اعداد الاستاذ : زكريا ادم على لقد كثر الحديث فى الاّونه الاخيرة عن الهوية السودانيه تناولتها بعض الاقلام بنوع من المزايدة السياسية دون التعمق فى جزور المشكلة ومعرفة اسبابها والبحث عن الحلول بطرق علمية مجردة من العواطف .هناك بعض النخب السياسية السودانيه والكتّاب ممن تناولوا اشكال الهوية وابرزوها الى السطح كواحدة من اسباب الصراع الدائر فى السودان منذ الاستقلال والى يومنا هذا, وقد فشلت كل الانظمة التى تعاقبت على الحكم فى السودان فى التعاطى معها كمشكلة ينبغى ان يجانبها الوضوح والشفافية لانها ذات اهمية فى تكوين الوجدان الواحد المتشابك والمشرءب الى بناء امة متجانسة فى تفاعلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وصولا الى المفهوم الشامل للقوميه بدلا من الانكفاء نحو الشعوبية بتفرعاتها القبليه والاقليمية . وكمثال لذلك هناك بعض الشعوب والقبائل نشأة وترعرت فى السودان ولكن انتماءها الوجدانى والقومى الى دول اخرى فى الاقليم فى تعبير صادق عند ضعف اليات البناء القومى عبر الممارسة السياسية والنهج التربوى والتعيلمى الذى يشكل فيما بعد سلوك الافراد والجماعات ليكون ذلك نهجا او سلوكا مجتمعيا مؤسس على نحو خاطئ لمفهوم الهوية بمعاييرها الدوليه الحديثه التى تستنبط تعريفاتها لهوية البلدان من مرجعياتها التاريخيه التى لا يمكن اغفالها باى حال من الاحوال فى تضمين تعريفنا للهويه . كما ان الموقع الجغرافى يشكل مرجعا اساسا لتحديد الانتماء الجغرافى حسب ما هو متعارف عليه قاريا كان او اقيميا وفقا لتقسيم الكرة الارضيه . الثقافة ايضا تشكل جانبا مهما فى رسم خارطة الهويه لاى بلد فهى المراّة التى تعكس هويتك للاخرين دون النطق بها فاللغه وحدها ليست كافيه فى التعبير عن هوية اى بلد لانها متعلمة فمثلا اذا فرضت سلطة ما تدريس اللغه الالمانيه او البرتغاليه فى اى بلد عربى واصبحت تلك اللغه فيما بعد هى اللغه السائدة بل اللغه الرسميه والشعبيه هل يعنى ذلك ان هذا البلد العربى هويته المانيه او برتغاليه بالتاكيد الاجابة سوف تكون لا وبالنفى الغليظ . اذن الثقافة السائدة هى التى تشكل هوية البلد وليست اللغه السائده لان اللغه هى اداة معبره عن الثقافه وليست هى الثقافه ذاتها. فالثقافه هى عبارة عن خبرات تراكمية تشمل القيم والرموز والاخلاق والسجايا والمعتقدات والمفاهيم والامثال والمعايير والتقاليد والاعراف والعادات والوسائل والمهارات التى يستعملها الانسان فى تعاملة مع بيئته . كما يندرج فى شمولية الثقافه ايضا الابداعات التعبيريه الفنية من ادب وموسيقى ورسم ورقص وغيرها . ضف الى ذلك الفكر وعلوم الفلسفه ومذاهب وعقائد ونظريات . اذن اذا اردنا تعريف صادق للهوية السودانيه ينبغى علينا دراسة الجوانب الثلاثه بتعمق وصدق متجرد حينها نستطيع ان نقول الهويه السودانيه هى كذا . والجوانب الثلاثه التى اعنيها هى : اولا :الجانب التاريخى ثانيا :الموقع الجغرافي ثالثا :المكون الثقافى الجانب التاريخى :- مما لا جدال فيه ان هناك ممالك عظيمة حكمت هذه البقعة الجغرافية التى تسمى السودان الان فهى عرفت ببلاد كوش وبلاد النوبه وهى الممالك التى تعود اليها اصول الحضارة السودانيه ومصدر فخرنا وتباهينا بين الامم الاخرى بل هناك بعض الدراسات قطعت بان السودان ابو الدنيا ان كانت مصر ام الدنيا . جاء هذا عنوان لكتاب الفه القمس فيلوساوس فرج بعنوان ( السودان ابو الدنيا) وصاغ فيها مبررات وادلة من العهد القديم تؤكد صدق ماذهب اليه . كما ان معظم الدراسات التاريخية تشير الى ان الاصول السودانية القديمة هى اصول افريقية حكمت هذه البقعة فى شكل ممالك وسلطنات واقامت حضارات عظيمة قدمت الى البشرية روائع فى طرائق الحكم والادارة والتعايش السلمى بين مكونات مجتمعاتهم بقوانين بعضها سماويه ممثله فى الاديان واخرى عرفية من واقع حياتهم المعاشة لكنها استطاعت ان ترسى دعائم حكم اساسية مازالت مرشدة فى بعض الاحكام تصلح ان تكون مواد دراسيه تتناسب وحل المشكلات التى تقوم بين افراد المجتمع فى هذا الزمان وقد عجزت كل القوانين الوضعية الحديثه على القدرة على حل تلك المشكلات باعتبار انها ليست نابعه من الثقافه المتراكمه للمجتمعات عبر حقب زمانيه متوارثه جيلا بعد جيل . مثل الحضارة النوبية فى الشمال وممالك تقلى والسلطنة الزرقاء وسلطنة الفور وقبلها الداجو والتنجر فى دارفور الحالية . ونحن نتحدث عن التاريخ علينا ان لا تغفل التغيرات الديمغرافية التى اثرت فى التركيبه السكانيه واللغه وادخلت بعض الثقافات الحديثه التى تمازجت مع الثقافة القديمة للسكان القدماء وشكلت اضافة حقيقية لماهو موجود اصلا خلاصتة هى الشكل الحالى للسكان الموجودين الان فى السودان ولكن التحول الثقافى الذى حدث شابتة بعض الظواهرالايجابية لا يمكن تجاهلها مطلقا ولكن لان الموضوع يتعلق باشكال الهويه سوف اركز جل حديثى عن الظواهر السالبه التى عكست فيما بعد التفاعل السالب بين مكونات المجتمع خاصة ما يتعلق بمقبولية الهوية اورفضها لاسباب ذات صلة بتلك الظواهر السالبة . ومن اهم الظواهر التى اثرت فى تشكٌل الهويه فى وقت مبكر هى :- دخول العرب الى السودان كفاتحين ودعاة الى دين الاسلام . وقد وجدت هذه الدعوة الاسلاميه قبولا واسعا لدى السكان الاصليين ولكن هناك بعد الممارسات التى استصحبت الدعوة الى الاسلام وهى متناقضه تماما مع تعاليم الدين الذى يدعو الى الحرية . فقد مارس الفاتحين العبوديه على السكان وشرعنت لذلك باتفاقية عرفت باتفاقية البقط وهى كانت بمثابه ممارسه شرعية للعبودية . هذا الممارسة خلقت فيما بعض نظام اشبه بالطبقى اى طبقة العبيد وطبقة الاشراف خلقت حاجزا نفسيا بين السكان واصبحت العبوديه سمة ملازمه للسكان الاصليين والذين هم بالضرورة من الناطقين بغير العربية أوربما كانو زنوجا فى غمرة هذه الحواجز النفسية الناتجه عن الممارسات التاريخية تشكلت الدولة بمفهومها الحديث وفرضت معها الهوية العربيه للدولة والثقافة الاسلامية واتخاذ الشريعة الاسلاميه كمصدر وحيد للتشريع فى حقبة ما واضيف اليها على استحياء الاعراف كاحدى المصادرفى بعض التشريعات , وتعمدت عن قصد عدم الرجوع الى التاريخ لاستصحابه وتضمينه كمشكِل اساسى فى تعريف الهوية . هذا الواقع الجديد بكل تجليات شكل نوع من المرارات لدى اصحاب التاريج الضارب فى الجزور لانه يحمل جرافات تطمس اللغة اولا والتاريخ ثانيا بالاضافة الى النظرة الدونية ممن يرون انفسهم اشرافا وهنا نتج الصراع بعدم مقبولية الهوية المفروضه لاسباب تتعلق بالتاريخ .