*أحرص على تبادل الرسائل الإلكترونية مع الأهل والأحباب والأصدقاء، خاصة مع الذين تم فصلهم عنا المسافات البعيدة التي قربتها وسائط الاتصال الإلكترونية التي مكنتنا من ( الونسة) المباشرة معهم بالصوت والصورة ومشاركتهم مناسباتهم من على البعد. *من الرسائل التي توقفت عندها رسالة من جد أحفادي في أستراليا صديقي عباس محمد سعيد، يحدثني فيها عن احتفال ابنه الفنان التشكيلي العالمي غسان وابنتي هنادي بعيد ميلاد ابنتهم سالي. *لم تكن الرسالة عن عيد ميلاد سالي الذي احتفلت معهم به في نفس اليوم عبر النت لكنه حدثني عن مفاجأة جميلة حدثت لهم في هذا الاحتفال بإحدى الحدائق العامة بسدني. *جرت العادة أن تحتفل الأسر السودانية هناك بمناسباتها في الحدائق المزودة بماكينات طهي الباربيكيو، الوجبة المفضلة للسودانيين الذين يحبون المشاوي والشيات والبهارات والشمارات، حيث يلتقون من كل أطراف المدينة لقضاء وقت جميل يخرجهم من دوامة العمل ومشاعر الغربة. *رسالة صديقي عباس الذي يعتبره أبناء السودان هناك بمثابة الأب الروحي لهم كانت بمناسبة(كلام الناس) بعنوان : لا أقل من تنفيذ المصفوفة ، ليؤكد لي أن ما يجمع بين أبناء السودان إنسانياً واجتماعياً لاتفرقه السياسة. *كانت أسرة الفنان التشكيلي غسان قد حجزت مكاناً لها للقاء ضيوفها في إحدى الحدائق لكن الأسرة اكتشفت أن ماكينة طهي الباربيكيو بمكانها معطلة، وتصادف وجود أسرة سودانية من أبناء جنوب السودان قريبة من مكانهم، لاحظوا حيرتهم فتقدمت منهم سيدة جنوبية وطلبت منهم استعمال ماكينة الطهي خاصتهم. *هكذا تم اللقاء العفوي بلا مقدمات ولا سابق معرفة ، وعندما التقى الجمعان ، وكعادة أهل السودان - خاصة في دول المهاجر - بدأوا في الغناء والاستماع للأغاني السودانية ، كانت الأسرة السودانية من الجنوب تستصحب معها جهازDJ ولكن المفاجأة التي جعلت عباس يرسل لي رسالته ان 80%من الأغاني كانت من أغنيات السودان القديم قبل الانفصال إضافة لأغاني التراث الجنوبي. *هكذا سقطت الحواجز المصطنعة بين أبناء السودان بعيداً عن المزايدات وتشاكس الحزبين الحاكمين في دولتي السودان والأجندة الحزبية التي قسمت السودان ، والعصبية القبلية التي مازالت تهدد الدولتين. *أمضوا جميعاً وقتاً ممتعاً نسوا فيه أن السودان قد انقسم إلى دولتين، لم تشغلهم المفاوضات المتعثرة بين حكومتي البلدين ولا ويلات النزاعات القائمة والموت المجاني والمذكرات والخلافات، ولا المحاولة الانقلابية ولا الفجر الجديد و...إلخ من الغيوم السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعكر الأجواء السودانية. *هذا يؤكد أيضاً أن بذور التعايش السلمي بين أبناء السودان في الشمال والجنوب موجودة وأن التراث الفني يوحد بين وجدانهم بلا تمييز أو وصاية أو محاولة إقصاء الآخر أو قهره بالقوة. *حقاً : (سوداني) بلدنا وكلنا (اكوان).