نوارة أبو محمد تقف على الأوضاع الأمنية بولاية سنار وتزور جامعة سنار    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    النصر الشعديناب يعيد قيد أبرز نجومه ويدعم صفوفه استعداداً للموسم الجديد بالدامر    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    ريجي كامب وتهئية العوامل النفسية والمعنوية لمعركة الجاموس…    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    فاجعة في السودان    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يومان من الحوار في حضرت محمد أبو القاسم حاج حمد ( الحلقة الثانية) زين العابدين صالح عبد الرحمن

يواصل السيد محمد أبو القاسم حاج حمد طرح أفكاره حول المربعات الثقافية, ليس فقط علي جانب الداخل السوداني, أيضا في تفاعلات السودان مع محيطه, و يقول إن للسودان تداخلات قبلية و عشائرية مع عدد من دول الجوار و هي رغم أنها تحتجز خارج حدود السودان, و لكنها جزء من تلك المربعات الثقافية, و تتأثر بها و تتفاعل بصورة كبيرة معها, و ذلك يعود للإمكانيات الكبيرة التي يمتلكها السودان, و لكنه لا يوظفها التوظيف الذي يحقق مصالحه و مصالح دول الجوار, أو ربما يمكن أن نقول إن المشاكل التي فرضت علي السودان و التحديات التي فرضها علي نفسه جعلته لا يلتفت إلي تلك المؤثرات القوية, و هي تمثل حالة من حالات الغفلة عند النخب السياسية التي لم تستوعب بصورة جيدة إمكانيات دولتها و أدواتها في خلق قنوات عريضة من الحوار الشعبي, و استخدامه في مواجهة تحدياته, و هذا يعد أيضا إهمال من النخبة السودانية التي تشتغل بعلم الإستراتيجيات, في كيفية استفادة السودان من هذه الخاصية التي يمتلكها.
قلت للسيد حمد عفوا للمقاطعة, و لكن هل تعتقد أن النخبة السودانية دون تصنيف لمجالات تخصصاتها, هل هي تتعامل مع السياسة بعيدا عن دراسة الواقع الثقافي في السودان؟ حقيقة أنني لا أريد إن حديثنا ينحرف للسياسة, و لكن السؤال لمعرفة النقص الذي تعانيه النخبة السودانية, قال و دون انحراف للسياسة و لكن نحن نتناول إشكاليات السودان بالنظر للقضية الثقافية من إعمال الفكر فيها, و بالفعل إن النخبة السودانية قد أهملت الثقافة, و أغلبية النخب السودانية الذين اشتغلوا بالسياسية اشتغلوا بها في المؤسسات الأكاديمية, ومشكلتنا في السودان أننا نضع حاجزا بين الممارسة السياسية اليومية, و بين ما تنتجه المؤسسات التعليمية من بحوث و دراسات, في الوقت الذي فيه إن الدول الديمقراطية, و التي سبقتنا في الارتقاء في سلم الحضارة, قد أسست مؤسساتها العلمية لكي تساعدها في المشاكل التي تواجه المجتمع و الدولة, و بالتالي هناك علاقة وطيدة و قوية بين مؤسسات التعليم و مؤسسات الدراسات و البحوث و مؤسسات الدولة و صناع القرار, الأمر الذي نفتقده في السودان.
قلت للسيد حمد أن تقسيمكم السودان لمربعات ثقافية, لم يتناول طبيعة الثقافة في تلك المربعات, و لكن هناك أطروحات ثقافية حاولت أن تتناول طبيعة المكونات الثقافية, منها أطروحة الدكتور أحمد الطيب زين العابدين و التي كان قد كتبها في مجلة الثقافة السودانية العدد " 26" يقول ( نحن ننظر للثقافة السودانية كمكون فريد مختلف و مستمر ذي ثلاثة شعب, شعبة سودانية هي تراث نازل و مستمر من أقدم العصور, تأثر بشعبة أخرى أو تيار أخر دائم الأثر و التدخل هو التيار الأفريقي الأقدم يأتينا من محاور كثر, ثم شعبة ثالثة أو تيار ثالث هو آسيوي عربي قديم هو الأخر, و كما يلتقي النيل الأبيض و الأزرق و العطبراوي ليكونوا النيل تصب كل هذه الروافد في نهر السودانوية القديم) قال السيد الحاج حمد, أنني لا أريد أن أدخل في تحديد المكونات الثقافية, باعتبار إن المربع الواحد يتكون من عدد من الثقافات, و لكن داخل المربع هناك تفاعل داخلي لهضم كل ما بداخله, ثم يتفاعل مع المربعات الأخرى, بالقدر الذي لا يؤثر علي الاستقرار و وحدة المربع, و خروج ثقافات المربع يحددها النشاط الاقتصادي الذي يقوم به المربع, فمثلا مربع الخرطوم, و هو مربع واسع و كبير لأنه يضم الجزيرة و جزء من مناطق النيل الأبيض. قلت مقاطعا هو نفسه مثلث الثروة و السلطة الذي تحدثت عنه بعض الدراسات, قال نعم إن الثروة و السلطة تركزت هنا ليس بفعل النخبة السودانية أنما في هذه المنطقة كان الاستعمار ينهب ثروات البلاد و سخرها لمنفعته و في هذه المنطقة خلق الأدوات التي تساعده علي نهب البلاد, و في هذه المنطقة خلق "الكمبرادور" لكي يحافظ علي نفوذه, و لكن هذا المربع الواسع الذي حصر الثروة و السلطة هو المربع الأكثر انفتاحا و الأكثر تفاعلا مع بقية المربعات الأخرى, و حتى شروط الدخول فيه ليست بالشروط التعجيزية كما هي في بقية المربعات الأخرى, قلت مقاطعا هذا ما أشار إليه الكاتب غسان سلامة عندما كتب ( أصبح هناك صعوبة لآن تكون مثقفا خارج الأطراف السياسية القائمة) قال السيد حمد هذا صحيح لآن المثقفين لا يستطيعون تحقيق مخططاتهم بعيدا عن المؤسسات السياسية, و لذلك نجد إن أغلبية المثقفين قد تنازلوا عن مشاريعهم لمصلحة المشاريع السياسية, و نسوا ما كتبوه عن دور الثقافة. قلت لكن هناك قول للمفكر السوري برهان غليون يقول فيه ( إن النهضة لا تتحقق بدون ذات حرة متحررة واثقة من قوتها و أن الثقافة هي المسألة الأولي في مسائل النهضة و النهضة هي توظيف التاريخي للشعور بالذاتية و لعاطفة الهوية) قال طبعا السياسي المثقف هو أفضل من السياسي الذي فرضته شروط القبيلة و الطائفة و غيرها من الانتماءات الأولية التي يعاني منها السودان, و الثقافة و المشتغلين بها لم يعطوا المساحة المطلوبة التي يستطيعون أن يقدموا فيها مشاريعهم و رؤاهم لمواجهة التحديات, إن كانت في الداخل أو في الخارج.
قلت أجعلنا ننتقل للتاريخ: قال السيد الحاج حمد, أنني لا أنكر أنني من المتأثرين بالمدرسة التاريخية, و الرجوع للتاريخ لمعرفة كيف استطاعت المجتمعات العربية و غيرها أن تتغلب علي مشاكلها, و كيف استطاعت أن تتجاوز التحديات التي فرضت عليها, و بالفعل إن المدرسة القومية و المدرسة الإسلامية تشكل القدح المعلي في تكويني الثقافي و المعرفي و السياسي, و هي تمثل المرجعيات الأساسية التي اشتغل عليها, و هذا لا يعني أنني لا أتناول مرجعيات أخري, أنني قرأت كثيرا عن عصر التنوير في أوروبا و التطورات التي حدثت في تلك الفترة و إنشاء المدارس الفكرية المختلفة منذ القرن الثامن عشر, و التحولات الاجتماعية و السياسية التي حدثت نتيجة لكتابات عصر التنوير, و قرأت لكل من جان جاك روسو و فرانسيس بيكون و إيمانويل كانت و فولتير و غيرهم من كتاب ذلك العصر. و فجأة نظرت إلي الساعة فكانت قد تجاوزت الثانية صباحا ببضع دقائق, فوقفت معتذرا أن يسمح لي بالذهاب لآن الزمن تجاوز المعقول, علي أن نكمل الحوار إذا استطاعت الفرص أن تجمع بيننا مرة أخري كما فعلت الآن, و ودعت الرجل علي أن نلتقي إذا سمحت مقبل الأيام, و في العاشرة صباحا جاءني رسول من عنده يقول " أن السيد محمد أبو القاسم حاج حمد يدعوك أن تفطر معه في فندق " نيالا " و لم أتردد باعتبار أنني لا أملك شيئا يمنعني من اللقاء بالرجل الذي يحمل من المعرفة و التجارب الكثير, و عندما وصلت إليه قال عظيم هناك بعض الوقت نستطيع أن نواصل ما بدأنا من الحوار أمس.
قلت دعني أطرح هذا السؤال, يقول المفكر محمد أبو القاسم الحاج حمد في كتابه " السودان المأزق التاريخي و أفاق المستقبل – الطبعة الثانية" ( حادت حركة المثقفين ممثلة في الوطني الاتحادي عن تركيز علاقاتها بالقوي الاجتماعية الشعبية الحديثة ممثلة في العمال و الفلاحين و أهملت ذلك التحالف الجنيني الضمني الذي كرسته حركة اللواء الأبيض في العشرينات و تجاوزت عن تجربة مدرسة الفجر و انصرفت بثقلها إلي الطائفية) رغم هذه المقولة قد وردت في كتاب سيادتكم و لكنني أعتقد هذه تهمة كانت جزء من الأدب السياسي للسيد عبد الخالق محجوب السكرتير العام الذي افتعل معركة مع قيادات الحزب الوطني الاتحادي و خاصة الزعيم إسماعيل الأزهري, في طموح للرجل أن يتمدد حزبه في منطقة الطبقة الوسطي. قال حقيقة إن الحزب الشيوعي كان قد شن حملة شرسة علي الحزب الوطني الاتحادي, و لكن ما تحدثت عنه إن الوطني الاتحادي الذي كان يمثل الطبقات الشعبية و الفئات قد تراجع عن ذلك و أصبح يمثل طبقة البرجوازية و البرجوازية الصغيرة, هذا التراجع الذي حدث للحزب هو الذي جعله يتراجع جماهيريا. قلت بالفعل كان لسيادتكم موقف من حملة الحزب الشيوعي ضد الوطني الاتحادي و قد أوردتها في نفس الكتاب حينما ذكرت فيها الأتي ( اعتبرت الحركة الشيوعية في السودان أن العدول الأول لها هو ما قيمته خطأ بقوي البرجوازية الوطنية ممثلة في الحزب الوطني الاتحادي دون أن تعاني تشخيص الواقع السوداني تاريخيا و اجتماعيا و اقتصاديا) قال السيد الحاج حمد إن مشكلة القوي السياسية السودانية, في تطورها التاريخي كانت ولادتها هي أفضل من مسيرتها التاريخية السياسية, خاصة أن قيادات الأحزاب هم الذين أسسوا الجمعيات الأدبية, و هم الذين قادوا مؤتمر الخريجين, و لكنهم فشلوا بعد الاستقلال في عملية التعمير و الحفاظ علي النظام الديمقراطي الذي أسسوا قواعده الأساسية, و خانوا حتى مبادئهم عندما وقعوا اسري للطائفية, و هذا يؤكد أنهم لم يستوعبوا تطور الحركة الجماهيرية, أو بمعني أصح أنهم لم يراهنوا علي الجماهير في عملية التغيير, و أنظر رغم إن الجماهير هي التي استطاعت النظامين العسكريين السابقين و لكنها أبعدت تماما من صناعة القرار و تهميشها, الأمر الذي يعيد المؤسسة العسكرية مرة أخري عندما تختل موازين القوة في المجتمع.
أيضا ذكرت في ذات الكتاب الأتي ( استقطبت البرجوازية الناشئة حركات المثقفين و احتوتها ضمن روحيتها الاجتماعية و الفكرية المتداخلة مع الطائفية و القبلية علي حد سواء و كانت خصائص تكوينها الفكرية عبر تلك العلاقات و كانت غير ديمقراطية و غير تحررية بل تفتقر حتى لقوة الوعي الإصلاحي) هذه المقولة تتعارض تماما من الممارسات الفعلية للسيد الحاج حمد نفسه, و الذي غادر حزب الطبقة الوسطي لكي يقع في حضن الطائفية, و التي احتضنت حزب الشعب الديمقراطي, الذي كان يمثل طائفة الختمية, كما إن البرجوازية تاريخيا لعبت دورا ثوريا, عندما دحرت طبقة الإقطاع, و هي التي أسست لعصر الأنوار, و هي التي كان من المفترض أن تلعب دورا مهما في التطور السياسي في السودان. قال من الذي قال إن حزب الشعب الديمقراطي كان يمثل الطائفية, نحن عندما ذهبنا للطائفة كنا نريد أن نحرر جماهيرها, و قد فعلنا ذلك عندما قدمنا برنامجا سياسيا أكثر تقدمية من برنامج الحزب الوطني الاتحادي الذي وقف عند حدود الاستقلال, و حاولنا أن نقدم اجتهادات فكرية للتوأم بين الاشتراكية و الإسلام, باعتبار إن الإسلام يشكل الأرضية الفكرية و المرجعية التاريخية للأمة, و في نفس الوقت أننا ننحاز للطبقات الدنيا, و جماهير الطائفة هم من الطبقة الدنيا و كان لابد أن نبحث عن قنوات تكون بمثابة تواصل مع هؤلاء, و نحن في حزب الشعب الديمقراطي حاولنا أن يشكل الفكر قاعدتنا الرئيسية, و هذا لا يعني أننا قد قطعنا الاتصال مع الحركة الاتحادية, أنما كنا نضغط لتحرير الجماهير الاتحادية من قيادات وقف فكرها عند شعارات خانتها تاريخيا, في ذلك الوقت كنا نؤمن إن الحلول القطرية ليست كافية أنما الحل القومي الذي يواجه من خلال التعبئة الجماهيرية العربية تحديات الإمبريالية و أتباعها في المنطقة, و لا تنسي في ذلك الوقت كانت الاشتراكية تمثل الداعم لتحرر الشعوب الرازحة تحت الاستعمار.
قلت لضيق الوقت أجعلنا ننتقل لمقولة لذات المفكر الحاج حمد يقول فيها ( استطاع الأخوان المسلمين محاصرة الفكر القومي العربي الثوري عبر ألا تراثية و ألا تاريخية في تركيب ذلك الفكر مؤكدين علي العلمانية) كيف تعتقد إن مجموعة تفتقد للفكر تحاصر مجموعة هي تشتغل بالعقل, و إذا رجعنا للسودان نجد أن الحركة الإسلامية في تطوراتها المختلفة لم تستطيع أن ترفد الفكر الإسلامي بأية شيء, و كان انتاجها الفكري ضعيفا, و هي ليست مثل ما حدث في المشرق و المغرب العربي و أيضا الشيعة الذين قدموا أطروحات حول قضايا الدولة و الحكم و الديمقراطي, في الوقت الذي غابت النخبة السودانية الإسلامية عن عملية الإنتاج الفكري, لذلك كانت تستلف أطروحاتها الفكرية, و لا تعتقد إن دعوة الدكتور الترابي " للمؤتمر الإسلامي القومي" كان بهدف استقطاب المفكرين القوميين و جرهم للساحة الإسلامية الخالية من الاجتهادات الفكرية؟ قال ربما يكون ذلك صحيح في حدود, باعتبار إن الدكتور الترابي هو وحده الذي يعلم لماذا دعا و الهدف من ذلك المؤتمر, و لكن المؤتمر في حد ذاته كان ممكن إذا كان سمح له بالاستمرار أن يخلق حوارا بين تيارين إسلامي و علماني, و هي الإشكالية التي تواجه القوي السياسية, ليس فقط في السودان, أنما في المنطقة العربية, باعتبار ليس النخب السياسية و المثقفين وحدهم في المنطقة هم الذين يقررون, أنما المنطقة نفسها تعج بمصالح لتيارات و إستراتيجيات مختلفة, و هي نفسها تلعب دورا جوهريا في تطور المنطقة, و تحاول أن تكيف المنطقة تحقيقا لمصالحها.
قلت للسيد محمد أبو القاسم الحاج حمد إن تأسيسكم لمركز دراسات إستراتيجية في قبرص, يخلق تساؤل, باعتبار إن قبرص تعتبر أهم منطقة في العالم تتصارع فيها المؤسسات الإستخبارتية العالمية, و وجودكم هناك لدراسة الشأن الإستراتيجي يجرنا لسؤال مع أي الأقطاب تقف رغم أصبح في العالم قطب واحد؟ قال السيد أبو القاسم الحاج حمد هذا اتهام أم استفزاز للحصول علي معلومة؟ قلت, لا, حقيقة لم اقصد الاتهام بقدر ما كنت أريد معرفة الصراع الإستراتيجي ليس علي مستوي العالم أنما حول الصراع العربي العربي؟ قال السيد أبو القاسم حاج حمد بالفعل, اختيار قبرص لتكون مقرا للمركز كان الهدف منه أعطاء حرية للحركة, و في نفس القرب من مصادر المعلومات, أنت قلت أن قبرص كانت تعج بتواجد استخباراتي كبير, و من خلال هذا التواجد يبقي البحث عن المعلوم سهلا و متاح, إلي جانب أن قبرص تمنح الباحثين حرية كبيرة في الحركة, و لكن للأسف كان من المفترض أن يجد المركز الدعم لكي يقوم بالمهمة المناط أن يقوم بها, و لكن للأسف دائما التمويل يكون سببا في تحطم أمال كبيرة.
أنتهي الحوار لضيق الزمن و كان السيد حمد قد طلب مني العود للسودان, و قال أن خروج المعارضة من السودان يشكل ضررا لها و ليس في مصلحتها, لآن الخروج يبعدهم من التواصل مع جماهيرهم, و يجعلوها عرضة للنظام, و قلت أنني سوف أفكر في الموضوع بجدية, و ذهب السيد محمد أبو القاسم الحاج حمد للسودان و غادرت أنا إلي القاهرة ثم إلي استراليا, و عندما سمحت الظروف أن أعود للسودان, كان السيد محمد أبو القسم الحاج حمد قد غادر دنيانا, و لكنه خلف فكرا ثرا, و معرفة لا تقاس بموازين, و كنت أحسب إن الحركة الاتحادية سوف تعود لقراءة ما كتبه أبو القاسم الحاج حمد, و تعقد عليه ندوات و حوارات تفتح بها أفاقا جديدة للوعي الجماهيري و لا تترك مخلفاته الفكرية لقوي سياسية هي بعيدة عنه, و أمل أن يفكر الأشقاء في ذلك و الله الموفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.