ماذا وراء ترحيل المهاجرين من السودان؟    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    أكوبام كسلا يعيد قيد لاعبه السابق عبدالسلام    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفير السودان بمصر: المرميُّ في القِدرِ تجئ به المغرافة علاء الدين أبومدين

لا يبدو سفير السودان الحالي بمصر: كمال الدين حسن علي، في وارد التخلي عن ما رمته به وزرعته بداخله تلك المدعوة باسم (الحركة الإسلامية السودانية)، منذ أن كان غضاً يافعاً في صفوفها. إذ تلك المرميُّ بها منذ طفولته السياسية صارت إلى خِصلة، لا يُلام هو عليها كإنسانٍ بالغٍ بقدر لوم من رماها به، حاله في ذلك حال الطفل الذي تربى في كنف أسرته الطبيعية أو السياسية، دع عنك إن كان ربائبه وأنداده في ذات الدار يتمتعون بذات خصال بذاءة اللسان وممارسة العنف الجسدي وأداء دور الشيطان الأخرس عند اللزوم. لكن أن يحدث ذلك من سفير بدرجة وزير، يعني أن "المجاهد" كمال الدين حسن علي، لم يكتمل تشذيبه ولا تهذيبه ولا العناية به كما ينبغي ليكون سفيراً وممثلاً لشعب السودان العظيم الذي كان أول من اخترع الزراعة وأول حروف للكتابة على مستوى البشرية جمعاء، بحسبان ما يؤكده الراسخون في علوم ما قبل ميلاد سيدنا المسيح وأسفار القرون الأولى.
إزاء افتقار سفير السودان بمصر لأبسط قواعد وأعراف العمل الديبلوماسي بزياراته المباشرة والمتكررة لمقرات الأمن الوطني والمخابرات بمصر، بغرض التبرع بالمعلومات والتأليب ضد المعارضين السودانيين بمصر. وباعتبارها زيارات أبدى بعض من النخبة المصرية الأمنية استياءهم وضيقهم بها حسب صديقي/ منعم سليمان، مدير مركز السودان المعاصر... يشعر كل مواطن سوداني غيور بالحسرة ويعتصر قلبه الألم وهو يلمس لمس اليد، الدرك الأدنى من القيمة الوطنية والإنسانية الذي أوصلتنا إليه الحركة الإ سلامية السودانية، بسعيها الحثيث لاحتكار الدولة والإسلام والثروة. فكان ما حاق بنا من تدهور القيمة المعنوية والسياسية والديبلوماسية لممثلي دولة السودان في أصقاع الأرض المختلفة، ناهيك عن تمنع سفير بالخارجية من الانتقال لدولة آسيوية غير عربية عبر اعتذاره بتعذر نطقه بأي لسان أعجمي. المشهور أن عدداً من قيادات الحركة قد درسوا بالغرب الأوروبي والأمريكي ونال عدد منهم شهادات عُليا منهما، كما نالوا أيضاً الجنسيات ووثائق السفر. وأكاد أجزم أن إدخال السفير/ كمال الدين حسن علي، دورةً في الديبلوماسية في مدرسة الديبلوماسية المصرية، كما هو الحال مع إدخال عددٍ من الديبلوماسيين السودانيين بتاريخ السبت 23 فبراير 2013 دورة في: "فن التفاوض، إدارة الأزمات، السلام والتنمية في أفريقيا، مفهوم العمل القنصلي والجاليات في الخارج، وتنظيم المؤتمرات الدولية وغيرها من الموضوعات التي تهم الدبلوماسيين" قد يُساعده لحدٍ ما. حيث صرح السفير/ عبد الغفار الديب، سفير مصر بالسودان حول تلك الدورة قائلاً "الدورة التدريبية التي تنظمها مصر للدبلوماسيين السودانيين تناظر تلك التي يتم تنظيمها للدبلوماسيين المصريين في مستهل خدمتهم بوزارة الخارجية المصرية... "!! وذلك حسب ما ورد بموقع وكالة السودان للأنباء (سونا) بتاريخ الأحد 3 مارس 2013... رغم أنني أشك في أن دورة واحدة كافية لمن هو مثله، ببساطة لأن المشكل فيه غريق ونابع من بنية فكر (الحركة الإسلامية) الذي تربى عليه منذ الصغر، وقد قالوا من قديم الزمان "العلم في الصغر كالنقش في الحجر".
المشكلة أعمق مما نتصور
تحولت (الحركة الإسلامية السودانية) تدريجياً إلى مؤسسةٍ أمنيةٍ عضود منذ أواخر حكم جعفر نميري؛ وذلك حتى على بعض الإسلاميين. خاصةً عقب مفاصلة د. حسن الترابي، عام 1999. فحينئذٍ انقلبت الحركة الإسلامية إلى محض تنظيم أمني وعسكري غاب عنه عقله، بغياب د. حسن الترابي، عراب انقلاب الحركة الإسلامية السودانية على حكومة ديمقراطية منتخبة عام 1989. أو كما قال ابن أمدرمان الأستاذ/ المحبوب عبد السلام، بحضور السفير/ كمال الدين حسن علي، في ندوةٍ لتدشين كتابٍ له بمركز الأهرام، قُبيل الإطاحة بنظام مبارك في معرض رده عن سؤالٍ لي حول دور عناصر الحركة الإسلامية من جناح الشعبي في إعدامات ضباط حركة رمضان 1990، الذين حصل بعضهم على أنواط شجاعة وتكريم عسكري من الجيش المصري، نتيجة لمشاركاتهم المتميزة في حرب اكتوبر 1973 على الجبهة المصرية، فكان رده " لا أعتقد بأي دور لأي من أعضاء المؤتمر الشعبي في تلك الإعدامات، وأن من قام بالإعدامات وقتها هم العناصر الأمنية والعسكرية بتنظيم الجبهة الإسلامية، ولم تكن لي علاقة بالجناح الأمني والعسكري في التنظيم، وأن الأخ كمال حسن علي، الذي يجلس بجانبي على المنصة له علاقة بالعمل الأمني والعسكري في التنظيم، من قبل الوصول للسلطة، وربما يعرف عن تلك الإعدامات...". وهكذا ترون أن فعائل السفير المذكور في تهديده العلني بالبطش بالمعارضين السودانيين أمام عناصر الأمن المصري، في واقعةٍ شهيرة أمام مقر الجامعة العربية يوم الأربعاء 11 يوليو 2012، وسلوكه المنفلت في جرجرة المشاكل ومحاولة الاشتباك بالأيادي مع ثلاثة متظاهرين سودانيين وبهيستريا غير معهودة من ديبلوماسي سوداني لم تأتي من فراغ... رغم أن السلطات المصرية بُعيد ثورة 25 يناير المستمرة، لا تمنع التظاهرات السلمية، كما أن المتظاهرين (الثلاثة) حينها لم يفعلوا شيئاً أكثر من الهتاف الداوي الذي يقول "لن ترتاح يا سفاح"، وقد فهم الذي في بطنه شيئ من لدن مجزرة رمضان 1990، والعيلفون 1998، وبيوت الأشباح، وفساد واستبداد الإسلامويين أنه المقصود... فما ذنبنا نحن؟
نعم كل إناءٍ بما فيه ينضح
نعم لا تثريب على الرجلين فكلاهما (كمال الدين حسن علي ونافع علي نافع) من خريجي مدرسة (الحركة الإسلامية) التي استمرأت التلون حسب مصالحها باسم الدين الإسلامي الحنيف ولم تستنكف أن يجري الفساد والاستبداد باسمه... فكيف بمن هو من قلب جهازها الأمني والعسكري الذي قتل غيلةً وغدراً عدداً من خيرة ضباط الجيش السوداني ممن حققوا انحياز الجيش للشعب في انتفاضة أبريل 1985؟ لا بل أصر على دفن بعضهم وهم أحياء! وذلك في شهر رمضان المبارك وعشية عيد الفطر من عام 1990! حيث ترفض الحركة الإسلامية ونظام البشير حتى الآن الكشف عن أماكن دفنهم ووصاياهم! وقد جرت كل هذه الفظائع بحقهم وحق أهاليهم بلا جريرة سوى سعيهم لاسترداد الديمقراطية بأقل الخسائر وبالتنسيق مع التجمع الوطني الديمقراطي والحركة الشعبية بقيادة الشهيد د. جون قرنق... وبين هؤلاء من يمنع العُرف العسكري إعدامهم لحصولهم على التكريم العسكري وأنواط الشجاعة داخل وخارج السودان... لذلك لم يكن مستغرباً في أوساط المتابعين قيام هؤلاء الإسلامويين بجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الجنوب الجديد المصنوع إسلاموياً في: دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق، عقب مرور عشر سنوات على وجودهم في سدة الحكم. في الواقع فإن بشائر تلك الجرائم المُدويِّة للإسلامويين كانت قد ظهرت مبكراً، وبمشاركة كبيرة من أبناء الهامش في السنين العشرة الأولى، لا سيما مشاركة أبناء إقليم دارفورفي الحرب ضد دولة جنوب السودان الحالية. وذلك بسبب غلبة النزعة الدينية الإسلامية والقيم القبلية والجهوية عليهم بأكثر مما هو سائد في وسط ومركز البلاد... إنها بشائر الشر الذي ضرب أهل الهامش لاحقاً، بينما أمطر المركز ووسط وشمال وشرق البلاد أولاً في مجزرة رمضان 1990، كما أمطرهم ثانيةً في بيوت الأشباح ومجزرة العيلفون 1998؛ ناهيك عن كرَّةٍ مُوازيةٍ ثالثة أدت لفصل عشرات الآلاف منهم من الخدمة المدنية والعسكرية، وذلك في إطار ما عُرِّف لاحقاً باسم "الفصل للصالح العام"، الذي استهدف غالب أهل الحضر من أصحاب الخبرة في العمل السياسي والنقابي. وجرى جُل ذلك أثناء العقد الأول من حكم الإسلامويين، وفي المناطق التي صارت معروفة لاحقاً باسم مثلث حمدي أو المثلث الذهبي... لاينفي ذلك أن قمة الهرم القيادي في الدولة السودانية منذ استقلال البلاد، ظلت تتسنمه عناصر من شمال البلاد، لكن هذه الحقيقة يجب أن تُقرأ مع حقائق أخرى... وهكذا فإنه حريٌ بأمثال هؤلاء الإسلامويين القيام بجرائم تطهير عرقي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في مناطق الهامش، بل القيام بمحاولات جدية لإغتيال المعارضين خارج البلاد، مثل ما حدث بالعاصمة المصرية القاهرة، فهذا محض تطور في الوسائل والآليات وتمدد للرقعة الجغرافية لجرائم النظام لخارج إطار الحدود المنتهكة للوطن السوداني الجريح.
ولقد إزداد الوعي بضرورة اتفاق قوى الهامش والمركز في شعار اسقاط النظام حسب الخيارات المتاحة لكل منهما (يظل النضال اللاعنفي الخيار الأفضل)، مع الاتفاق على برنامج المرحلة الانتقالية وآليات تنفيذه، بل قد قطعت تلك القوى شوطاً مقدراً في ذلك بمجرد التقاءها... وساهمت عوامل وظروف داخلية وخارجية عديدة في هذا النجاح، لعل من أهمها: نقض الاتفاقيات من طرف الإسلامويين، اشتراك عناصر مؤثرة من الهامش والمركز في حروب ضد الهامش نتيجةً لبعض الاتفاقيات وضغط الإعلام الإسلاموي المُخوِّن وظروف المعيشة، بروز نموذج الربيع العربي، تصاعد دور الحركات الشبابية ومطالبتها باتفاق القوى السياسية، ضيق وتبرم المجتمع الإقليمي والدولي من تردي الوضع السوداني وإمكانية تأثيره على الوضع الإقليمي والدولي بما يشير لإمكانية تدخلات كبرى تُغيِّب فيها الأطراف الفاعلة سودانياً، استقلال جنوب السودان عن السودان، بلوغ الأزمة السياسية والاقتصادية ذروتها مع تفاقم الضائقة المعيشية والتدهور الحاد في قيمة العملة الوطنية...إلخ. فأدى كل ذلك إلى نجاحٍ نسبي في وحدة قوى المعارضة، وإلى جنون النظام الذي تجلىَّ في انفلات خطابه السياسي وتدشين حملةٍ محمومةٍ لتفعيل مبدأ (فرِّق تسُّد) واستدعاء سياسات التسعينيات الأولى في تكفير الخصوم السياسيين وشيطنتهم وتعذيبهم بشكل وحشي، بما في ذلك علماء دين وسياسيين مشهورين مثل: الشيخ يوسف الكودة وإنتصار العقلي. مما تسبب في كشف بعض عناصر النظام. لكن جزع النظام البادي للعيان، إنما يرجع أساساً إلى تيقنه بقرب اختلال توازن القوى لصالح المعارضة، خاصةً مع تباشير ميلاد فجرٍ جديدٍ تتوحد فيه غالب قوى الهامش مع غالب قوى المركز الثقافي والقبلي والجهوي لأجل اسقاط نظام الإسلامويين وبناء نظام ديمقراطي بديل. وبينما لا توجد أمام المعارضة على أرض الواقع، أيَّة وسائل أو آلياتٍ بديلةٍ عن حث الخُطى نحو وحدتها، بما يكفل اسقاط النظام ويحافظ على وحدة البلاد ويحقق أهداف الشعب في الحرية والسلام والعدالة والرفاهية، يبدو النظام وقد استنفد كافة أوراقه المكرورة. وهكذا فإن دور الهجمة المرتدة من طرف المعارضة على حملة الإسلامويين يتلخص في:
1. تفكيك مبدأ "فرِّق تسُّد" وتسريع انجاز وحدة قوى المعارضة عبر تجاوز نقاط الخلاف والتأكيد في الفعاليات الجماهيرية على المسئولية العامة للسودانيين عما جرى في ببلادهم، وبالتالي مسئوليتهم المشتركة في الخلاص من الطغمة الإسلاموية. ويتطلب ذلك منهجاً موضوعياً وبراقماتياً يؤكد على مبدأ المحاسبة على كافة الجرائم بعد سقوط النظام، مع الفضح العلني لأي سلوك أو ممارسة تُساند مبدأ "فرِّق تسُد" بغض النظر عن صدورها من جعلي أو شايقي أو نوبي أو زغاوي أو بديري أو مُسلاتي أو تعايشي أو فوراوي أو مسيري أو بجاوي... إلخ.
2. مجابهة محاولات شيطنة المعارضة، بشيطنة نظام الإسلامويين، بالتركيز على تشويههم للإسلام الذي قدموه كنموذج للفساد والاستبداد وتسببهم في استقلال جنوب السودان وتخريبهم للنسيج الاجتماعي وتفريطهم في سيادة البلاد.
3. التركيز على النضال اللاعنفي كأساس لاسقاط النظام.
4. رصد وفضح عمليات اعتقال وتعذيب المعارضين بالداخل ومضايقة وإيذاء المعارضين بالخارج عبر بعض الأنظمة والمنظمات المتواطئة مع نظام الإسلامويين بالخرطوم.
بقولٍ جامعٍ، فإن مشكلة السودان تكمن في انعدام الديمقراطية وضعف ثقافة الديمقراطية والوعي السياسي. كما تكمن مشكلة الإسلامويين الحاكمين في عدم إيمانهم الحقيقي بالديمقراطية الحديثة كأرقى صيغة وصلت إليها البشرية لتداول السلطة وإدارة الحكم. فضلاً عن تهويمهم في سماء شورى غير مُلزِّمة... لكأن نص حديث النبي (ص) "أمور دنياكم أنتم أدرى بها" ينطبق على النخلة فحسب، دون نظام الحكم. يحدث هذا رغم تمتعهم بكافة منجزات الغرب الأوروبي والأمريكي من منتجات، بما فيها الديمقراطية، وذلك حسب إشارات ذكية للمفكر السوداني/ عبد العزيز حسين الصاوي، في معرض بحثه الدؤوب عن اهتبال الفرص الموجودة فعلاً على أرض الواقع للبناء عليها وصولاً لديمقراطية مُستدامة... بذلك (حسب تقديري) سوف يظل الإسلامويين يحومون حول الديمقراطية دون ولوج حتى يتبينوا الرُشد من الغي في تطوير أصل (الإجماع) المُتعذر، ليكون هو الديمقراطية الحديثة ولتكون العلمية أيضاً أحد أصول الفقه. حتى يكون كلاً منهما، أي الديمقراطية والعلمية، أصلان أصيلان من أصول الفقه... أو كما قال الإمام أبوحنيفة النعمان "هم رجال ونحن رجال"...
من جانبٍ آخر يظل صحيحاً للغاية، بحسبان الفهم السائد لدى الإسلامويين، ما تواتر من أنباء أوردتها مصادر موثوقة، حول سعي عناصر من السفارة السودانية بمصر لتلفيق جرائم جنائية ضد الناشطين من اللاجئين السودانيين بمصر بالتنسيق مع بعض العناصر الفاسدة بالأجهزة الأمنية المصرية. وذلك عقب رفض السلطات المصرية طلب تسليم هؤلاء الناشطين. وكانت الصحفية المصرية/ أسماء الحُسيني، قد أوضحت هذا الرفض المصري في مقالة منشورة.
قد يغلب الطبع التطبع وبالعكس
في حديثٍ للسفير المذكور بالصفحة الرابعة من صحيفة (الشروق) المصرية ليوم السبت الماضي الموافق 2 مارس 2013، أبان السفير موقفه فيما يتصل بتواجد الحركات السودانية المسلحة بمصر قائلاً "نشعر بقلق شديد لوجود هذه الحركات المسلحة في القاهرة" وقال عن مشكلة مثلث حلايب – شلاتين، الذي يرزح تحت الاحتلال المصري "لن نسمح بتعكير صفو العلاقة بين البلدين، لذلك قدمنا رؤية باعتبار أن هذه المشاكل تحل في إطار التقارب بيننا، وستظل مشكلة، ولكن عن طريق الإخاء والعزيمة الشعبية، لن تفرق بيننا حدود فالمصير المشترك والعلاقة الاخوية يمكن حل القضايا الخلافية التي يمكن أن تعكر صفو العلاقات." أما عن دور الموارد السودانية في سد الفجوة الغذائية بمصر فقد قال "طرحنا على مصر الاستثمار في زراعة مليون ومائة وخمسين ألف فدان في زراعة الحبوب، خاصة القمح، إلى جانب الانتاج الحيواني لسد احتياجات السوق المصرية"... وقلق السفير من الحركات المسلحة يعكس جانباً من شخصيته الهلوعة الجزوعة وخفة عقله، كما أفصح عنها سلوكه الذي كان مدعاة للسخرية من طرف السودانيين والمصريين على حدٍ سواء إبان أزمة اعتقال الصحفية المصرية/ شيماء عادل، في يونيو من العام الماضي. وقد أفاض مركز السودان المعاصر في تقرير له بعنوان " السفير السوداني بالقاهرة متهم بإرتكاب جرائم ضد الإنسانية ومطلوب للعدالة" صدر في يوم 15 سبتمبر 2012 في الكثير من خفايا شخصية السفير المذكور الذي يرى أن المصريين ليسوا أكثر من "سذج وسطحيين" وأنهم "أغبياء يحبون الأكل والكلام فقط" وأن طريقة التعامل مع المصريين هي أن " تمدحه وتتكلم عنه بإيجابية حتى غير صحيحة ؛ وتظهر بعض رجالاتهم بإفتخار ؛ يفرحون كالأطفال"... والأقوال المذكورة آنفاً عن المصريين، تعبر حقيقةً عن سفير السودان الحالي وعجزه حتى الآن عن التفريق بين مصلحته الخاصة والمصالح العُليا للوطن السوداني في إطار مصالح متوازنة وجيرة جغرافية لا فكاك منها . وتؤكد كما أبان بيان شباب الثورة السودانية بمصر بتاريخ الأحد 16 سبتمبر 2012 مساعي نظام البشير لابتزاز الدولة المعنية وتقديم رشى الأراضي واللحوم السودانية لها مقابل جرجرتها للوقوف ضد المصالح الوطنية العُليا للشعب السوداني، مما يُعد خيانةً وطنية بامتياز، حسب تعبير البيان المذكور. وحوار سفير السودان مع صحيفة (الشروق) المصرية، الذي أجرته الصحفية المصرية/ سنية محمود، يعتبر بيان بالعمل لرؤية السفير السوداني في المصريين، الذين وصفهم بأنهم "أغبياء يحبون الأكل والكلام فقط" فعرض عليهم أكثر من مليون فدان سوداني لسد احتياجات السوق المصري فضلاً عن الانتاج الحيواني، مبشراً برشى أخرى. كما أنه ابتزاز فعلي ومباشر حين يجعل مفتاح حل قضية المثلث السوداني المحتل، محل مساومة، تسكت عنه الحكومة السودانية عند ما تدخل دولة مصر مربع السفير الموصوف ب "التقارب بيننا"، لكنه (أي المثلث المحتل) يظل عصا مرفوعة بوجه مصر حينما لا تقترب كما يجب من الإسلامويين السودانيين، أو بحسب تعبيره "ستظل مشكلة"؛ وهذا حديث يُعبِّر عن خفةٍ مزدوجة في العقل السياسي للإسلامويين، مرةً بمساومة أحد أهم مكونات الدولة (أي الأراضي)، بموقف دعمٍ مُرتجى من دولة مصر، وأخرى بعجزه عن إدراك أبعاد ثورة 25 يناير التي رفعت عالياً شعار "عيش، حرية، كرامة إنسانية" تارةً و "عدالة اجتماعية" تارةً أخرى، فربطت بين "العيش" و "الكرامة" في جدلية مُحكمة. لكن عقل السفير المعني، لم يلتقط سوى كلمة "عيش" حسب رؤيته للمصريين. في وقتٍ يقوم فيه فصيل ثوري مصري، كألتراس أهلاوي، بهز أرجاء مصر جميعها، بسبب نزوع للكرامة، لا " العيش".
لكنني من باب الحرص على المظهر العام للشعب السوداني النبيل، أدعو سفير السودان بمصر للتخلص نهائيا من المعاني المباشرة للمثل السوداني الذي يساند منحى غلبة الطبع على التطبع في بلم العقل حين يقول "القلم ما بزيل بلم"؛ فقد يغلب التطبع الطبع إذا اخترق العقول. وأدعوه أيضاً للتعلم ولدخول عدة دورات في الديبلوماسية، خاصةً (والشهادة لله) قد لاحظت تغيراً فيه جعله يلجأ للإعلام لشرح وجهة نظره (الفطيرة)، بديلاً عن العنف المباشر. إذ ريثما نتخلص إلى الأبد من ربقة حكم الإسلامويين؛ فإنني لا أطيق صبراً على تدني القيمة الوطنية والديبلوماسية لسفير السودان بمصر، الذي قد يُفاجئ الجميع ويُغالِّب بلم حس العدالة عنده بلقاح المعرفة فيغترف التطهر مما ولغ فيه، أو كما يقول أهلنا في الشمال " المَرميّ في القِدِر يجيبو المُغراف".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.