by the book narratives are tolerable in Islam. This is why I said that writing this preface unfortunate. However, I personally have never doubted your credibility, sincerity and integrity.”
في إجابة لتساؤلي حول تساؤل سابق عن أساس اللبس في تصديري بدأ السائل بتقرير أنه ليس هناك جملة أو عبارة محددة حول موقفي من ما يسمى بحركة المثليين الجنسيين، إلا أن كتابتي للتصدير لكتاب يحتوي على مقابلات مع مسلمين أمريكان بعضهم منتسب لتلك الحركة، توحي بتأييدي أنا (عبد الله أحمد النعيم) لموقفهم لأن الإنسان لا يكتب تصديرا لكاتب يختلف معه. كما أن استخدامي لعبارات مثل "أحتفل بهذا الكتاب"، ثم إشارتي لتاريخ التعددية في المجتمعات الإسلامية توحي بأني أزعم أن هذه الممارسات الجنسية مقبولة لدى المسلمين.

ويأتي ردي على هذه التساؤلات في أصلها باللغة الإنجليزية وترجمتها الموجزة في ثلاثة محاور كما يلي:

أولاً، فإن موقفي الشخصي هو ما عليه عامة المسلمين من التحريم الكامل لأي علاقة جنسية خارج إطار الزواج الشرعي المتكامل الأركان. وأول أركان الزواج الشرعي أنه بين رجل وامرأة مستوفيين لجميع شروط الأهلية للزواج. فبما أن العلاقة المثلية لا يمكن أن تكون زواجاً شرعياً، فهي محرمة ديناً، وهي بذلك غير مقبولة عندي بأي صورة من الصور.
ثانيا، لم يحدث على الإطلاق أني وافقت أو دافعت عن أي نوع من العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي. لم يحدث هذا شفاهة ولا كتابة في أي وقت من الأوقات في أي مكان في العالم باللغة العربية أو الانجليزية أو وسيلة أخرى للتعبير.
وبالتحديد في أمر تصديري ( Preface وليس مقدمة التى تسمى Introduction) لكتاب السيدة ميلودي معزي (وهي أمريكية من أصول إيرانية)، فلا توجد أية إمكانية معقولة للفهم من ذلك النص بأن غرضي المباشر أو غير المباشر هو الموافقة على أو الدفاع عن أي صورة من صور العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج الشرعي.
ومناسبة كتابتي لذلك التصدير للكتاب هو أن السيدة ميلودي كانت من طلابي بكلية القانون بجامعة إيموري، وكتبت تحت إشرافي بحثا حول شيوع مظاهر الكراهية للمسلمين والتوجس منهم. وكانت أطروحتها في ذلك البحث تقول بما أن تلك المظاهر السلبية تقوم على جهل بالإسلام والمسلمين وعدم تقدير لتنوع مشارب المسلمين الفكرية والاجتماعية، فإن بيان ذلك الخطأ بالنماذج الحية من شباب المسلمين الأمريكان قد يساعد على الخلاص من مظاهر الكراهية والتوجس.

وبعد تخرج السيدة ميلودي من كلية القانون عملت على تنفيذ فكرتها بإجراء مقابلات مع مجموع متنوعة من شباب المسلمين الأمريكان ونشرها في كتاب بعنوان "الحرب على الخطأ". ولم يكن لي أي دور في اختيار من تجري معهم المقابلات ولا في إعداد الكتاب بصورة عامة. وفيما بعد اتصل بي الناشر وطلب مني كتابة تصدير للكتاب فكانت كتابتي في تأييد مفهوم الكتاب كأداة في محاربة الهوس والتعصب في المجتمع الأمريكي التي حواها النص. وكانت كتابتي للتصدير تهدف إلى دعم منهج الحوار للتغلب على التعصب وتشجيع القراء الأمريكان عموما على الاطلاع على الكتاب بذهن مفتوح.

وحسب تجربتي المباشرة، فصاحب السؤال مخطئ في ظنه أن كاتب التصدير يوافق بالضرورة على محتوى الكتاب، دع عنك أن يحتفل بمحتواه ويدعو إليه. فقد كتب الأستاذ جول فول (الذى كتب رسالة للدكتوراه عن التصوف في السودان) تصديراً لكتابي Towards Islamic Reformation الذي صدر باللغة الإنجليزية فى الولايات المتحدة عام 1990، ثم باللغة العربية فى القاهرة عام 1994. وأنا على معرفة مباشرة وشخصية بالأستاذ جون فول وأعلم تماماً أنه لا يوافق على الفكرة الجمهورية التي اعتمد عليها ذلك الكتاب. وهو لا يوافق على منهج الفكرة وحجتها من منظوره الأكاديمي كباحث في التاريخ الإسلامي وكذلك باعتباره مسيحي تقليدي.

والمحور الثالث في ردي على التساؤلات في أمر ذلك التصدير هو أني على الموقف الإنساني الرفيع الذي عاش عليه ودعا له سيدي الأستاذ محمود محمد طه، وهو أن كل إنسان من حيث أنه إنسان هو غاية في ذاته، وأن كرامة الإنسان تستحق الاحترام دائما، مهما كان ذلك الإنسان على خطأ في المعتقدات أو عيوب في السلوك. وكثيراً ما كان سيدي الأستاذ يذكِّرنا بقول الشيخ عبد القادر الجيلاني "البرُّ لي والفاجر أنا له."

ومن هذا المنطلق فإني أحترم حقوق الإنسان، مطلق إنسان، ولا أحكم على أخلاقه أو سلوكه، وقدوتي في ذلك قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس"، كما علمني سيدي الأستاذ محمود كذلك.

ومنهج الفكرة الجمهورية في التربية ودعوتها لمكارم الأخلاق هو أساس جميع حقوق الإنسان عندي، ولكني كذلك أقبل إمكانية تعدد أسس عالمية حقوق الإنسان بين مختلف المجتمعات. فأنا كمسلم وتلميذ للأستاذ محمود، فإن أساس مفهوم حقوق الإنسان عندي هو فكر ونموذج سيدي الأستاذ محمود. وكذلك للمسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي أن يعتمد معتقداته الدينية، كما يحق للملحد أو الرافض للأديان السماوية أن يعتمد أي فلسفة أو نظرية يراها. وهذا ما أسميه في بحوثي المنشورة بالمشروعية الثقافية القائمة على الإجماع المتداخل Overlapping Consensus .
وهذا المنهج في تأسيس حقوق الإنسان على الثقافات المختلفة للمجتمعات البشرية على نطاق كوكبي معروف عني في بحوثي المنشورة منذ عام 1987. وهذه البحوث متوفرة كذلك على موقعي ويمكن إنزالها مباشرة بالمجان كالآتي:
عنوان موقعي هو

www.law.emory.edu/aannaim

على الصفحة الرئيسية تجد قائمة بالصفحات الأخرى ومنها Online Publications . فإذا فتحت هذه الصفحة ستظهر قائمة من أكثر من خمسين بحثاً منشوراً يمكن إنزالها وطباعتها. وإذا ذهبت إلى نهاية تلك القائمة، وهي عكسية من ناحية تاريخ النشر، بمعنى أن ما تجده في أسفل القائمة هو ما تم نشره في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي. فهذا المنهج مؤسس عندي ومعروف عني في الدوائر العلمية المتخصصة من أكثر من خمس وعشرين عاما. هذا هو أساس تخصصي العلمي ووظيفتي الأكاديمية الراهنة.

ويقودني هذا القول إلى تقديم إجابات موجزة لكل سؤال من الأسئلة الأخرى التي وصلتني وهي حول الخلفية العلمية والمنهجية البحثية التي يبنى عليها كتابي الأخير الذي صدر باللغة العربية تحت عنوان "الإسلام وعلمانية الدولة" (القاهرة: مطبعة ميريت 2010)

ولعل غياب المعرفة العامة بين قراء اللغة العربية بأعمالي الأكاديمية خلال ربع قرن من الزمان قد ساهمت في اللبس وسوء الفهم الذي حدث لبعض الإخوان الذين عارضوا ما يظنون أنني أقوله أو أقصده فى هذا الكتاب وغيره من كتابات ومحاضرات. ومن جانبى، فأنا أسعى جهد طاقتى لتوضيح حقيقة حجتي وغايتى من وراء هذه الأعمال.

والآن إلى الأسئله ومحاولاتى فى الإجابة عليها:

1. هل من الممكن شرح و توضيح مفهوم دول مابعد الاستعمار، و الخصائص ، والظروف والاعتبارات الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية و الثقافية التي تجعل لهذه الدول وضعيه مختلفه؟ ارجو التكرم بأيراد بعض الامثله التي تقرب المفاهيم للقراء.

مفهوم دولة ما بعد الاستعمار يشير إلى تطبيق مفهوم الدولة القومية الأوروبية على المجتمعات المستعمرة في أفريقيا وآسيا، والذي ظلت عليه الدول الأفريقية والآسيوية، بما فيها جميع البلاد الإسلامية، على نفس النهج بعد حصولها على الاستقلال. ومفهوم الدولة القومية الأوروبية يختلف تماماً عن مفهوم الدولة الامبراطورية التي قامت على المجتمعات الإسلامية طوال التاريخ الإسلامي السابق للاستعمار الأوروبي منذ أواسط القرن التاسع عشر. فقد كانت تلك الدول التاريخية بعيدة عن الحياة اليومية لرعاياها وتمكنهم من قدر كبير من الحكم الذاتي على أساس الأعراف المحلية، ومنها ما تتقبله كل جماعة من فهم للشريعة الإسلامية. أما المفهوم الأوروبي للدولة القومية فهو يعتمد على مركزية السلطة والإنفاذ القسري على تنفيذ القوانين الصادرة عن مركزية الدولة، وكذلك تخللت سلطات الدولة في جميع جوانب الحياة اليومية للمواطنين.
وكما كان هذا المفهوم جديداً وصعباً على الشعوب الأوروبية التي قضت عشرات السنين في مجاهدة للتواؤم معه، فكذلك الحال للدول القومية الأفريقية والآسيوية. وهذا ما نلاحظه في الحروب الأهلية وعدم الاستقرار السياسي في العديد من الدول الأفريقية والآسيوية، من نيجريا مع حرب بيافرا 1967 إلى الأزمات الراهنة في شمال البلاد، إلى حرب الإبادة العرقية في رواندا والحروب الأهلية المزمنة فى الكنغو والسودان.

فهذه المرحلة لازمة لجميع تجارب الشعوب ومحاولاتها التواؤم مع نظام الدولة القطرية.. وسينتج عن ذلك النموذج الخاص والمتميز لكل دولة حسب ثقافاتها وسياقها التاريخي.

2. ماهي الظروف والملابسات التأريخيه التي صاحبت وضع وصياغة الاعلان العالمي لحقوق الأنسان، بالذات فيما يتعلق بوضع ومدى مشاركة الدول الأفريقيه في هذه العملية؟

أول ما يلاحظ هنا هو أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 هو تعبير محدود للمفهوم في إطار القانون الدولي والعلاقات الدولية في فترة ما بعد الاستعمار. وهذا الاعلان لا يمكن أن يستقصي مفهوم حقوق الإنسان كما هي في ثقافات وتجارب الشعوب المختلفة. وقد كانت المحاولة ولا تزال هي تحقيق أكبر تقارب ممكن بين مفهوم حقوق الإنسان كما هي عند مختلف الشعوب وكما يمكن أن يعبر عنها القانون الدولي، ولن يتم التطابق الكامل بين هذا وذاك. وهنا مجال لعمل أطروحتي الداعية للمشروعية الثقافية لحقوق الإنسان في مجال القانون الدولي. فكما أؤكد باستمرار في كتاباتي المنشورة في هذا المجال ويمكن الاطلاع على بعضها من موقعي الإلكتروني كما ذكرت من قبل، فحقوق الإنسان لكل مجتمع تنبع من دين وأخلاق وتجارب ذلك المجتمع. وإنما يتم التقارب بين مختلف المفاهيم من خلال الحوار وتنمية الاجماع على جوهر مفهوم حقوق الإنسان والمبادئ القائمة عليه، ويمكن الاطلاع على هذا النهج من الناحية التطبيقية في كتابي:
Human Rights in Cross-Cultural Perspectives: Quest for Consensus (1992)

فيما يتعلق بالشعوب الأفريقية والآسيوية بالتحديد، وهي ما يسمى بالعالم الثالث، فقد كانت مشاركتها محدودة للغاية عند وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 حين كانت تلك الشعوب لا تزال ترزح تحت عبء الاستعمار الأوروبي. إلا أن هذه الشعوب قد بدأت تساهم في تنمية الإجماع الدولي الحقيقي على حقوق الإنسان في العلاقات الدولية من خلال قبولها بالإعلان العالمي بعد حصولها على الاستقلال ثم المشاركة في المؤتمرات الدولية والتصديق على المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

وبهذا يمكن القول أن الاجماع الدولي يتصاعد باستمرار لكن يبقى ناقصاً دائما لغياب الوعي والمشاركة الديمقراطية في الحكم في البلاد النامية، وحتى فيما يسمى بالدول المتقدمة أو الديمقراطية. فكل تجارب الشعوب فى جميع أنحاء العالم تظل ناقصة بحكم أثر الرأسمالية في تزييف إرادة الشعوب وتضليلها عن مصالحها الحقيقية.

لهذا أعتقد أنا أن ثلاثية الديمقراطية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية في طرح الأستاذ محمود محمد طه هي ضرورة لازمة لإمكانية تحقيق حقوق الإنسان في جميع المجتمعات البشرية بعض النظر عن اختلافها في أديانها وثقافاتها.

3. هل تعتبر الإعلان العالمي للحقوق الأنسان قادر على ارضاء والايفاء بحقوق المجموعات الثقافية والأقليات في آسيا وأفريقيا؟

لا يقدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على إرضاء والإيفاء بحقوق المجموعات الثقافية وحتى الأغلبيات في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في آسيا وأفريقيا. ذلك لأن الإعلان العالمي متقيد بقيود القانون الدولي الذي يلزم الدول نظريا فقط ولا يقدرعلى إنفاذ أحكامه ضد سيادة الدول.. وهذا ما أسميه تناقض تصورنا أن الدولة يمكن أن تلتزم بحماية حقوق الإنسان ضد الدولة نفسها.
والحل الذي أقترحه لهذه المعضلة هو المشروعية الثقافية في مختلف شعوب العالم حتى تنهض الحركات السياسية الواعية التي تلزم دولها باحترام حقوق الإنسان.. وقد أكدت دوما أن لا حماية لحقوق الإنسان إلا من خلال إرادة ووعي الإنسان نفسه. بل أقول أن هذا الوعي هو شرط لوصف الحق بأنه من حقوق الإنسان ابتداءً.. فحقوق الإنسان عندي هي ما أقبله أنا من منظور ديني وثقافتي المحلية ولدى الآخر هي كذلك بالمثل.. وعلينا جميعا أن نتعاون في بناء صرح عالمية حقوق الإنسان بدلاً من افتراض أنه قد تحقق فعلاً بصدور الإعلان. وهنا يأتي دور حق تقرير المصير لدى الشعوب والجماعات الثقافية حتى تشارك جميعها فى تنمية الإجماع حول مفهوم ومبادئ حقوق الإنسان.

4. لماذا وضع ميثاق افريقي لحقوق الأنسان وما هو الفرق بينه وبين الاعلان العالمي لحقوق الأنسان؟

جاء وضع الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان عام 1981 كمحاولة في معالجة إشكالية المشروعية الثقافية الأفريقية في المواثيق الدولية. فبما أن أربع دول أفريقية فقط قد شاركت في وضع الإعلان العالمي عام 1948 حيث كانت المجتمعات الأفريقية الأخرى خاضعة للاستعمار الأوروبي، فإن مطالب وطموحات الشعوب الأفريقية كانت غائبة عن الأمم المتحدة نفسها في ذلك الوقت. وهكذا قصد الميثاق الأفريقي إضافة الواجبات والحقوق، وكذلك حقوق الجماعات وليس فقط الأفراد، ثم اعتماد حقوق جديدة لا توجد في الإعلان العالمي ولا أي من المواثيق الدولية العامة، مثل الحق في السلام وحماية البيئة.

ولكن ظل هذا الطموح الأفريقي مقيداً بقيود القانون الدولي حتى في إطار أفريقيا نفسها.. فقد جاءت الدولة الأفريقية الحديثة أكثر حرصاً على سيادتها القومية من الدول القديمة، وهذا أمر مفهوم على ضوء التجربة الاستعمارية وذكراها المؤلمة. ولكن لا بد للدول الأفريقية من تجاوز هذا المفهوم الضيق للسيادة الذي نراه في معارضة حكومة السودان الراهنة وكذلك حكومة موقابي بزمبابوي للتدخل الأفريقى الإقليمي لحماية حقوق المواطنين ضد دولهم.

ومع أن جميع الدول الأفريقية قد صادقت على الميثاق الأفريقي، إلا أنه لا يزال يعاني من قيود القانون الدولي حتى في الإطار الإقليمي الأفريقي وبخاصة مسألة السيادة القومية.

وبالمناسبة نلاحظ أن السيادة القومية هي نفسها تعبير عن حق تقرير المصير وهو من مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان. لذلك لا يمكن أن يكون الحل في تجاوز السيادة القومية بصورة عشوائية عنيفة. فلا بد من إقناع الدول بالالتزام بحماية حقوق الإنسان سواء على النطاق الكوكبي للأمم المتحدة أو الأفريقي. ولا يمكن إقناع الدول إلا عن طريق إقناع شعوبها ولن تقتنع الشعوب بمفهوم لحقوق الإنسان يناقض دينها وثقافاتها الشعبية. وهكذا نعود لضرورة المشروعية الثقافية.

وبالنسبة للشعوب الإسلامية لا يكون ذلك على أساس الشريعة السلفية فلا بد إذن من تطوير التشريع الإسلامي على منهج الأستاذ محمود محمد طه.. وقد تابعت هذا المنطق وخلصت لهذه النتيجة عشرات المرات في بحوثي العلمية.. ويمكن الاطلاع على بعضها من خلال الموقع الإلكتروني المذكور سابقاً.
5. ماهو الفرق بين: Universalism وCultural Relativism خصائصهم وعلاقتهم بموضوع حقوق الأنسان؟
الفرق بين هذين المفهومين، ويمكن ترجمتهما بالعالمية والخصوصية الثقافية، أن الأول يشير إلى الزعم بأن حقوق الإنسان مقررة مسبقاً من الدول الغربية، وما على باقى شعوب العالم إلا الإلتزام بها وتطبيقها، بينما تشير الثانية إلى ضرورة الإلتزام بالخصوصية الثقافية حتى على حساب عالمية حقوق الإنسان. والخصوصية الثقافية هنا تعني الإعتماد على مرجعية الثقافة المحلية، كالقول مثلا أن المساواة بين الرجال والنساء لاتنطبق علينا لأن الثقافة الإسلامية فى السودان تعطي الرجل حق الوصاية على المرأة.
وأنا أعارض التطرف في أي من هذين الاتجاهين ومنذ أوائل كتاباتي مثل المقال الذي نشر عام 1987 والمتوفر خلال موقعي الإلكتروني. والمعالجة التي أقترحها لهذه المعضلة هي استمرار الحوار بين الثقافات والخطاب الداخلي في كل ثقافة
internal cultural discourse and external cross-cultural dialogue
لتحقيق التقارب القائم على قناعات حقيقية وصادقة بين العالمية والخصوصية الثقافية. ففي حالة السودان مثلا المطلوب هو الخطاب الداخلي بين المسلمين، ومنهجي في ذلك هو الفكرة الجمهورية ثم الحوار بين الثقافات السودانية والأخرى خارج إطار القطر.
6. من كتاباتك، يا أستاذ عبدالله، وما هو معروف عنك في الأوساط التي تتناول أطروحاتك، هو أنك من دعاة "النسبوية الثقافية" عموما، مع الاعتدال في تطبيقاتها حسب الظروف والقضايا المعنية.. في كثير من كتاباتك تتحدث عن النسبوية الثقافية كأداة مفاهيمية معينة على تحقيق عالمية حقوق الإنسان.. بعض الذين انتقدوك مؤخرا ترجموا عبارة "النسبوية الثقافية" (cultural relativism) إلى "النسبوية الأخلاقية"، وبنوا على ذلك ليخلصوا لأنك تقول بأنه ليست هناك معايير "أخلاقية" مبدئية، مشتركة بين أفراد ومجتمعات البشر، أو يمكن بناءها، وأن مسألة الأخلاق هي مسألة تجربة وتفسيرات شخصية فقط، وبالتالي قالوا إنك ترفض وجود مبادئ عالمية للأخلاق يمكن أن يلتف حولها الناس وتُبنى عليها الأنظمة الاجتماعية، كما قالوا إنك ترى أن تفسيرات نصوص التعاليم الأخلاقية (مثل النصوص الدينية) تحتمل شتى التفسيرات لدرجة أن أي قارئ لديه "مطلق السلطة" في تفسير النص.. هل يمكن أن توضح لنا تعريفك للنسبوية الثقافية كما هي في كتاباتك، والفرق بينه وبين "النسبوية الأخلاقية"، كما وردت أعلاه؟ ثم هل يمكن أن تشير لنا، بصورة موجزة، عن علاقة النسبوية الثقافية بعموم طروحات ما بعد الحداثة؟
أقوال من ينتقدوني بالصورة التي يبينها هذا السؤال باطلة ولا أساس لها على الإطلاق في أقوالي ومواقفي في جميع المحافل والمواقع. فنقطة الانطلاق بترجمة عبارة cultural relativism خطأ كامل لأن هذا المصطلح يعني الخصوصية الثقافية. ولا أرى كيف يمكن أن تترجم كلمة cultural بأنها تعنى moral. هذا بالإضافة إلى أنى لا أسلِّم تماماً بدعوى العالمية الجاهزة ولا الخصوصية الثقافية الكاملة وإنما أدعو إلى الحوار بينهما..
أما باقي التخريجات الذى تزعم بأني أنكر معايير أخلاقية مبدئية وأرفض وجود مبادئ عالمية للأخلاق إلخ..، فهي تخريجات باطلة تماماً ولا أساس لها في أقوالي ومواقفي الحقيقية. أنا لم أتحدث على الإطلاق عن النسبوية الأخلاقية ومن يزعم أني فعلت فليأت بالدليل من أقوالي في أي مكان وزمان، وليس على أساس تخريجات خيالية قائمة على ترجمة خاطئة لقولي.
7. ماذا تعني بأستخدام كلمتي: mediation and negotiation عند الحديث عن العلاقة بين الدين والسياسه- الدين والدولة وحقوق الأنسان؟ وماهي الاليات و الوسائل التي يمكن من خلالها أحداث هذه العملية؟
حديثي عن هذين المفهومين ويمكن ترجمتهما بالتبادل والتفاوض هو أن علاقة الدين بالسياسة لا يمكن الخلاص منها تماماً، وذلك يعرقل إمكانية حياد الدولة تجاه الدين، وهو تعريفي لمفهوم علمانية الدولة وليس علمانية المجتمع. فالمطلوب إذن هو إقرار علاقة الدين بالسياسة ثم تنظيم تلك العلاقة بالقانون الدستورى بحيث لا تتغول الممارسة على ضرورة حياد الدولة تجاه الدين. وقد حاولت بيان كل هذا بتفصيل كبير في الفصل الثالث من كتابي "الإسلام وعلمانية الدولة" الذي سبق أن أرسلت نسخة كاملة له من خلال الصالون الخاص بالجمهوريين.
وبما أن ذلك لا يتم فوراً ولا بصورة كاملة حتى على المدى البعيد، فالمطلوب هو التبادل والتفاوض. وكما ذكرت صراحة في كتابي "الإسلام وعلمانية الدولة" فإن منهج المعالجة هو الفكرة الجمهورية، وأضفت بأني لا أسعى لتقديمها للقراء في هذا الكتاب وطلبت أن تلتمس هذه الفكرة في أقوال صاحبها الأستاذ محمود محمد طه.
8. هل يمكن للمفكر او الاكاديمي أعاده تعريف مصطلح، متفق علي تعريفه من قبل، بمايخدم القضية او الموضوع الذي يريد نقاشه وطرحه المفكر للاخرين؟ مثلا مصطلح العلمانيه هو مصطلح ذو تعريف محدد، فهل يمكن من ناحيه اكاديميه و فكريه اعاده تعريفه او صياغته بما يخدم الغرض الراهن للمفكر او الاكاديمي؟ أذا كانت الاجابه نعم، فما هي الضوابط لعمليات اعادة تعريف المصطلحات؟
ليس فقط للمفكر أو الأكاديمي أن يعيد تعريف المصطلح بل ان ذلك كثيرا ما يحدث فى الممارسة المعتادة و المتواصلة بين المفكرين والأكاديميين على مدى التاريخ البشري. فلم يحدث أبداً أن ظل أي مصطلح على تعريف واحد في كل زمان ومكان. ولتقريب المعنى الذى أقصده هنا يمكن ملاحظة أن القران مثلا يستخدم مصطلحي الحج والصيام في معنى مغاير لما كان مألوفا عند العرب، كما استخدم الأستاذ محمود محمد طه مصطلح الصلاة مع إعادة تعريفه.
وحتى مصطلح العلمانية في الفكر المسيحي الغربي القديم، ثم الفلسفي والسياسي منذ القرن السابع عشر في أوروبا له تعريفات متعددة. وحتى على مستوى الممارسة الراهنة في الدول الغربية فإن مفهوم العلمانية يختلف تماماً بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسويد وإيطاليا وأسبانيا.. وقد بينت بعض هذه الاختلافات في كتابي "الإسلام وعلمانية الدولة". فمثلا العلمانية الفرنسية غير مقبولة على الإطلاق في الولايات المتحدة، ومع ذلك فكل من الدولتين تصف نفسها بأنها دولة علمانية.
فلم يسبق في الماضي ولا هو الحال اليوم أن مصطلح العلمانية له تعريف واحد..
انظر الفرق بين العلمانية في الهند التى يصفها دستورها نصاً صريحاً بأنها دولة علمانية، وعلمانية بريطانيا التي ترأس فيها الملكة الكنيسة الانجليكية ويعين رئيس الوزراء أكبر أساقفة تلك الكنيسة، وفي الهند وألمانيا تتعامل الدولة مع المؤسسات الدينية بينما تزعم فرنسا رفضها الكامل للتعامل مع أي منظمة دينية أو تمويل للمناشط الدينية لأي جماعة.
والضابط الوحيد الممكن لاستخدام وإعادة تعريف المصطلحات هو عقل وتمييز القارئ أو المستمع.. فمهما تصورت من ضوابط لإعادة التعريف يبقى السؤال: من يقرر هذه الضوابط ومن يقوم بتنفيذها؟؟ فأنا قدمت إعادة تعريف، فمن يملك الحق في أن يحرمني من التعبير عنه ويحرم القراء من الاطلاع عليه؟ إلا إذا تمت مصادرة حرية الفكر والتعبير. فالسبيل المشروع الوحيد هو أن أقول ما عندي من حجج ويقرر القارئ أو السامع القبول أو الرفض.
9. ماهو المعيار او المعايير التي تجعلنا نصف جماعات اسلاميه مخالفه لنا في التصور للاسلام، فهمه وتطبيقه، وطرق الدعوه اليه: كالوهابية، الأخوان المسلمين، الصوفيه بطرقها المختلفة، والشيعه.. اقول ماهو المعيار الذي يجعلنا نسمي هذه المجموعات- علي تباين درجات الاختلاف معها- اسلاميه ونضعها تحت الأسم الكبير مسلمين.. ثم لانقبل ان نطلق أسم مسلمين علي جماعات اخرى، معاصره اوقادمه في المستقبل، مثل: المسلمين اللبراليين، القرآنيين، المسلمين الامريكان -أن وجد هذا الكيان- مع احتفاظنا بحق الأختلاف معها؟
في جوهر هذا السؤال مسألة من هو المسلم ومن يقرر ذلك. فإذا كان الفقهاء هم الذين يقررون في السودان، مثلا، فسوف يكفروا جميع تلاميذ الأستاذ محمود. وكذلك الحال إذا تمت الإجابة بأن الذي يقرر هو الأغلبية العددية في السودان اليوم. ويسري هذا على جميع الأديان في كل أنحاء العالم، بين السُنيين والشيعة من المسلمين، وبين البروتستانت والمورمون في الولايات المتحدة، والهندوس والمسلمين في الهند مثلاً.
فلا مفر إذن من أن يكون الأمر على أساس الاختيار الحر لكل فرد وهذا هو معنى حرية الاعتقاد ومنع الوصاية في الفكرة الجمهورية. وإذا نشأ التساؤل بأن غياب الضوابط يهدد بالفوضى الدينية تأتي إجابتي: ما هو معيار القياس ومن يطبقه بما يضمن حرية الاعتقاد للجميع؟ ومعلوم عندنا أنه ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين..
ولا يعني هذا القول أنه لا يحق للآخرين الحكم على زعمي بأني مسلم أو مسيحي مثلاً. فهذا الحق مكفول للجميع في إطار العلاقات الاجتماعية خارج مؤسسات الدولة.. فإذا تم التمييز داخل أجهزة الدولة فلا مفر من التمييز الديني، وتهم الردة وحكم القتل فيها. ولكن إذا تركنا الأمر في مجال الحوار والاقناع بالتي هي أحسن في المجتمع فإنه يمكنني الدفاع عن عقيدتي الدينية ودعوة الآخرين إليها.
لهذا فأنا أدعو إلى حياد الدولة تجاه الدين حتى يصح لي التدين وفق قناعتي الخاصة وفي حرية تامة. فلكل إنسان الحق في أن يزعم بأنه مسلم أو مسيحي وللآخرين قبول أو رفض دعواه في إطار المجتمع عن طواعية واقتناع بعيداً عن إكراه الدولة برفض دين أو آخر. كما لا يحق للدولة التعامل مع أى مواطن إلا على أساس المواطنة، من غير الاشارة للمعتقد الدينى أو عدمه.
فالمشكل هو الإكراه على عقيدة معينة وليس تنوع العقائد في أي مجتمع.. فالعقائد متنوعة على أي حال ودائما، والفرق بين المجتمع الإنساني الرفيع والمجتمع المتسلط المهووس هو ما إذا كانت الدولة تملك حق تعريف من هو مسلم أو مسيحي.
10. يشكل المسلمون 5/1 سكان العالم و ينتشرون في اربعين دوله من دول العالم، و بالرغم من ذلك نجد الحديث- في الغرب و في السودان وحتى بيننا نحن الجمهوريين- عن المسلمين لا يتطرق، في غالب الاحوال، الا لقضايا مسلمي الشرق الاوسط والعالم العربي.. فكيف يمكن أعاده تشكيل وتوجيه الخطاب الفردي، الجماعي، الاقليمي و الدولي وفي كل مناحيه السياسيه، الثقافيه، الاقتصاديه، الاجتماعيه والفكريه ليشمل قضايا مسلمي الدول الأخرى خارج نطاق العالم العربي و الشرق الاوسط؟
بالإضافة لخطورة تمليك أي بشر حق الحكم على عقائد الآخرين، كما سبق التأكيد،أقول هنا أن الزعم بالإسلام أو أي دين آخر لا يعني تجاوز عيوب الفكر والسلوك الفردي والتصرف الجماعي من غرض وهوى وطمع وغرور.. فانشغالنا بقضايا المسلمين العرب وهم 12 % فقط من مسلمي العالم هو العنصرية العرقية والتعالي الثقافي. فنحن في السودان مثلاً نتوهم بأننا عرب ونعتقد أن العروبة أقرب إلى الإسلام من الأجناس الأخرى. كما نظن كذلك أن المسلمين الأفارقة ليسوا بمستوى المسلمين العرب.
فإن الدخول فى الإسلام هو المدخل على معالجة جميع عيوب الفكر والسلوك البشري من خلال الالتزام الواعي والذكي بسنة النبي عليه الصلاة والسلام كما دعا سيدي الأستاذ محمود محمد طه.. وعلينا أن نعلم أولاً أننا لسنا على الإسلام اليوم ثم نبدأ في تصحيح المسار وفق السنة النبوية المطهرة.
11. المثليين جماعات اصبح لها وزن ومكانه في الغرب، امريكا وكندا.. ويزيد وزنها ومكانتها كل يوم جديد..ثم هم يمكن ان يكونوا جيران لنا في الحي، زملاء لنا في العمل او لأبناءنا وبناتنا في الجامعات، يشتركون ويشاركون معنا في جميع الأنشطه الحياتيه العامه..شئنا هذا ام ابينا.. تجدهم في مناهج تعليم أبناءنا المدرسية وفي وسائل الاعلام التي تدخل بيوتنا.. هذا واقع يعرفه كل من عاش في الغرب.. فهل ندفن روؤسنا في الرمال وندعي عدم وجوده، او ضعفه وعدم تأثيره؟ أم أن هناك صيغه يمكن ان تقترح من مفهوم حقوق الأنسان، المنطق المدني، او اي مفهوم او تجربه اخري تعين علي خلق علاقه تضمن حفظ حقوقهم الأنسانيه وحفظ الحقوق والقيم الاخلاقيه لمن يخالفهم الميول من المسلمين وغير المسلمين؟
ظاهرة ما يسمى بالمثلية الجنسية موجودة في جميع المجتمعات الإنسانية منذ بداية التاريخ، ونجد إشارات لها واضحة في تاريخ المسلمين، وأشعار أبو نواس مثلاً. ولا يعنى هذا ان الإسلام نفسه يبيح هذا السلوك.
وما نراه الآن من بروز لما يسمى بحركة المثليين في الغرب هو نتيجة للضمانات القانونية والقبول الاجتماعي لحرية السلوك الشخصي والخصوصية.. فإذا كانت هذه الظاهرة واضحة اليوم في الصور التي يشير إليها السؤال، فذلك لم يكن الحال قبل عشرين سنة في الولايات المتحدة أو غرب أوروبا مثلاً.
فمع عدم قبولي الشخصي كمسلم لأي ممارسة جنسية خارج إطار الزواج الشرعي، فإني أيضاً كمسلم ألتزم باحترام وحماية الحريات الأساسية لكل فرد بشري مهما كانت اعتراضاتي على معتقداته أو سلوكه.. فليس الأمر هو إقرار للحق الدستورى في المثلية، وإنما هو الحق الدستوري للإنسان من حيث أنه إنسان، بلا اعتبار للحكم الأخلاقي عليه بأنه كافر أو فاسق، أم مسلم وورع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.